خطبة الجمعة مكتوبة .. النكبة.
الحمد لله رب العالمين قال وهو أصدق القائلين " ولينصرنّ الله من ينصره إنّ
الله لقوي عزيز "
سبحانك يا ربنا ! جعلت القدس وأكنافها لنا وطنا وسكنا ...
فما نسيت بلادي ما زهدت بها
يوما ولا أبتغي من دونها
أحدا
أرضي ستبقى بلادي رغم من جحدوا حقي بها
وسيجزي الله من جحدا
ما زال حبي لها يشتدّ
دامعة عيونه
ولهيب الوجد ما بردا
ونشهد أن
لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير،
بشّر رسوله صلى الله عليه وسلّم بالعودة إلى مكّة وهو مخرج منها ، فقال له
سبحانه "إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد "
ونشهد أنّ سيدنا وقائدنا وحبيبنا محمدا عبد
الله ورسوله ، ما وقف موقفا إلاّ وفيه عزّة ونصرة للدين ، عذّب فصبر ، وأوذي
فانتصر ، خاطب مكّة وهو خارج منها مهاجرا فقال لها " ما أطيبك من بلد
وأحبك إلي ،ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك " واللاجئون
الفلسطينيون في الذكرى الرابعة والستين للنكبة يقولون لمدنهم ولقراهم ولأراضيهم
التي أخرجوا منها : : ما أطيبك من مدن وقرى ولولا أنّا أخرجنا منك ما خرجنا ، والعودة
قريبة بإذن الله " ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا "..
اللهمّ صلّ وسلم وبارك على رسولك
النبي الأميّ الذي أحبّ مكّة خير بلاد الله وعاد إليها منتصرا عزيزا بعد هجرته
منها، وصلّ اللهمّ على آله الطاهرين ، وعلى أصحابه الذين التفوا حوله ونصروا الدين
، وصلّ اللهم على التابعين لهم بإحسان ، وعلى سائر المسلمين العاملين ، وعلى
المصلّين والمرابطين في المسجد الأقصى إلى
يوم الدين .
أما بعد، أيها المسلمون :
ترجع إلينا ذكرى النكبة بعامها السادس والستين ، وهي نكبة تختلف عن كل النكبات
، فهي نكبة الإنسان الفلسطيني الذي كان ولا يزال يهجّر من أرضه ، ويطرد من
وطنه ، ويقتل حيثما كان وحلّ
،وهي نكبة الأرض
الفلسطينية التي سلبت وبنيت فوقها المغتصبات ، وهي نكبة الأمّة المسلمة التي فقدت
أرضا مقدسة مباركة،إنها نكبة اللجوء والشتات ، ونكبة فقد الهوية والذات ، لأمّة
كانت ولا زالت خير أمّة أخرجت للناس ، هذه النكبة التي صنعتها دول غربية ،ثمّ
أجمعت الأمم بعدها على تكريسها، وزاد في تكريسها تأخر العرب والمسلمين عن
الاستجابة لاستغاثات المسلمين في فلسطين ، ولم يأتمروا بقول الله تعالى :
وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر " ، ولم يرجعوا إلى دينهم ليأخذوا منه
توجيهاته لحلّ مشاكلهم وقضاياهم المصيرية فكان ما كان ، فلله درّك يا شعب فلسطين ،
ذقت ظلم الأعداء ، ونكول وتقاعس الأقرباء ، وصدق الله ربنا في أبناء الجلدة
والدين إذ يقول " رضوا بأن يكونوا مع
الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ".
يا عباد الله :
إنّ إخراج الناس من أوطانهم يضاهي
قتلهم وسفك دمائهم فقد جعل الله سبحانه الإخراج من الوطن كالقتل ، فقال :
"ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ
قليل منهم "، فبقاء الإنسان في وطنه يعدل الحياة عنده ، وعندما أخرج المسلمون
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنهم وأرضهم مكّة ، أنزل الله آيات
يواسيهم فيها ،فقال عزّوجلّ " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم
وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون
". وشعبنا الفلسطيني اجتمع عليه التهجير والقتل والأسر ، وهي أبشع الجرائم
الإنسانية ، وأقبح أنواع الظلم ،وحقنا أن تنهي معاناتنا كما صنعتها ، وأن ترد لنا
حقوقنا وحريتنا ، ، وعلى رأس هذه الحقوق عودة اللاجئين إلى القرى والمدن التي
أخرجوا منها ، فالعودة حق أقرته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية ،
والفلسطينيون لا يقبلون بالتوطين ، ولا يقبلون التعويض " وقد قال الله
لكم يا مسلمون مخبرا عن الكافرين: " وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم
المولى ونعم النصير " فارجعوا إلى ربكم فهو مولاكم ، وهو الناصر الذي
ينصر المظلومين ، ويعزّ المؤمنين ، اللهم فرج كربنا ، وانصرنا على من عادانا ،
فأنت ربنا ومولانا يا رب العالمين .
يا عباد الله :
وأما العرب والمسلمون فحقنا عليهم أن
ينصرونا نصرا حقيقيا ، لا شجب فيه ولا استنكار ، ولا زيتا فاسدا لا يضيء سراجا ولا
يذهب عتمة ظلام ، لا نريد زيتا من صنع الكافرين ، بل نريد زيتا مغموسا بآيات الله
، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، نريد زيتا يقطر بقول الله تعالى :
"والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم
المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم "
لقد عاشت القدس و المسجد
الأقصى في ظل الاحتلال الصليبي ما يقارب التسعين عاما ، كان عمل الحكام وقتئذ كما
روى العليمي في كتابه الأنس الجليل أن أمروا العلماء أن يحثوا الناس في خطبهم
ودروسهم على إخراج المسجد الأقصى من ظلم الصليبين ، وكان لهم ما أرادوا حين صدقوا
الله فصدقهم ، فمن لتهويد القدس وهدم المنازل فيها والاستيلاء عليها ؟ ومن
للمرابطين فيها ؟ ومن للمسجد الأقصى الذي يتعرض لخطر الهدم أو التقسيم ؟ إن
الخذلان والخزي والعار سيكون مصير كل مسلم يخذل المسلمين وهو قادر على
نصرتهم فقد قال صلى الله عليه وسلم " ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في موضع
تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلاّ خذله الله في موطن يحب فيه نصرته"
فأين أنتم يا مسلمون من قول النبي صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم لا
يظلمه ولا يسلمه " ؟؟؟ فهل بعد هذا التسليم للأعداء من تسليم ؟؟؟ وهل بعد هذا
الظلم من ظلم ؟؟؟
أيها المسلمون :
ويتزامن ذكرى النكبة مع إضراب
أسرانا الإداريين في المعتقلات ، وأبناؤنا أسرانا من حقهم أن تلبى مطالبهم ، فهي مطالب
إنسانية ، ولذلك نطالب بإنهاء سياسة العزل ،والاعتقال الإداري ، ونطالب بمنع
اعتقال الأطفال والنساء وكبار السن ، ونطالب بمعاملة الأسرى بكرامة وإنسانية
، ونطالب بالإفراج عن أسرانا القدامى ،وأيضا نطالب قادة شعبنا إلى إغلاق ملف
الأسرى في معتقلات الضفة وغزة ، وإلاّ كيف سندعو العالم إلى نصرة أسرانا ونحن
نرتكب نفس الخطيئة والذنب ؟
يا عباد الله :
إن إضراب الأسرى يعلمنا أن الوحدة على
الهدف والثبات عليه طريق ، وأن الصبر على البلاء والمكروه بوابة الفرج ، وأن
أمامنا الكثير من التطلعات التي يمكن أن نتفق عليها ونعمل لأجلها نصرة
لديننا ووطننا ، فاجعلوا قول الله عزّ وجلّ : يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله
ينصركم ويثبت أقدامكم" اجعلوه شعاركم في هذه المرحلة والمراحل القادمة وأنتم
تعيشون ذكرى النكبة ، ومرارة الظلم والعدوان ، فاللهم اجمع كلمتنا ووحد صفنا
لنصرة ديننا ، وألف بين قلوبنا وانصرنا على القوم الكافرين
.
أيها المسلمون :
وفي ذكرى النكبة ، نؤكد على حقنا في
العودة إلى قرانا ومدننا التي أخرجنا منها بغير حق قبل ستة وستين عاما فإنه لا يرتضي إنسان أن يخرج من أرضه ووطنه إلا
ظلما وعدوانا، فعندما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم " يا ليتني
فيها جذعا وأكون حيّا إذ يخرجك قومك ، فتحرك في نفس النبي صلى الله عليه وسلم حبه
لوطنه مكّة وسأل ورقة باستنكار وتفجع : أو مخرجيّ هم "؟؟؟فالرسول صلى الله
عليه وسلم أحبّ مكّة لأنها مسقط رأسه الشريف ، ولأنها أعزّ البقاع على المسلم ،
ونحن نحب قدسنا وأقصانا وأرضنا ، لأنها مباركة مقدسة
، ولأنها أرض الإسلام والمسلمين ، لنا فيها
حضارة ربانية ، وتاريخ مجيد ، وفي وطننا نعظم الله ربنا بالثبات والصمود والرباط ،
وبأداء الفرائض والواجبات ، ومحاربة المعاصي والفواحش والمنكرات ، وهذا يدعون إلى
أن نحسن رباطنا بإحلال الوئام مكان النزاع والخصام ، وبرص الصفوف ، وتظافر الجهود
والتعاون على البر والتقوى ،وهنا نوجه الشكر والتحية والمحبة والاحترام لرجال
الإصلاح والعشائر ومن يؤازرهم الذين يصلون الليل بالنهار من أجل نزع فتيل الفتنة
بين المسلمين ، فجزاهم الله خير الجزاء ، وثبت خطاهم من أجل ردع الظالم ،ونصرة
المظلوم ، وعملهم هذا صورة من صور الرباط فاللهم
اجعلنا خير خلف لخير سلف ، اللهمّ حبب
إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من
الراشدين
.
يا مسلمون:
إن الوطن ليس أرضا فحسب ، بل هو أيضا قيم
ومعتقدات وثوابت وولاء ، وعلى هذا فقضية فلسطين هي قضية كل مسلم
، وقد خاب وخسر وجهل من خصها بالمسلمين في فلسطين وحدهم ،ونحن إذ نعيش ذكرى النكبة
لا بد من تصحيح هذا التصور القاصر ، وعلى كل مسلم أن يتحمل نصيبه من همّها
ونصرتها، وقد قال صلى الله عليه وسلم " المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى
رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وولاء المسلم دائما
وأبدا لله وللرسول ولجماعة المسلمين ، فهو يحب وطنه وينصره لإعزاز
الدين ، وهو في ذات الوقت لا يوالي كافرا ولا منافقا وإن كان من وطنه وأبناء جلدته
،وقد حذّر الله المسلمين من تقديم حب الوطن والعشيرة على حب الدين والإنتماء إليه
، فقال سبحانه "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وأخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال
اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في
سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين "
يا عباد الله :
إنّ النكبة الحقيقية هي النكبة في الدين ،
فيوم تخلينا عن ديننا سلبت منا أوطاننا ، وطردنا من بلادنا ، وصرنا في ذيل قافلة
الأمم ، ولا زال من المسلمين من يفعل المنكرات ،ويتبع الشهوات ويشتري الدنيا
، ويبيع الآخرة ، وليس هذا عهد الله بكم وأنتم عباده ، فتمسكوا بدينكم لترجعوا
أوطانكم ، ولتأمنوا في دياركم ، ولتقودوا الأمم من جديد نحو العدل والأمن والسلام
، واقتدوا برسولكم صلى الله عليه وسلم الذي تمسك بالدين وعمل له ، فأعزه
الله بإرجاعه إلى مكّة المكرّمة فاتحا ومنتصرا .، اللهم ربنا أخرجنا من ظلم
الظالمين ، وانصرنا على القوم الكافرين ، وعجل في خلاصنا يا أرحم الراحمين
عباد الله : إن الله لا يستجيب دعاء من قلب
غافل ساه لاه فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة
0 التعليقات:
إرسال تعليق