من فقه القرآن
«فريضة الصيام »
الدكتور الشيخ محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن / جامعة القدس
قال
الله تعالى (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون اياما معدودات) سورة البقرة 182 . فقه الاية الكريمة وفوائدها في
المسائل الاتية:
المسألة الاولى
: النداء في قوله تعالى «يا ايها الذين آمنوا » كل مسلم يشهد ان لا اله الا الله
وان محمد رسول الله، وان كان الايمان اعلى مرتبة من الاسلام، الا انه عند اطلاق
لفظ الايمان فانه يدخل فيه الاسلام .
المسألة الثانية
: والنداء هنا: اخبار بأن الله عز وجل كما كتب على كل مكلف من القصاص والوصية في
الايات السابقة، فانه سبحانه كتب على كل مكلف الصيام، واوجبه عليه، والزمه به.
المسألة الثالثة
: ولا خلاف بين العلماء في وجوب الصوم، على كل مسلم مكلف صحيح مقيم، فهو ركن ثابت
من اركان الدين، وفريضة تثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية والاجماع، ومن السنة
النبوية، رواه البخاري ومسلم في صحيحهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا اله الا الله، وان محمدا رسول الله، واقام
الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج).
المسألة الرابعة
: وللفظ الصوم عدة معان في لغة العرب، منها: ان الصوم الامساك، وانه ترك التنقل من
حال الى حال، ويقال للصمت صوم، لانه امساك عن الكلام، والصوم: ركود الريح وهو
امساكها عن الهبوب، وصوم النهار: اعتداله وهذه المعاني اللغوية للصوم، يجب ان
تتحقق في صيام الصائم، ليتم صومه، ويقبل، وليكون على الوجه المشروع، وبيان هذا في
النقاط الاتية:
اولا:
الصوم لغة الامساك، وفي الشرع فان الصوم يوجب على المسلم الصائم الامساك عن
المفطرات الثلاثة: الاكل والشرب والجماع.
ثانيا:
والصوم لغة: ترك التنقل من حال الى حال، والمسلم الصائم يغير كثيرا من عادته
فيتركها، فيترك الطعام والشراب خلال النهار.
ثالثا:
ويوصف امساك الريح عن الهبوب بالصوم، ولا يكمل صوم المسلم حتى يمسك عن كل هبوب فيه
معصية، وذلك باجتناب المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات، ويؤكد هذا المعنى، قول
النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وغيره وهو: (من لم يدع قول
الزور والعمل به، فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه).
رابعا:
والصوم لغة: الامساك عن الكلام، والاعتدال ولا يتم صيام المسلم حتى يعتدل في
اقواله وافعاله، فيجريها على وقف السنة النبوية، وحتى يمسك عن كل محرم، بلسانه او
بباقي جوارحه واعضائه.
خامسا
- ولما كان الصبر هو اعظم مقصود من الصيام، فاننا نرى اجتماع المعاني اللغوية
للصبر على الامساك والاعتدال والركود، وكلها توجب على المسلم الصائم ان يكون اثناء
صومه كذلك، اي: راكدا، معتدلا، ممسكا، وكلها معان تجمع الصبر بانواعه الثلاثة:
الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المقدورات، اي الابتلاءات،
واضافة الى حبس النفس عند الغضب.
المسألة الخامسة
: - ولما كان الصيام ركنا من اركان الاسلام، ويحمل كل تلك المعاني السابقة، فقد
كان فضله عظيما، وثوابه جسيما، كما اخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم
- في عديد الاخبار، منها الحديث القدسي: قول الله تبارك وتعالى كل عمل ابن ادم له
الا الصوم فانه لي، وانا اجزي به المسالة
المسألة السادسة
: قوله تعالى كما كتب دل على ان الصيام كان مفروضا على الامم السابقة كاليهود
والنصارى.
المسألة السابعة :
قوله تعالى (لعلكم تتقون) فيها عدة معان وهي:
الاول:
لعلكم تضعفون، فان عادة المسلم في شهر رمضان، ان يقلل من الطعام، وتقليل الطعام يضعف
الشهوة، واذا ضعفت الشهوة قلت المعاصي. وارى ان هذا المعنى المجازي للتقوى مقبول
ومعقول، وان على المسلمين اليوم التنبه اليه في شهر رمضان، لانهم لا يحققون هذا
المعنى، فهم يكثرون من الطعام والشراب ويسرفون فيهما، وبخاصة عند الفطور في
المساء، ولذلك لا نرى تحقق التقوى بهذا المعنى عند بعضهم، فكثرة اكلهم عند
الافطار، يثير شهوة الغضب وغيرها عندهم! والاصل في المسلمين في شهر رمضان، ان
يتركوا التبذير والاسراف وملىء البطون، فان البطن شر وعاء اذا ملأه الانسان، فتر
عن العبادة، وكسل عن العمل، وجرى الشيطان في دمه بالشهوات.
الثاني:
لعلكم تتقون، اي: تتقون المعاصي وهذا معنى عام، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم
في حديث البخاري ومسلم: الصيام جنة ووجاء، لانه يميت الشهوات، فاذا ماتت الشهوات
او ضعفت، تحققت التقوى. والمعنيان مرادان ومقبولان.
المسألة الثامنة :
قوله تعالى: اياما معدودات المقصود بها ايام شهر رمضان المبارك، فهي التي فرض الله
صيامها على امة محمد صلى الله عليه وسلم. واذا علم المسلم ان فرض الصوم هو فقط
اياما معدودات، فانه يحرص على استغلالها في كل طاعة وخير، ويحذر على اجتناب كل شر
ومعصية فيها، لانه يعلم ان هذه الايام تذهب وتزول، وان ما عمل وقال فيها، لا يذهب
ولا يزول، بل هو مسجل في ميزان اعماله، ويوم القيامة تحصى عليه.
وعلى
هذا ايضا، فان المسلم لو عاش ستين سنة، فان فرض الصوم عليه يكون منذ بلوغه، اي في
الخامسة عشرة من عمره، وبهذا يصوم خمسة وثلاثين شهرا، اي انه يصوم في حياته كلها
الفا وخمسين يوما، وهي ايام قلائل بالنسبة لعدد ايام حياته! فلماذا لا يستغل
المسلم الايام القليلة في حياته، ليغيرها رأسا على عقب، على نحو يرضي الله تعالى،
ويرضي رسوله صلى الله عليه وسلم، ويرضى عنه عباده المسلمين ويكون بذلك قد حقق
«التقوى » من فريضة الصيام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق