من فقه
القرآن
سنة
الاعتكاف
الشيخ
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب
المسجد الأقصى المبارك
أستاذ
الفقه المقارن / جامعة القدس
قال الله تعالى : ( .. ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد .. )
سورة البقرة : 187 فقه هذا المقطع القرآني وفوائده في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : قوله
تعالى : ( ولا تباشروهن ) دليل على أن جماع الرجل زوجته وهو معتكف يفسد اعتكافه ،
وهذا محل إجماع عند العلماء .
المسألة الثانية :
والاعتكاف في لغة العرب : ملازمة الشيء والإقبال عليه . وأما الاعتكاف شرعا فهو
" ملازمة طاعة مخصوصة في وقت مخصوص على شرط مخصوص في موضع مخصوص " .
وقولنا في التعريف " ملازمة طاعة مخصوصة " وهي لزوم مسجد لعبادة الله
تعالى وقولنا : " في وقت مخصوص " فهو شهر رمضان ، والاعتكاف مسنون في
رمضان وغيره من الشهور والأيام ، لكنه في رمضان أفضل وهو آكد في العشر الأواخر منه
، لما ثبت من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية ، أنه كان يعتكف في العشر
الأول من رمضان ، ولما أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان خصها بعد ذلك
بالاعتكاف .
المسألة الثالثة :
والاعتكاف إذن هو أن يلازم المسلم العمل بطاعة الله مدة اعتكافه . وفي هذا دربة له
على ملازمة الطاعات في كل أوقاته ، فهو يخلو في مسجد من مساجد الله عز وجل للطاعة
فقط وترك المعاصي بالكلية ، فإذا خرج من معتكفه كان قد أنهى دورته التدريبية على
ملازمة الطاعات واجتناب العصيات ، فسار في حياته خارج المسجد في كل أحواله على هذه
الصفة ، وهذه واحدة من حكم الاعتكاف التي ينبغي لكل معتكف التنبه إليها .
المسألة الرابعة :
وبإجماع العلماء فإن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد ، والدليل على هذا قوله عز
وجل ( في المساجد ) وقوله أيضا ( أن طهر بيتي للطائفين والعاكفين )
المسألة الخامسة : وأما
المساجد التي يصح الاعتكاف فيها ، فللعلماء فيها أقوال وهي :
أولا : المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وهي المسجد الحرام
والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ، وهذا قول حذيفة بن اليمان وسعيد ابن المسيب ،
وعلى هذا الرأي فلا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الثلاثة . وفي هذا الرأي حث
لأهل بيت المقدس على المبادرة لإحياء سنة الاعتكاف في المسجد الأقصى ، مع الحرص
على المحافظة على حرمته وصيانته من الأذى المادي والمعنوي .
ثانيا : أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد الذي تجمع فيه الجمعة ،
وهذا قول علي وابن مسعود وعروة والحكم وحماد والزهري وهو أحد قولي مالك . وعلى هذا
الرأي لا يجوز الاعتكاف في المساجد التي لا تقام فيها صلاة الجمعة .
ثالثا : أن الاعتكاف جائز في كل مسجد من المساجد ، وهو قول سعيد بن
جبير وغيره ، وقول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما ، لأن الآية ( وأنتم عاكفون في
المساجد ) عامة تشمل كل مسجد له إمام ومؤذن . وهذا القول أيضا أحد قولي مالك وهو
قول الطبري وابن المنذر .
المسألة السادسة :
والصحيح من الأقوال السابقة الثلاثة أن الاعتكاف يصح في كل مسجد له إمام ومؤذن ،
وأفضل المساجد للاعتكاف على الترتيب المسجد الحرام ، ثم المسجد النبوي ، ثم المسجد
الأقصى – حماه الله – ثم كل مسجد جامع في البلدة التي يكون فيها المسلم .
المسألة السابعة : وأما
أقل الاعتكاف ففيه أيضا أقوال وهي :
أولا : يوم وليلة ، وهذا عند مالك وأبي حنيفة
ثانيا : أقله لحظة ولا قدّ لأكثره . وهو قول الشافعي وعلى هذا ،
فالمسلم العاقل هو الذي عندما يأتي إلى المسجد الأقصى أو إلى أي مسجد تقام فيه
الصلاة ، ينوي الاعتكاف ، وهو بهذا يحقق فوائد عدية منها :
الأولى : الأجر على نية الاعتكاف
الثانية : إحسان مكوثه في المسجد من غير معصية أو إضاعة لوقته في
اللغو وسائر الملهيات كما يحصل من بعض المصلين .
الثالثة : الحصول على أجر صلاة الجماعة وبركتها .
الرابعة : أداء فريضة من فرائض الله
الخامسة : دعاء واستغفار الملائكة له ما دام في المسجد وهو على وضوء .
السادسة : حصول الأجر والثواب بتلاوة القرآن الكريم ، أو ذكر الله ،
أو الاستماع لدرس علم أو غير ذلك من الطاعات
المسألة الثامنة :
ويستحب للمعتكف في العشر الأواخر من رمضان عند الإمام مالك ، أن يبيت ليلة الفطر
في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى وهو قول لأحمد . وأما الشافعي والأوزاعي فقالوا
: يخرج إذا غابت الشمس لأن العشر يزول بزوال الشهر ، والشهر ينتهي بغروب شمس آخر
يوم من شهر رمضان ..
وإنهاء الاعتكاف ليلة العيد أو يوم العيد ، يرجع إلى حال المعتكف ،
فإن كان له أهل وهم بحاجة إليه لقضاء حوائجهم ، فإنهاء اعتكافه بغروب شمس آخر يوم
من رمضان هو أفضل له ..
المسألة التاسعة : ويجوز
للمعتكف أن يخرج من معتكفه للحاجة والضرورة كالغائط والبول ولما لا بد له منه ،
فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي
رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان . ولا خلاف في هذا ، فإذا خرج
للحاجة عاد إلى معتكفه مباشرة ..
والله
تعالى أعلم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق