خطبة الجمعة
مناسك الحج
الحمد لله
هدانا لدين القيمة،لملة إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين،اللهم إنا نشهدك أن
صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا لك وحدك يا رب العالمين،ونشهد أنك الملك،لا إله إلا
أنت،أنت ربنا ونحن عبادك،ظلمنا أنفسنا،واعترفنا بذنوبنا،فاغفر لنا ذنوبنا
جميعا،إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،واحفظ علينا إيماننا ، ومكّن لديننا في البلاد
وبين العباد ،ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا،يا ربنا لبيك وسعديك،والخير
كله في يديك،والشر ليس إليك،تباركت يا ربنا وتعاليت،نستغفرك ونتوب إليك،ونشهد أن
سيدنا محمدا عبد الله ورسوله،إمام
المتقين،وقدوة العابدين،إذا اكتحلت برؤياه العيون فلا شقاء ولا ثبور،بل هي الصحبة
في جنات النعيم في الخلد والحبور،
فاذكروا الجنة ونعيمها باستباق الخيرات،واحذروا
النار وأهوالها باجتناب الموبقات،اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ومهجة
قلوبنا محمد وعلى آله الطاهرين،وعلى أصحابه الذين نصروا الدين،وعلى التابعين
وأتباعهم،وعلى المرابطين في المسجد الأقصى
إلى يوم الدين.أما بعد،أيها المسلمون:
في يوم
الخميس القادم تستقبلون أفضل أيام الدنيا،وهي الأيام العشر الأوائل من ذي
الحجة ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى
الله عليه وسلم:"أفضل أيام الدنيا أيام العشر"أي الأيام العشر الأوائل
من ذي الحجة،وهي أفضل أيام الدنيا،لأن الله تعالى أتم علينا فيها النعمة بإكمال
الدين،وارتضائه لنا الإسلام دينا،حيث أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم البشارة
بها بقوله:"اليوم أكملت لكم دينكم،وأتممت عليكم نعمتي،ورضيت لكم الإسلام
دينا"،
وكان ذلك
بالموقف،عشية عرفة،حيث حج المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
العام،فاستجمع لهم الدين،أداء لأركانه،وقياما بفرائضه،فإنه صلى الله عليه وسلم
يقول:"بني الإسلام على خمس"وكانوا قد تشهدوا وصلوا وزكوا وصاموا وجاهدوا
واعتمروا ولم يكونوا حجوا،فلما حجوا ذلك اليوم مع النبي صلى الله عليه وسلم أنزل
الله تعالى قوله"اليوم أكملت لكم دينكم"أي:أكمل وضعه لكم،وفي ذلك دلالة
على أن الطاعات دين وإيمان وإسلام، فما بال بعض المسلمين اليوم،ينكصون عن
الإسلام،ويرتدون على أعقابهم،فلا يحكمون شريعة الله في حياتهم،ويتثاقلون عن أداء
الفرائض،ويتجرأون على فعل المعاصي المهلكات،ويعطون ولاءهم لغير الله ورسوله
والمؤمنين،ويتنازلون عن ثوابت دينهم،وعقيدتهم،وتاريخهم وتراثهم،
إن من يعتدي ويكسب
آثما
وزن مثقال ذرة سيراه
ويجازي بفعله الشر شرا
وبفعل الجميل أيضا جزاه
هكذا قوله تبارك ربي
في(إذا زلزلت)وجل ثناه
يا عباد
الله:
والأيام
العشر الأوائل من ذي الحجة هي أفضل أيام الدنيا،لأنها من أيام الحج،الذي هو من
أعظم القربات الى الله تعالى،ففي الحج يجتمع للمسلمين أعمال الطاعات كلها،حيث يستسلمون
لله عز وجل،في كل أوامره ونواهيه،فمتى نجعل حياتنا وأيامنا كأيام الحج استسلاما
لله،واتباعا لشرعه،وفي الحج يرزق المسلمون التقوى،بتعظيم شعائر الله،واعتياد الذكر
على كل حال،والصبر على المشقات،والتعود على انتظار الفرج،وزوال الكربات،والحاج
يكتسب في حجه الأخلاق الحسنة كالحلم والصبر وكظم الغيظ،وفي الحج تظهر الأخوة
الإسلامية بكامل معانيها،محبة وتكافلا
وسلوكا،فكيف
يغفل المسلمون عن هذه الأيام الفاضلة؟أين الصبر وكظم الغيظ والحلم؟أين الأخوة على
حقيقتها؟أين الأخلاق الحسنة التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لإتمامها؟أين تعظيم
شعائر الله وحرماته ؟أين التزود بالتقوى لسفر طويل؟الحياة بعده إما في جحيم
مقيم،وإما في نعيم خالد.فاغتنموا أيامكم وأعماركم بالتوبة والأعمال الصالحات ،فالنبي
صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه
الأيام العشر"،فاحرصوا على أداء الفرائض والواجبات،وأكثروا من النوافل وأعمال
الخير،حتى تكونوا من أحباب الله،قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن
ربه:"وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما
افترضت عليه ،وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"
أيها
المسلمون: شهر ذي الحجة من الأشهر الحرم التي أمركم الله ربكم بتعظيمها،فلا تظلموا
فيها أنفسكم،قال سبحانه:"إن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهرا في كتاب الله
يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن
أنفسكم"وقال قتادة رضي الله عنه:"العمل الصالح أعظم أجرا في الأشهر
الحرم، والظلم فيهن أعظم من الظلم في سواهن,وإن كان الظلم على كل حال عظيما"،
فتوبوا إلى الله يا عباد الله،وعظموا ربكم في هذه الأيام وغيرها،بصلة
الأرحام،والعفو عن زلات الآخرين،وأداء الواجبات،والانتهاء عن المعاصي والمنكرات،واستجيبوا
لنداء المنادي للصلاة في المسجد الأقصى في كل الأوقات،فأنتم ترون تخاذل أبناء
جلدتكم عن حفظه
ونصرته،وليس
للأقصى إلا أنتم بعد الله،فكونوا خير المرابطين،وخير العاملين لهذا الدين.
أما لله
والإسلام حق يدافع عنه شبان وشيب
فقل لذوي
الضمائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا
يا
مسلمون:والأيام العشر الأوائل من ذي الحجة من أفضل أيام الدنيا،لأن فيها يوم عرفة،فهو
اليوم الذي يكثر فيه العتقاء من النار،فقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:"ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة"،فأين
عتقاء الله من النار؟أين المتسابقون إلى مغفرة ربهم،والى جنة عرضها السموات والأرض؟أين
الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله،أين المرابطون لله حق الرباط،أين
المتمسكون بدينهم،والمحافظون على أعراضهم ونسائهم،أين الفارون من الشيطان والشهوات
المهلكات!أينكم يا طلاب الجنة يا من تقومون الليل وتصومون النهار،الجنة متزينة لكم
تنتظركم، فشدوا الرحال إليها ، واجعلوا من يوم عرفة وأيام ذي الحجة الأوائل مطيّة
لها ، ليباهي الله بكم أهل السماء،ففي الحديث الشريف:"إن الله يباهي بأهل
عرفات أهل السماء"،فاسألوا الله أن تكونوا من الذين يباهي بهم الله
ملائكته،بحسن طاعتكم،وصدق رباطكم،وباغتنام صيام وقيام يوم عرفة،فإنه يكفر سنتين
مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:"صيام يوم عرفه إني أحتسب على الله أن يكفر
السنة التي قبله والسنة التي بعده"،وأكثروا من الذكر والدعاء في هذه
الأيام،وفي يوم عرفه،فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام:"خير الدعاء دعاء
يوم عرفة،وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي:لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له
الملك وله الحمد،وهو على كل شيء قدير"
.يا عباد
الله:واجعلوا أيامكم هذه أيام تهليل وتكبير وتحميد،وذكر وطاعة لربكم،روي عن ابن
عمر رضي الله عنهما،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من أيام أعظم عند
الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر،فأكثروا فيهن من التهليل
والتكبير والتحميد"،فأكثروا من قول لا إله إلا الله توحيدا لربكم،وأكثروا من
قول الله أكبر تعظيما لربكم،وأكثروا من قول الحمد لله شكرا على نعمه عليكم،واجعلوا
لسانكم رطبا بها،في أسواقكم،وفي طرقاتكم،وفي كل مكان تحلون به،فهذه أيام ذكر الله
وتعظيمهيا عباد الله:هذه الأيام ستسألون عنها يوم القيامة،فما أنتم قائلون لربكم؟فارجعوا
لربكم يا مسلمون"وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون
"اللهم
ردنا إليك ردا جميلا،اللهم قلب قلوبنا على طاعتك.، اللهم اجعل خير أيامنا يوم
نلقاك،اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم وتجاوز عن سيئاتنا إنك أنت الغفور
الحليم..عباد الله:جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا
يستجيب دعاء من قلب غافل ساه لاه"،فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمدلله
رب العالمين!ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،ونشهد أن سيدنا محمدا
عبدالله ورسوله،وصفيه وخليله،بلغ الرسالة،وأدى الأمانة،ونصح الأمة اللهم صل وسلم
وبارك عليه،وعلى آله وأصحابه وأتباعهم الى يوم الدين،أمابعد،أيها المسلمون:
والأيام
العشر الأوائل هي أفضل الدنيا،لأن فيها يوم النحر،وقد ذهب بعض العلماء الى ان يوم
النحر هو أفضل أيام السنة لما ورد في الحديث الشريف:"إن أعظم الأيام عند الله
يوم النحر"،ويوم النحر هو يوم عيد الأضحى.وهو يوم الحج الأكبر،فيه يذبح
الحجاج الهدايا،تقربا الى ربهم عز وجل،وفيه يضحي المسلمون بالأضاحي،استجابة لأمر
رسوله الله صلى الله عليه وسلم،واتباعا لسنة ابراهيم عليه السلام.عبادالله:يوم
النحر هو يوم يهرق فيه المسلمون دماء الهدايا والأضاحي،تقربا الى ربهم،واعلانا
لولائهم له،وأنتم تقدمون أمر الله على حظوط نفوسكم،فابراهيم عليه الصلاة والسلام
استجاب لأمر ربه يذبح ابنه،واستجاب ابنه اسماعيل لأمر ابيه المأمور بأمر الله،فكان
عاقبة ذلك أن دفع الله بلاء الذبح عن اسماعيل،كما قال سبحانه"وفديناه بذبح
عظيم"فماذا علينا يا مسلمون،لو ضحينا بحظوظ نفوسكم،فقدمنا أوامر الله
عليها،ماذا نخسر لو ضحينا بأوقاتنا وأعمارنا لله رب العالمين،وهل نذبح الأهواء
والشهوات،كما نذبح الهدايا والأضاحي،إن قولنا : لبيك اللهم لبيك تعني استجابة لك يا
ربنا بعد استجابة،فاستجيبوا الله تعالى،باتباع شرعه،واستجيبوا لرسولكم صلى الله
عليه وسلم باتباع هديه،"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ورسوله إذا دعاكم
لما يحييكم،واعملوا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون".أيها
المسلمون:وفي هذه الأيام الفاضلة،خطب النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين في يوم
عرفه،وفي يوم النحر،وهاتان الخطبتان هما من أهم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم
للمسلمين الى ان تقوم الساعه،حرم فيهما علينا دماءنا وأموالنا وأعراضنا
وأوصانا
صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا،فاستوصوا بنسائكم وأهلكم خيرا،وأدبوهن على طاعة
الله ورسوله،وفي هاتين الوصيتين،نهانا صلى الله عليه وسلم عن الإقتتال والخصومات
فعلام نختصم ونقتتل،وديننا واحد،وكتابنا واحد وربنا واحد.وقبلتنا واحدة،وقضيتنا
عادلة. يا عباد الله:
وفي يوم
عرفه،حيث خطب النبي صلى الله عليه وسلم،بشرنا فيها بأننا لن نضل أبدا،إذا استمسكنا
بكتاب الله،وسنته،فاعتصموا بكتاب الله ،واجعلوه دستوركم في الحياة،والتزموا هدي
رسولكم صلى الله عليه وسلم،وعضوا على مسرى رسولكم بالنواجّذ ،فأنتم عليكم الواجب
الأكبر في حمايته بعدما ترون من خذلان الناس لكم ،فكيف يكون محبا للمسجد الأقصى
وهو قادر على الصلاة والرباط فيه ولا يفعل؟؟
بارك
الله لي ولكم في هذه الأيام التي تجتمع فيها امهات العباده من صلاة وصيام وصدقة
وحج،فاغتنموها،وحققوا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قولا واعتقادا
وعملوا ،فهي المنجية يوم القيامة من النار
اللهم صل
على محمد وعلى آل محمد كما صليت عىلى ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين إنك
حميد مجيد.اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه،وأرنا الباطل باطلا وارزقنا شعبنا
من كل سوء.
اللهم من
أراد بالإسلام والمسلمين خيرا فوفقه،ومن أراد بالإسلام والمسلمين شرا فخذه
وأهلكه.اللهم ارزقنا رجلا صالحا يحكمنا بكتابك،ولا تضلنا بعد إذ هديتنا يا رب العالمين
، ارفع الحصار عن المحاصرين،وارفع الظلم عن المظلومين،وأطلق سراح الأسرى
والمعتقلين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، واغفر لولدينا
ولزوجاتنا ولذرارينا ولمن لهم حق علينا ،واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.
وأنت يا
مقيم الصلاة أقم الصلاة (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر
والله يعلم ما تصنعون)
0 التعليقات:
إرسال تعليق