خطبة الجمعة
الأرض في الإسلام
4/4/2014
الحمد
لله الذي خلق الأرض ومن عليها ، وجعلنا في أحسنها مكانا فبلادنا مقدسة مباركة ،
وأرض رباط ومقارعة للأعداء إلى يوم الدين ،سبحانه ربي وربكم ، قال وهو أصدق
القائلين:"إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" ،
فالأرض أرضنا ، والقدس قدسنا ، والأقصى أقصانا ، والله ربنا ومولانا ، وهو حسبنا
ونعم الوكيل .
ونشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يحيي ويميت، بيده الخير ،وهو على كل شيء قدير،اختار
لنا أحب الأسماء فقال ": هو سماكم
المسلمين" وجعل أكرمنا عنده أتقانا
له فقال ": إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فجددوا انتماءكم للإسلام
، فلا انتماء إلا لله ولرسوله ولدينه ، ولا كرم لنا إلا بشرع الله وتقواه . ونشهد
أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله
أحب أرضه ووطنه مكة المكرمة ، ولعن من أعان على إخراجه منها ، فقال ": اللهم
العن شيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض
الوباء ،
ونحن أهل فلسطين ، نتوجه إلى ربنا داعين فنقول :
اللهم عليك بمن تسبب بضياع بلادنا واحتلالها ،اللهم عليك بمن شردنا منها ، اللهم
عليك بمن يسومنا فيها سوء العذاب ، اللهم عليك بمن يدنس مقدساتنا ، وينتهك حرمة
أقصانا ، يا ربنا إن شعبنا في أرضه مغلوب
فانتصر ، اللهم وكما رددت رسولك إلى مكة فاتحا ،فرد المسلمين المهجرين إلى أوطانهم
فاتحين ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وصل اللهم على آله الطاهرين ،وعلى
أصحابه الغر الميامين ، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
في
الثلاثين من شهر آذار من كل عام يتذكر شعبنا "يوم الأرض" الذي صار معلما
من معالم الهبة الشعبية العفوية ضد الاحتلال ، الاحتلال الذي يعتدي على أرضنا
ظاهرها وباطنها ، أما ظاهرها فيتمثل بمصادرة الأراضي وهدم البيوت والمساجد فوقها وتغيير معالمها العربية
والإسلامية وغيرها من الاجراءات التي تهدف إلى تهويدها ،وأما باطنها فيتمثل في
اعتداءه على أمواتنا في قبورهم بتجريفها وإزالتها من أماكنها ، وهي قبور أجدادنا
من الصالحين والأولياء والقادة والعلماء والشهداء وغيرهم من أموات المسلمين ،وهو
اعتداء صريح على الإنسان والأرض جميعا .
يا عباد
الله :
كل يوم
من أيام المسلمين هو يوم من أيام الأرض عندهم ،فالله سبحانه استخلف الناس على
الأرض استخلافا عاما ، ليعمروها بمنهاجه ، وليحتكموا فيها إلى شريعته ، ولما كان أكثر الناس لا يؤمنون خص
الله المسلمين بالاستخلاف وأوجبه عليهم ، فهم في كل يوم يعبدون الله فيه بأداء ما
افترضه ، وباجتناب ما حرّمه عليهم ، وبالتنادي إلى تحكيم الإسلام في حياتهم وفي
واقع الناس جميعا ، قال الله تعالى " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم
فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحي
أيها
المسلمون:
الأرض
وسيلة من وسائل الوصول إلى جنات النعيم لمن أصلح فيها ، فأسلم فحسن إسلامه ، فلم
ينافق ،ولم يوال كافرا ، وهاجر إلى ربه تعالى ، فهجر السيئات والمعاصي والمنكرات
والآثام وفي مقدمتها التحاكم إلى شرائع البشر ،ولم يتخذ عقائد البشر الفاسدة بدلا
من عقيدة التوحيد ، ثم وقف للمنكرات فأنكرها بحسب قدرته ، بيده ،أو بقلبه "أو بلسانه ، قال الرسول
صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق ، فقعد له بطريق الإسلام
فقال له : أتسلم وتترك دينك ودين آبائك فعصاه وأسلم ،ثم قعد له بطريق الهجرة فقال
له : أتهاجر تدع أرضك وسماءك فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له : أتجاهد
وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك ويقسم مالك فعصاه وجاهد "
اللهم
أحسن إسلامنا لك ، وأحسن هجرتنا إليك ، وأتم علينا نعمة الرباط وأجرها في المسجد
الأقصى وفي بيت المقدس وأكنافه ...
أيها
المؤمنون :
والأرض وسيلة من وسائل غضب الله على العباد
،واستحقاقهم عذابه في نار جهنم إن هم أفسدوا فيها بالكفر والشرك واستضعاف المسلمين
،والعلو بالباطل، ونشر المنكرات، والاستهانة بالإنسان وبدمه وبعرضه وبماله ، وستأتي
الأرض شاهدة على الإنسان يوم القيامة، كما أخبر الله بذلك فقال سبحانه ":
يومئذ تحدث أخبارها"،
وقرأ
النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم سأل الصحابة : "أتدرون ما أخبارها
"؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال ":فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة
بما عمل على ظهرها أن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها "،
فالأرض ستشهد على كل واحد منكم بما عمل من الخيرات والصالحات فأكثروا منها ،
وستشهد الأرض على الناس جميعا بما عملوا من شر
ومنكرات ، فانتهوا عنها حتى تأتي صحائفكم بيضاء يوم القيامة من كل منكر
وسوء ، فالله تعالى يقول " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة
شرا يره"، روي عن كعب الأحبار أنه قال ":لقد أنزل الله على محمد آيتين
أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن
يعمل مثقال ذرة شرا يره" ونذكر أهل الكتاب في هذا المقام أن الله سيحاسبهم في
الآخرة حسابا شديدا على ما اقترفوا في أرض المسلمين من مجازر وويلات ، وسيحاسبهم
أشد الحساب على تآمرهم على تهجير المسلمين من أراضيهم وأوطانهم ، وعلى تدخلهم
الشرير في قضايا المسلمين المصيرية كما
يحدث في بلاد الشام ومصر وغيرها من بلدان المسلمين وأوطانهم ،و إن الله لهم
بالمرصاد فسيعذبهم في الدنيا بأيادي المسلمين ، ولن يخرجوا من الدنيا من غير عقاب
رباني لهم ، يقول ربنا عز وجل ": قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص
بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون"اللهم
إنا ننتظر وعدك الحق بعذاب الكافرين بجند من عندك وبأيدينا ، فأنت الناصر وأنت
النصير وأنت على كل شيء قدير...
أيها
المؤمنون ، أيها المسلمون :
حتى نحب
أرضنا حبا حقيقيا ، وحتى يكون انتماؤنا إليها انتماء صادقا ، لا بد أن نعزز انتماءنا للإسلام ،وأن نعود إلى التمسك به
، لأن الأرض خلقها الله تعالى للبشر ليكونوا فوقها مسلمين ، وبدينه وبشريعته
عاملين ،فالسيادة فينا وعلينا للإسلام ، فلا نرتبط إلا به ، ولا نستظل إلا برايته
، لا نستظل براية القومية ، ولا براية الرابطة الوطنية،ولا براية الشعوبية ،
فالولاء لله أولا ولرسوله ثانيا ولجماعة المسلمين ثالثا وأخيرا ، فهذا هو الحبل
الذي أمرنا الله أن نعتصم به ، والرابطة التي علينا أن ندخل فيها ،يقول الله تعالى
": واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"وقد ذم الرسول صلى الله عليه
وسلم كل راية لا يكون ولاؤها للإسلام ومن ذلك قوله ":ومن قاتل تحت راية عمّية
، يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية".
يا عباد
الله ، يا مسلمون :
إن
المسلم يحب أرضه ووطنه ، لأن حب الوطن فطرة فطر الله الإنسان عليها ، كما قال الله عز وجل ": فطرت الله التي
فطر الناس عليها ، ونحن نحب أرضننا ووطننا ،مسقط رؤوسنا ، وموطن آبائنا وأجدادنا ،
وهو الأرض التي أكرمنا الله بالإنتماء إليها عقيدة ربانية، وتاريخا مجيدا جبلت
بدماء الشهداء والصالحين من الصحابة والتابعين عبر القرون ،
ومع كل
هذا فإن المسلم يقدم حب الإسلام على حب الوطن والأرض ، والمسلم يقدم حب الدين على حب الوطن ليحفظ وطنه وأرضه
من الكافرين والمعتدين ، فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقدم حب الدين على حب مكة
التي هي وطنه وأرضه والتي قال عنها وهو مهاجر منها " ولولا أن قومك أخرجوني
منك ما خرجت"، وكذلك فعل الصحابة الكرام هاجروا معه إلى المدينة المنورة ،
وهاجر بعضهم قبلها إلى الحبشة ، كل ذلك
فرارا بالدين وحفاظا عليه ، فأكرمهم الله عز وجل بالعودة إلى وطنهم وأرضهم مكة
المكرمة أعزاء منصورين .
أيها
المسلمون أيها المؤمنون:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه
الكرام ، لم يرتضوا أن يظلوا مهجرين ، ولم يساوموا قريشا على عودة بعضهم دون بعض، بل عادوا إلى
مكة فاتحين ، وما سمعنا في سيرة الرسول
صلى الله عليه وسلم ولا في سيرة أصحابه أنهم ساوموا قريشا على تقسيم مكة إلى شرقية
أو غربية ، ولا حتى إلى شمالية أو جنوبية ، هل سمعتم يا مسلمون أن النبي صلى الله
عليه وسلم هو وأصحابه ارتضوا أن يظل صنما واحدا في مكة يدل على الشرك والكفر؟ فلماذا تهود الأرض ويهود معها الإنسان، وتنتهك
حرمة المسجد الأقصى وباقي المساجد، والمسلمون في عماية وضلالة وجبن وخور؟
يا عباد
الله :
وعندما
فتح المسلمون مكة كانوا جميعا أنصارا ومهاجرين ، أما المهاجرون فعادوا إلى أرضهم
وأهلهم ووطنهم ، وأما الأنصار فتركوا أرضهم نصرة لله ولرسوله وللمهاجرين الذين
أخرجوا من ديارهم بغير حق ، فهل يخرج المسلمون أنصارا من شتى بقاع الدنيا نصرة
لدينهم ونصرة للمهجرين من المسلمين من أراضيهم وبلادهم ؟ وهل يجمعنا الإسلام تحت
رايته؟ وهل نقود العالم إلى خيري الدنيا والآخرة ؟ألم يؤمن المسلمون بعد بقول الله
تعالى ": والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في
سبيل
الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم "
اللهم
اكتبنا عندك ممن آمنوا بك حقا وصدقا ، واغفر لنا فإنك أنت الغفور الرحيم ، وارزقنا
النصر المبين .
عباد
الله : استغفروا الله وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد
لله رب العالمين ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،من آمن به اهتدى
ونجا ، ومن كفر به هلك وخاب ، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، بلغ رسالة
ربه على وجه التمام ، وأتم الله به النعمة علينا بالإسلام ، اللهم صل وسلم وبارك
عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد،
يا مسلمون:
إن أرضنا
تدعونا إلى أن تتحد كلمتنا ومواقفنا في
سبيل نصرة قضيتنا ، وهذا يتطلب منا أن تكون أيادينا متوضئة، وجباهنا ساجدة لله في
كل يوم وليلة خمس مرات ، فهذه الأيادي والجباه هي التي تحب أرضها حبا صادقا ، وهي
التي تخلص لوطنها في كل مواقفها ، فهل عادت أرض أو تحرر وطن بالغناء الفاحش ؟أو
بالرقص المختلط الماجن؟ أو بالتخاذل والتنازل عن المبادىء والقيم والتاريخ
والأمجاد؟:
أبي
الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا
بقيس أو تميم
والذي
يحفظ الأرض والوطن ويعيد له مجده وكرامته هو الذي يقول
،
فاجمعوا شملكم ،ووحدوا كلمتكم على تقوى الله تعالى ، وعلى طاعته عز وجل فوق أرضكم
ليحفظكم فوقها وليحفظها لكم وبكم ، وصدق الله العظيم حيث يقول "ولقد كتبنا في
الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"
أيها
المؤمنون
حبكم
لأرضكم يعني ألا تفرطوا في ذرة تراب منها
،فالخيبة والخسران لمن باع عقاره لأعداء الدين ، وخاب وخسر كل من يملك عقارات في
القدس للبيع والإجارة ثم يمنع المسلمين من سكناها برفع أسعارها فوق طاقة من ينوي
الرباط فيها ، فحب القدس والمسجد الأقصى يدعونا جميعا إلى تعزيز الهجرة إلى داخل
القدس وليس إلى الهجرة منها ، فهذا هو
الرباط وهذا هو طريقه الذي يؤدي إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدها الله للمتقين
وللمرابطين .
والمسجد الأقصى الذي تحبونه ، ترجموا حبكم له
بالصلاة اليومية والرباط فيه ، لتنالوا فضيلة الصلاة فيه ، وفضيلة مضاعفة أجرها ،
وفضيلة الرباط ، وفضيلة شد الرحال إليه
استجابة لحث الرسول صلى الله عليه وسلم ": لا تشد الرحال إلا إلى
ثلاثة مساجد "، وذكر منا المسجد الأقصى
يا عباد الله :
إن الأرض التي أكرمنا الله بالرباط فيها تدعونا
إلى التكاتف وإلى التعاون وإلى التراحم على مستوى الأرحام والقرابات والجيران
والأحياء ، فإذا فعلنا ذلك كنا قلبا واحدا ويدا واحدة على طاعة الله والعمل
لمرضاته ،وحينها سيكون الله معنا ولن
يترنا أعمالنا وسينصرنا على من عادانا ، فالأرض حين يحكمها ويملكها الصالحون، ينتشر فيها العدل ، وتحل
عليها البركات ، وينعم فيها الناس بالأمن والخيرات في ظل المسلمين المتقين
الصالحين فاجعلوا شعاركم أبد الدهر :
أضحى
الإسلام لنا دينا وجميع الكون لنا وطنا
توحيد
الله لنا نور أعددنا الروح له سكنا
الكون
يزول ولا تمحى في الأرض صحائف سؤددنا
علم الإسلام
على الأيام شعار المجد لملتن
أيها
المسلمون، أيها المؤمنون:
الجنة
وما فيها من نعيم مقيم هي وطنكم ودار
الخلد التي تنتظركم ، فشدوا لها رحالكم بإيمانكم وأعمالكم الصالحة ، وبرباطكم على
هذه الأرض التي كتبها الله لكم ، فرباطكم فيها وفي المسجد الأقصى ، وتعاونكم عل
طاعة الله تعالى ، وتناصحكم فيها بما فيه
خيركم ، كل ذلك أعمال صالحة ،ومطايا توصلكم إلى وطن الإقامة ، إلى الفردوس والجنة
، قال الله تعالى ": تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض
ولا فسادا والعاقبة للمتقين "
ربنا لا
تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا أصلح أحوالنا
واختم بالصالحات آجالنا وتوفنا وأنت راض عنّا ...اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مباركا
مرحوما ، واجعل تفرقنا من بعده من كل شر معصوما ...اللهم وحد كلمة المسلمين ،
واجمع شملهم ، وانصرهم على القوم الكافرين...اللهم انصر ديننا ، وحرر أوطاننا ،
واحفظ لنا قدسنا وأقصانا فأنت ربنا ومولانا ...اللهم انصر جندك في الشام
وفي كل أرض ومكان ...
يا ربنا
املأ قلوبنا بالإيمان والقناعة ،وألزم جوارحنا العبادة والطاعة ...اللهم اغفر لنا
ولوالدينا ولمن لهم حق علينا ، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم
والأموات ، وارزقنا وجميع المسلمين عيش السعداء وموت الشهداء ...
وأنت يا
مقيم الصلاة أقم الصلاة ": إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله
أكبر والله يعلم ما تصنعون"
0 التعليقات:
إرسال تعليق