من فقه القرآن : البركة
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
ذكر القرآن الكريم البركة ومشتقاتها في عديد الايات، نذكر بعضها وشيئا من فقهها في المسائل الاتية:
المسألة الاولى: قوله تعالى (انا انزلناه في ليلة مباركة)! فالله تعالى انزل القرآن الكريم في ليلة مباركة وهي ليلة القدر، ومن بركات هذه الليلة انها خير من الف شهر.
المسألة الثانية : قوله تعالى (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته) فالقرآن الكريم ايضا مبارك، وتحصل البركة للانسان بالقرآن من خلال الايمان به، وتحصل البركة به للمسلم من خلال تلاوته وتدبر آياته والعمل باحكامها، كما قال عز وجل (ليدبروا آياته)!.
المسألة الثالثة: البركة هي الزيادة والنماء، فهي الخير الذي يخص الله به الاشياء التي يريد ان يباركها. وبركة القرآن تعم الدنيا والاخرة، فبه سعادة المسلم في الدنيا بالحياة المطمئنة، وفي الاخرة في جنات النعيم.
المسألة الرابعة: والبركة قد تكون وهبية من الله تعالى، وقد تكون كسبية، بكسب العبد.
المسألة الخامسة: ومن البركة الوهبية، ان الله جعل عيسى عليه الصلاة والسلام مباركا، فأخبر في القرآن على لسانه (وجعلني مباركا) ومن بركات سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ان ينزل في اخر الزمان، ليقتل الخنزير ويحكم بالاسلام ويرفع الظلم من الارض.
المسألة السادسة: وتحصل البركة للانسان بكسبه ايضا ومن ذلك ان يلتزم تقوى الله عز وجل، فيؤدي الفرائض، وينتهي عن المحرمات، ويحرص على اجتناب الشبهات، قال سبحانه (ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض). فالتقوى سبب في بركات السماء والارض!وبركات السماء الغيث الذي ينبت الزرع، ويدر الضرع! وبركات الارض خيراتها من ثمار ونبات .. والاية الكريمة تبين ان العمل الصالح من الانسان سبب في حصول البركة له! وان كفره والعمل الطالح سبب في حرمانه من البركة.
المسألة السابعة: فالاعمال الصالحات سبب في انزال البركات على العباد!ومن تلك الاعمال، الصدق في البيع والشراء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما) ومن فوائد هذا الحديث الشريف، ان الصدق والامانة من اسباب انزال البركات على الناس.
المسألة الثامنة : والبركة تكون في البشر كما كانت في عيسى وغيره من الرسل والنبيين، عليهم الصلوات والتسليمات، وكما تكون في العبد الصالح، وفي العالم العامل بعلمه! فيعم خيره غيره من الناس، بنشر العلم، واتباع الهدى، ومحاربة الظلم والضلالة والشيطان!.
المسألة التاسعة : والبركة تكون في الارض، كما بارك الله ارض فلسطين وبيت المقدس خاصة، وبلاد الشام عامة وقد بينت ذلك عدة ايات منها قوله تعالى: (ونجيناه ولوطا الى الارض التي باركنا فيها للعالمين)، قال الطبري: «نجينا ابراهيم ولوطا من اعدائهما نمرود وقومه من ارض العراق الى الارض التي باركنا فيها للعالمين وهي ارض الشام، فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم وهاجر الى الشام. وهي ارض مباركة لخصبها وثمارها وانهارها، ولانها معادن الانبياء والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير اذا لزم مكانه فلم يبرح قاله القرطبي.
المسألة العاشرة : فالبركة تتصف بالثبات واللزوم، وهي ثابتة لازمة للشام وبيت المقدس الى ان يرث الله الارض ومن عليها، قال سبحانه (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة) قال الطبري: «يخبر الله عن نعمه التي كان انعمها على هؤلاء القوم الذين ظلموا انفسهم، انه جعل بين بلدهم وبين القرى التي بارك فيها، وهي الشام قرى ظاهرة، وقيل: هي بيت المقدس.
المسألة الحادية عشرة : وقد بارك الله القدس بالنص الصريح، حين دل القرآن بمنطوقه ان المسجد الاقصى مبارك حوله(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله).
المسألة الثانية عشرة: ومما يدل على مباركة القدس وبلاد الشام، قوله تعالى ايضا: (واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها) قال الطبري: «مشارق الارض ومغاربها: الشام. وباركنا فيها: جعلنا فيها الخير ثابتا ودائما وهي الارض المقدسة التي امر موسى عليه الصلاة والسلام قومه ان يدخلوها (ادخلوا الارض المقدسة).
المسألة الثالثة عشرة : والبركة تكون في المال، وفي العيال، وفي الوقت، وفي الصحة، وفي العمل والجهد، وفي كل شيء، يريد المسلم به وجه الله، ويقوم به على الوجه المشروع! والبركة في المال تكون بزيادته وكثرته ولا يكون المال مباركا، حتى يؤخذ من الحلال ويوضع في الحلال! وتكون البركة في العيال، بكثرتهم ونفعهم وحسن اخلاقهم واستقامتهم! ولا تكون البركة فيهم حتى يصلح الاباء والامهات! فيكون صلاحهم سببا في انزال البركة بمعناها الاسبق في اولادهم، كما قال عز وجل (وكان ابوهما صالحا) والبركة في الصحة تكون بتمامها وكمالها! وحتى تحصل البركة للجسم، لا بد من استخدام الجوارح في طاعة خالقها الذي برأها!.
المسألة الرابعة عشرة : وكما تكون البركة في الافراد! تكون في الامم! ومن ذلك ان امة محمد صلى الله عليه وسلم مباركة ونحن في بيت المقدس نجمع عدة بركات ، بركة كوننا من امة محمد صلى الله عليه وسلم وبركة جوارنا لبيت المقدس! وبركة صلاتنا في المسجد الاقصى! وبركة الرباط في هذه الديار. فنعم الناس اهل الاسلام في هذه الديار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق