من فقه القران
" تحاسد القربى
بينهم "
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
قال تعالى : (
قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين ) سورة يوسف 91 فقه الآية
الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : هذه الآية اعتذار عن خطأ
، واعتراف بذنب ، وهو ذنب الحسد وما نتج عنه من تآمر على المحسود لدرجة التفكير
بقتله لشدة الحسد .
المسألة الثانية : والحاسد هم أخوة يوسف عليه الصلاة
والسلام ، والمحسود هو يوسف نفسه ، حسدوه على اصطفاه الله، ووهبه من فضله .
المسألة الثالثة : والمذنب الذي في قلبه خير ، وفي عقله
أثاره من استدراك ، يرجع عن ذنبه ، ويقلع عن خطيئته ، وهذا ما فعله إخوة
يوسف ، حيث اعترفوا بذنبهم وقالوا ليوسف أخيهم ( تا الله لقد آثرك الله علينا وإن
كنا لخاطئين ) .
المسألة الرابعة : وكل مظلوم بالحسد أو غيره ، لا بد أن
يعوضه الله خيرا من مظلمته ، ولهذا تفضل الله بالعطاء على يوسف عليه السلام ،
وأنجاه من مكر الحسد، فنجاه من الموت في البئر ، وجعله عزيز مصر ، ورد إليه أبويه
، وجمع شمله بعد فرقة ، وهذا ما اعترف به أخوته الحاسدون حيث قالوا له : (تا
الله لقد آثرك الله علينا ) . " والإيثار : التفضيل بالعطاء " . وقد أكد
إخوة يوسف هذه الحقيقة بصيغة القسم (تا الله ) . والإيثار هنا في الدنيا بالنعم ،
وهذا غير نعيم الآخرة للمحسود الصابر على من يحسده ، ويحسن هنا أن نتذكر قول
الشاعر :
"اصبر على حسد الحسود
فإن صبرك قاتله "
المسألة الخامسة : والحسد مرض القلب يتعارض مع صفاء
الإيمان ، وكمال الإسلام ، وهو انتصار لحظ النفس ، واستجابة لوسواس الشيطان ، فإذا
رأيت أخاك أنعم الله عليه بنعمة من نعمه ، فاسأل الله له دوامها ، واسأله أن يعطيك
مثلها ، لتعيش خلق الغبطة، بدل أن تعيش مرض الحسد ، وبخاصة إذا كنت تحسد أقرب
الناس إليك .
المسألة السادسة : فيوسف عليه السلام ، حسده إخوته ،
وتآمروا على قتله ، بل عزموا على ذلك ، وهذا منكر عجيب ، فالمنطق يقول : أن يقف
الأخ مع أخيه ، يفرح لفرحه ، ويحزن لحزنه ، ولكن الله تعالى يعلمنا في سورة يوسف ،
أن مرض الحسد كالنار يأكل كل شيء أمامه ، ولذلك على المسلم أن يسارع إلى إخماد
حريق الحسد وناره ، بماء الإيمان والتقوى ، وقد علم يوسف إخوته هذا قائلا لهم : (
إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .
المسألة السابعة : وقد نهانا الإسلام عن التحاسد وغيره من
الأخلاق الرذيلة ، ومن ذلك ما جاء في الحديث المتفق عليه : ( لا تباغضوا ولا
تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا ) والنبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن
الهوى ، يعلمنا في قوله السابق ، أن التباغض سبب التحاسد ، وأن التحاسد نتيجته التدابر
والتقاطع .. ومجتمعنا الفلسطيني ، ينتشر فيه مرض التدابر والتقاطع ، لانتشار مرض
الحسود في قلوب الناس .
المسألة الثامنة : والحسد حرام وهو : تمني زوال النعمة عن
صاحبها ، ففي الحديث الشريف : ( إياكم والحسد ، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب ) ، فكيف يرضى مسلم لنفسه بخلق مذموم محرم وهو الحسد ، يذهب
حسنات أعماله الصالحة ، كما تلتهم النار الحشيش اليابس
المسألة التاسعة : وحتى لا ينتشر الحسد بين الأبناء ، على
الآباء والأمهات أن يعدلوا بين أبنائهم ، فإخوة يوسف تذرعوا لحسدهم بقولهم "
ليوسف وأخوه أحب إلى أبانا منا " وأما الحسد بين الأقرباء وغيرهم ، فعلى كل
مسلم ، أن يتذكر أن الحسد مرض ، وأن المريض يطلب العلاج ، وأن العلاج بحب المسلمين
وإرادة الخير لهم كما قال الله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ),.
0 التعليقات:
إرسال تعليق