من فقه
القران
الوفاء
بالعقود
الشيخ
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب
المسجد الأقصى المبارك
أستاذ
الفقه المقارن / جامعة القدس
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِي غَيْرَ
مُحِلِّي الصَّيْدِنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُريدُ ) سورة المائدة : 1 من فقه
الآية الكريمة وفوائدها المسائل التالية:
المسألة الأولى : من
الأحكام التي جاءت بها الآية الكريمة الوفاء بالعقود.
المسألة الثانية : الوفاء فيه لغتان,الأولى أوفي,كما في الآية الكريمة
وكما في قوله تعالى : (ومن أوفي بعهده من الله) واللغة الثانية : وفي كما في قوله
تعالى (وإبراهيم الذي وفي) وقد جمع القران الكريم بين اللغتين هاتين.
المسألة الثالثة :
"بالعقود" مفردها عقد,والعقود:الربوط.
المسألة الرابعة : ومن
أهم العقود التي يجب الوفاء بها الفرائض والحلال والحرام قال ابن عباس: (أوفوا
بالعهود) معناه بما احل وبما حرم وبما فرض وبما حد في جميع الأشياء فيكون المعنى :
أوفوا أيها المؤمنون بعقد الله عليكم.
المسألة الخامسة :
ومعلوم أن العقد ما كان بين طرفين والطرفان في المسألة الرابعة السابقة هما الله
تعالى والمسلمون.
المسألة السادسة : فلا
عقد أجدر بالوفاء به من العقد بين المسلم وربه فالمسلم امن بالإسلام ديناً وبمحمد
صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً وبالقران منهاجاً ودستوراً وبالمسلمين إخوانا
وهذا كله هو عقده مع ربه الذي خلقه وأوجب عليه عبادته وهذا هو عقد الله مع عباده
أن يؤمنوا به ويوحدوه ولا يشركوا به شيئاً وان يأثمروا بأوامره وان ينتهوا عن
نواهيه فيلزموا حدود الله ولا يتعدوها فيتجنبوا الحرام فان فيما احل لهم وهو كثير
عناء عن المحرمات وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم
حين بعثه إلى نجران فوله : (هذا بيان للناس من الله ورسوله يا أيها الذين امنوا
أوفوا بالعقود إلى قوله إن الله سريع الحساب).
المسألة السابعة : وعدم
الوفاء بالعقد مع الغير من أسوأ الأخلاق وأقبح الصفات وإذا علمنا هذا وأردنا ان
نزن كل مسلم في هذا الزمان بميزان الوفاء بالعقد مع الله فسنرى أن كفئهم في
الميزان لا تغادر مكانها لقلة الوفاء بعقد الله فالله تعالى يقول (تلك حدود الله
فلا تعتدوها) ونحن نجترئ عليها ونعتدي عليها بالاجتراء على ترك الفرائض وفعل
المناهي الشرعية.
المسألة الثامنة : وإذا
كان هذا هو حال المسلمين مع عقودهم مع الله تعالى فكيف بعقودهم مع بعضهم البعض فان
الوفاء بها واجب نبض الآية الكريمة : (أوفوا بالعقود) فان يشملها وبنصوص أخرى من
القران الكريم والسنة النبوية الشريفة فمن العقود التي بجب الوفاء بها عقود الدين
وهي كل عقده الإنسان على نفسه كالبيع والشراء والإجارة والمناحكة والطلاق وغيرها
وهي كثيرة.
المسألة التاسعة :
وأمثلة عدم الوفاء بالعقود بين الناس اليوم كثيرة! وهي تبنئ عن ضعف الإيمان وخراب
الذمم والنفوس ومن الأمثلة عليها ما يلي :
في مجال البيع والشراء : عدم الوفاء بعقد البيع والشراء بالالتزام
بالشروط والمواصفات فيهما والغش والاحتيال واكل الأموال بالباطل وتحرير الشيكات من
غير رصيد وفاعل ذلك يعلم ليظل الأخر يغد واليه يروح دون فائدة ...
في مجال الإجارة : عدم وفاء المستأجر يدفع الأجرة فيلتزم في اول اشهر
ثم يبدأ بالاعتذارات الكاذبة والوعود الزائفة وأما المؤجر(المالك) فمن عدم وفائه
بعقد الإجارة انه لا يرحم المستأجر الذي راتبه او دخله لا يكاد يوفي بحاجاته
الأساسية فيطالبه بمبالغ كبيرة وبالدولار وبين ان الله الذي رزقه قادر على ان
يسلبه ملكه كله! يحاول أن يضع نفسه ولو في "الخيال او التصور" فقام
المستأجر المسكين ولينسى أن من لا يرحم العباد لا يرحمه الله وان من الوطنية
الصادقة أن يتأزر أبناء الوطن الواحد في حالات الغزو والظلم الذي يصيبهم فهذا
الجشع جزء لا يتجزأ من عدم الوفاء بالعقود.
وفي مجال المناكحة فان غالب الثبات اليوم يقيم عقد زواجه مع شريكة
حياته على أسس واهية فيختار الزوجة لجمالها او لوظيفتها استغلالاً وطمعاً فإذا ما
حصل خلاف بينهما سارعان إلى الطلاق وكذلك الفتاة تختار زوجها لأنه صاحب مال او
ظريف والطرفان لا يتذكران ان عقد الزواج يجب ان يقوم على أساس الدين لأنه الأساس
الذي يحفظ الأسرة باقية ولا يعرضها للفرقة والنزاع والطلاق ولعل كثرة الطلاق في
هذه الأيام والذي نعيشه ونحياه يحدث لان عقود المناحكة تقوم على أسس غير قادرة على
الثبات والاستمرار وهي عرضة للزوال مع مرور الزمن.
المسألة العاشرة :
فالمسلم يجب عليه الوفاء بنوعين من العقود:
النوع الأول : العقد مع الله وهو عقده على نفسه لله من الطاعات وترك
المحرمات.
النوع الثاني : العقد مع العباد فتذكر ايها المسلم ان بينك وبين الله
العظيم عقدا يجب عليك ان توفي به.
المسألة الحادية عشرة : قوله
تعالى في نهاية الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ
يَحْكُمُ مَا يُريدُ) إن الشرع ما شرعه الله وان الحلال أحله الله وان الحرام ما حرمه
الله وان الناس تتبع لاحكام الدين في ذلك كله فان يفعلوا أو يلتزموا كانوا معتدين
فحمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام الذي جاء به يجب أن يسمع ويطاع ويجاب.
وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق