خطبة
الجمعة
غربة الدين
19/2/2016م
الحمد
لله بيده الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ،سبحانه من سنّته
أن يبدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ ! فما أعظم غربتكم يا
مسلمون وما أعظم غربة الإسلام في هذا
الزمان !نشهد يا ربنا أنه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، أتممت علينا نعمة الإسلام وارتضيته لنا دينا ،
ووعدتنا بالفرج بعد الكرب ، وبالعزة بعد
الذلة ، وبعودة الإسلام والتمكين له بعد غربته مهما طالت فقلت وقولك الحق :"
حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ولا يرد بأسنا عن القوم
المجرمين " ، يا أيها الملك يا الله ، يا أيها الملك يا ربنا ، عظمت غربتنا
في ديننا فاكلأنا بعنايتك ، وحطنا برعايتك ، وشدد على أعداء المسلمين وطأتك ، بدد
جمعهم ، وشتت شملهم ، وأشغلهم بأنفسهم ، وكن لنا مجيرا ونصيرا يا الله فأنت ولينا فانصرنا على القوم الكافرين . ونشهد
أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، بعثه الله بالإسلام دين الحق ،فبدأ به فردا
غريبا ، وبعد سنوات معدودات صار أمّة تقبض على ناصية الشرق بيمينها وتهز الغرب بيسارها وتجمع الشمال والجنوب بين يديها ، إنه محمد الحبيب
المفدّى ، لا والله لا نقيل ولا نستقيل حتى يقبض الله أرواحنا تحت رايته ،قال وهو
الصادق المصدوق :" إن الدين بدأ غريبا
ويرجع غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي
من سنّتي ". اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمد صلاة وسلاما دائمين
إلى يوم الدين ، وصل اللهمّ على آله الطاهرين ، وعلى أصحابه الغرّ الميامين ، وعلى
أتباعهم وتابعيه بإحسان ، وعلى المسلمين الغرباء في القدس وفلسطين وسائر البلاد
إلى يوم الدين .
أما بعد،
يا مسلمون :
قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس
على ضلالة عامّة مقتهم الله وأبغضهم بسببها ، وقد وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم
بقوله :" إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب " واليوم يمقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم لكفرهم وشركهم
ومعاصيهم إلا المسلمين الذين يعيشون غرباء ، فيا بشراكم بحب الله لكم ودخولكم في
كنفه .
أيها المؤمنون : ولما بعث رسولنا صلى
الله عليه وسلم أعرض أكثر الناس واستجاب له النفر القليل فاستضعفوا وشرّدوا
وطردوا ، فهاجر من المسلمين من هاجر وعذّب
من عذّب واستشهد من استشهد ،فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء ، وحال المسلمين
اليوم كحال الغربة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
رضوان الله عليهم ، وغربتنا التي نعيشها غربة عامة تشمل كل المسلمين في كل
بقاع الدنيا ، وغربة خاصة يعيشها شعبنا الفلسطيني في القدس والمسجد الأقصى وسائر
الديار الفلسطينية ، أما غربة المسلمين العامة فمن مظاهرها توسيد الأمر إلى غير
أهله وانتشار الفساد في المجتمعات الإسلامية ، واجتماع الغرب والشرق وأعوانه من
المنافقين على محاربة الإسلام وعلى الإبادة الجماعية للمسلمين في بلادهم ، وصار
المسلمون في غربتهم كغثاء السيل، الركب كثير والحاج قليل تشرد وانكسار وذل وعار ومذابح وسفك دماء ، وانغماس
في الشهوات والملذات وانتهاك لحرمات الله ، وتقصير وإعراض عن فرائض الله وعن العمل
بأحكام شريعته ، والغرب والشرق يجتمع على محاربة الإسلام وعلى الإبادة الجماعية
للمسلمين في بلادهم ، فمن لهذه الغربة من رجال
الإسلام وشبابه يجلي ليلها وينهي ظلمها وظلامها
أما لله والإسلام حق يدافع عنه شبان وشيب
فقل لذوي الضمائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكموا أجيبوا
يا عباد
الله ، يا مرابطون :
أما غربتنا في بيت المقدس وأكنافه فتدخل في غربة المسلمين العامة ، ويضاف إليها
غربتنا في ظل الاحتلال ، قتل وحرق للأطفال من الذكور والإناث وهدم للبيوت واعتقالات وأسر ونهب للعقارات وانتهاكات يومية لحرمة المسجد الأقصى الذي يعيش في غربة الاحتلال
منذ عقود عديدة ولا بواكي له ولا صريخ !
والغربة التي يحياها المسجد الإبراهيمي بالإعتداءات المتكررة عليه
وعلى سائر المساجد والمقدسات ، وغربة
القضية الفلسطينية بتجاهلها وتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني في الداخل
والخارج ..هذا من جهة ومن جهة أخرى غربة
قضيتنا المصيرية بانقسام من يحملونها عللا
أنفسهم وانشغالهم بهذا الانقسام إنها الامانة المفرط فيها فأين نحن من قول النبي
صلى الله عليه وسلم : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"
يا عباد الله ، يا مسلمون:
إن غربتنا عن ديننا في بيت المقدس وأكنافه تزداد يوما بعد يوم ، ألا
ترون تفلت بعض الشباب والبنات؟ ألا ترون
تنصل الآباء والأمهات من مسئولية تربية أبنائهم بحجة أنهم غير قادرين عليها
؟ ألا ترون سوء الجوار وانتشار المخدرات
وازدياد المقاهي في الأحياء السكنية دون وازع أو حياء ؟ ألا ترون انتشار العادات
الجاهلية في أفراحنا وأعراسنا وعادتنا ؟ ألا ترون الاختلاط المحرم في الجامعات
وغيرها من الأماكن ؟ ألا ترون تسرب العقارات إلى يد الاحتلال ، ألا يقض مضاجعكم ما ترونه وتسمعون عنه من تساقط
أخلاقي وأمني ؟ لماذا بعض النساء يتوجهن إلى شرطة الاحتلال لحبس أزواجهن ؟ هل وصل
التفلت من القيم الدينية إلى هذا المستوى؟ لماذا من الناس من لا يعجبه إلا أن يأكل
أموال الناس بالباطل ولا يعجبه إلا أن يأكل الحرام ؟لماذا يستمرىء أقوام مقدمات الزنا؟ لماذا صار بعض الناس من
المسلمين عندما يدخل المسجد الأقصى لا
يراعي له حرمة ،لماذا بعض أبنائنا يتشربون
ثقافة الاحتلال في لبسهم وكلامهم وتصرفاتهم وعاداتهم ؟ إن رسولنا صلى الله عليه وسلم خشي علينا من الشبهات والشهوات
وحذرنا منها فقال :" إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات
الفتن " وفي رواية " ومضلات الهوى" ، فيا أيها الغرباء في بيت
المقدس وأكنافه قوموا وانهضوا وأصلحوا ما أفسده الناس فيكم، وكونوا من الغرباء الذين يحبهم الله ، الذين
يصلحون ما أفسد الناس ، والذين يفرون بدينهم من الفتن ، فهؤلاء وعدهم النبي صلى
الله عليه وسلم أن يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى بن مريم ، ولا تخيفكم كثرة
الباطل والضلال وأهلهما فأنتم أقوى بالله وأقوى بدينكم ، إنكم تعيشون في أيام
الصبر ، إنها أيام الغربة في الدين القابض فيها على دينه كالقابض على الجمر ، له
أجر خمسين ممن سبقكم ، لأنه لا يجد على الحق والخير أعوانا فالزموا يا مسلمون
دينكم وكونوا من الغرباء الذين وصفهم النبي
صلى الله عليه وسلم فقال :" قوم صالحون قليل في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر
ممن يطيعهم "وقال في وصفهم أيضا :" الذين يفرون بدينهم من الفتن "،
يا مسلمون ، يا مؤمنون
أصلحوا أنفسكم عند فساد
الناس وأصلحوا ما أفسد الناس من أمور
الدين فإذا فعلتم ذلك جمعتم الغربة بشمولها ، واعلموا أن أجر المسلم المتمسك بدينه
إذا صار الدبن غريبا كبير فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" طوبى
للغرباء" وكلمة طوبى تشمل حسن الجزاء والعاقبة في
الدارين الدنيا والآخرة ، وأنتم اليوم تعيشون في بلاد الشام التي يهيؤ الله
الغرباء فيها لحمل الدين ونصرته ونشره في الأرض ، وما يجري من الأحداث في بيت
المقدس واكنافه ما هي إلا جولات تصبرون
وتعضون فيها على دينكم بالنواجذ
حتى يدحر الله الظالمين بذلهم وخزيهم ، جاء في الحديث الشريف : :" إن من
ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيها أجر خمسين ، قالوا :يا
رسول الله أجر خمسين منهم أو خمسن منا؟ قال :" خمسين منكم"
اللهم ارزقنا منازل الأولياء
وأجر الشهداء وحياة السعداء ،وأعد للدين عزّه ، وللإسلام مجده ، واجعلنا من قادته
وجنده .
عباد الله : استغفروا الله فإنه سبحانه غفور رحيم وادعوه وأنتم
موقنون بالإجابة ...
الخطبة الثانية
الغربة في الدين
الحمد لله رب العالمين ،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، بلغ
الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم
صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه و التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
... أما بعد يا مسلمون ، يامؤمنون :.....غربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة المكرمة لم تدم طويلا
، فهاجر المسلمون إلى المدينة المنورة وفيها عزوا وسادوا ودخل الناس في دين الله
أفواجا فطهر الدين ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم
إلى الرفيق الأعلى إلا والناس على الاستقامة وكلمة الإسلام هي العليا
في الناس ،فغربتكم عما قليل تزول ، ومهما
استعلى أهل الكتاب واسترسلوا في ظلمهم فاندحارهم قريب فقد قال الله تعالى :" والذين كذبوا
بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين"، فسنّة الله في
هؤلاء المجرمين الإمهال ليس الإهمال ،ولكن الله عز وجل لا ينزل نصره على الغافلين
ولا على المنحرفين الضائعين النائمين ، وإنما ينزله على المسلمين الثابتين على
دينهم ، فلا تخلوا بالأعمال الصالحات ، ولا تستبدلوا منهج الغرب بشريعة الله ، ولا
تخلعوا ما ألبسكم الله من لباس التقوى والإيمان والكرامة ،واعلموا أن غربتكم التي
تحيونها ليس تعذيبا من الله لكم بل هي اختبار وتمحيص لتكفير سيئاتكم ولرفع درجاتكم
، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمِّ
يُهمّه إلا كُفّر به من سيئاته" فمن كان أبا لشهيد فلصبر وليحتسب ، ومن كانت
أما أو زوجة أو ابنة لأسير فلتصبر ولتحتسب ، ومن كان صاحب بيت هدم أو معرض للهدم
فليوكل أمره إلى الله فإن الله حسبه ونعم الوكيل ،
وأنتم أيها الأسرى صبر صبرا فإن خذلكم أولو الأمر فيكم فلن يخذلكم
الله والعاقبة لكم ، وأنتهز الفرصة
للمطالبة بالإفراج الفوري عن الأسرى المضربين عن الطعام وإنهاء سياسة الاعتقال
الإداري لأنه اعتداء على حرية الإنسان وأنت أيها المسجد الأقصى انتظر ففاتحك
القادم يمتطى صهوة جواده قادما إليك ، وأنتم يا مسلمون إذا اشتد عليكم البلاء في قادم
الأيام فاثبتوا ولا تيأسوا واعلموا أنه
بشارة الفرج ، فالشدة عاقبتها الرخاء والهزيمة عاقبتها النصر والاستضعاف عاقبته
التمكين في الأرض ، ويكفيكم فخرا وشرفا وتيها أنكم من الذين قال فيهم الرسول صلى
الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من
خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"
يامسلمون:
اجعلوا غربتكم الصلاح وحب
الآخرة وجددوا إيمانكم واحرصوا على الفرار من الفتن ، وخذوا بوصية النبي لابن عمر
رضي الله عنهما :" «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ
سَبِيلٍ»، وفي رواية: «وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْل القبور " وقال الحسن:
المؤمن في الدُّنْيَا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس فى عزها، له شأن وللناس
شأن.
وهذا حق فالمؤمن في
الدُّنْيَا غريب؛ لأنّ أباه آدم إِنَّمَا
كان في دار البقاء، ثم أخرج منها، فهمه الرجوع إِلَى مسكنه الأول، فهو أبدًا يحن
إِلَى وطنه الَّذِي أخرج منه كما يقال: "حب الوطن من الإيمان". وفي
الحديث الشريف :" عن أبي هريرة، عن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ
أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» .
اللهم
اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، واجعلنا هداة مهتدين ، وانصر الدين
بنا وانصرنا بالدين ، اللهم ارفع الظلم عن المسلمين في سوريا وفلسطين وسائر بلاد
المسلمين ، اللهم ألف بين قلوب المسلمين ، وارفع راية الحق والدين ، اللهم احفظ
أقصانا واجعله عامرا بنا وبالمسلمين إلى يوم الدين ، اللهم كن مع الأسرى
والمعتقلين ،أطلق سراحهم ،وفك أسرهم ، وأرجعهم إلى أمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم
وبيوتهم سالمين ، اللهم اقض الدين عن المدينين ، وفرج كربات المكروبين ، اللهم
اغفر لنا ولآبائنا وأهلينا ولمن لهم حق علينا ، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات ،
الأحياء منهم والأموات ، اللهم أحينا مسلمين مؤمنين محسنين ,وأمتنا مسلمين مؤمنين
محسنين ، وابعثنا من قبورنا مسلمين مؤمنين محسنين برحمتك يا أرحم الراحمين ، وأنت
يا مقيم الصلاة أقم الصلاة :"
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون"
0 التعليقات:
إرسال تعليق