من فقه القرآن
العمل
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
قال الله تعالى : "منْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ " سورة النحل : آية(97)
فقه الأية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) شَرْطٌ ، فالعمل الصالح من المؤمن الشرط ، وجوابه الحياة الطيبة
المسألة الثانية : قال القرطبي :"وَفِي الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- أَنَّهُ الرِّزْقُ الْحَلَالُ.
الثَّانِي- الْقَنَاعَةُ.
الثَّالِثُ- تَوْفِيقُهُ إِلَى الطَّاعَاتِ فَإِنَّهَا تُؤَدِّيهِ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ، قَالَ مَعْنَاهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فِي فَاقَةٍ وَمَيْسَرَةٍ فَحَيَاتُهُ طَيِّبَةٌ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ وَلَا عَمِلَ صَالِحًا فَمَعِيشَتُهُ ضَنْكٌ لَا خَيْرَ فِيهَا.
الرابع: وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْجَنَّةُ، وَقَالَ الحسن: لَا تَطِيبُ الْحَيَاةُ لِأَحَدٍ إِلَّا فِي الْجَنَّةِ.
الخامس: وَقِيلَ: هِيَ السَّعَادَةُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا.
السادس: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: هِيَ حَلَاوَةُ الطَّاعَةِ.
السابع: وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: هِيَ أَنْ يُنْزَعَ عَنِ الْعَبْدِ تَدْبِيرُهُ وَيُرَدُّ تَدْبِيرُهُ إِلَى الْحَقِّ
الثامن:وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: هِيَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ، وَصِدْقُ الْمُقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ.
التاسع: وَقِيلَ: الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْخَلْقِ وَالِافْتِقَارُ إِلَى الْحَقِّ.
العاشر: وَقِيلَ: الرِّضَا بِالْقَضَاءِ.
المسألة الثالثة: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ) أَيْ فِي الْآخِرَةِ.
المسألة الرابعة:(بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ)، قالها هنا بصيغة الجمع ،ثم قال: "فَلَنُحْيِيَنَّهُ" بالإفراد ، قال القرطبي جوابا على ذلك :"لِأَنَّ" مَنْ" يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، فَأَعَادَ مَرَّةً عَلَى اللَّفْظِ ومرة على المعنى.
المسألة الخامسة : وسبب النزول هو : أنه جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ، وَقَالَ هؤلاء: نحن أفضل، فنزلت الآية الكريمة .
المسألة السادسة:و المسلم وهو يؤدي العمل الصالح أيا كان هذا العمل عبادة كالصلاة والصيام أو من أمور المعاش كالعمل طلبا للرزق يجب عليه عدة أمور أهما :
أولا : الإخلاص والأمانة: فالغش خيانة ليست من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من غشّ فليس منا)
ثانيا: إتقان العمل: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)
ثالثا:العفة والتعفف عن استغلال وظيفته للمصالح الشخصية:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من استعملناه على عمل ، فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول) .
المسألة السابعة: والله سبحانه أمرنا أن نسير في الأرض، وأن نضرب في نواحيها باحثين ،وأمرنا أن نكد ونجد في طلب الرزق، فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾.
المسألة الثامنة : وأقول للزوج الذي يجلس في بيته ولا يعمل وهو قادر على العمل ويترك زوجته تعمل أو ينتظر الصدقات إن العاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كلًّا على غيره، أو أن يكون إمعة يستجدي الرزق من العباد، [
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة"
المسألة التاسعة: والعمل الصالح لا يخص الرجل دون المرأة ،فالمرأة تشارك الرجل في العمل الصالح ،وإذا كانت المرأة تعمل لتعيل نفسها وأولادها إن كانت محتاجة إلى العمل بالضوابط الشرعية لعمل المرأة فهذا عمل صالح تؤجر عليه إن صاحبته النية الصالحة ، وكذلك إن احتاج المجتمع المسلم إلى عملها فهو كذلك أيضا كأن تكون ممرضة أو جبيبة أو معلمة لإناث أو غير ذلك مما يكون خاصا بالمرأة .
المسألة العاشرة : إن نتيجة العمل الصالح الحياة الطيبة والسعيدة ،فمن عمل من ذكر وأنثى الأعمال الصالحات بعد الإيمان بالله تعالى فاز بسعادة الدارين ،ومن عمل لإعالة نفسه ومن يعول عاش حياة طيبة حيث يكون مالكا للمال الذي ينفق فيه على نفسه ولا يكون لآحد عليه فيه منّا أو يدا .
المسألة الحادية عشرة: والعمل بشكل عام فيه إعمار للأرض من جميع النواحي الإنسانية الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية وغيرها .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق