الأحد، 30 أكتوبر 2016
من فقه القرآن : الحلقة (1)
من فقه القرآن
الحلقة (1)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة
فقه الآيات الكريمات وفوائدها في المسائل
الآتية:
المسألة الأولى: هذه الآيات الكريمات جمعت عشر
وصايا لأمّة موسى وأمّة محمد عليهما الصلاة والسلام ولمن سبقهما من الأمم، ولو أخذت بها أمّة موسى
عليه السلام لكان فيه نجاتها في الدنيا والآخرة ولو أخذت بها أمّة محمد صلى الله
عليه وسلم لما وصل حالها إلى هذا الحال من
الفردية والتبعية والدنيّة والصغار في الأرض.
المسألة الثانية: ومما يدل على
أهمية هذه الآيات قول القرطبي :"هذه الآية مفتتح التوراة :قل تعالوا أتل
ما حرم ما ربكم عليكم..."
وقول ابن عباس:" هذه الآيات المحكمات التي
ذكرها الله في سورة آل عمران وأجمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ في أي ملّة"
وقيل : إنها الكلمات العشر التي أنزلت على موسى . "
المسألة الثالثة : أسلوب الخطاب في الآيات فيه تحفيز للمخاطبين
على العمل بما حاء فيها والعض عليها بالنواجذ ، دل على ذلك عدة أمور:
الأمر الأول: الأمر المباشر للرسول محمد صلى
الله وسلم بقول الله له :"قل" ، فهذا أمر إلهي لنبيه بتبليغ ما سيكون من
أمر أو نهي بعده ، فهو أمر يتعلق بالتكليف الواجب على العباد الإذعان له والعمل به
أمرا أو نهيا، وفيه استرعاء للأسماع.
الأمر الثاني: استنهاض الله عزّ وجلّ همم
المخاطبين وعزائمهم بقوله :" تعالوا" وهذا اللفظ يعني قوموا ولا
تتثاقلوا ولا توانوا واستعلوا على تثبيط الشيطان والنفس فإن لفظ
"تعالوا" من العلو ولا يقال إلا
لمن كان قاعدا أن يتعالى عن مقعده ويقوم ،فأي مكلف يقرأ هذه الآيات عليه أن يتعالى
عن كل مثبط عن أوامرها أو نواهيها.
الأمر الثالث: قوله سبحانه " ما
حرّم" فيه تحفيز لكل مكلف فإن من طبيعة الإنسان إذا أخبر بشيء ممنوع عليه أن
يتطلع إلى معرفة هذا الشيء لأن النفس لا تحب أن تحبس عن فعل شيء بعكس أمر الإنسان
بشيء فإن الدافعية إلى معرفته تكون أقل من الدافعية لمعرفة ما تنهى أو تمنع منه.
الأمر الرابع: والتحفيز الرابع قوله
سبحانه:"ربكم" والرب هو المربي بالنعم والفضائل ، أرأيت أخي القارىء
الكريم لو أنّ إنسانا أنعم عليك ببيت فخم جاهز للسكن وأعطاك مالا يكفيك وجعل لك من
يخدمك ويقوم بشأنك وأنت فقير محتاج لكل ذلك ثم قال لك مقابل ما أعطيتك فقط أريد منك أن تمتنع عن بعض
الأمور هل تعصيه ؟ بالطبع لا يعصيه إلا جاهل ، فكيف بالله تعالى الذي هو ربك الذي
رباك بنعمه وآلآئه التي لا تعد ولا تحصى يطلب منك بوصفه ربا لك أن تمتنع عن بعض
الأمور ألا تكون الإستجابة فورية ولا تملك إلا ـن تقول سمعا وطاعة؟؟؟
الأمر الخامس: قوله سبحانه:"عليكم"
فيه تحفيز فإذا كانت "عليكم" منصوبة على الإغراء على رأي من قال من علماء النحو بذلك كان
التحفيز بالإغراء حينئذ ظاهرا ، وإذا كانت عليكم ليست للإغراء ففيها أيضا تحفيز
لأن عليكم تعني أنك ملكف بهذا وما دمت
مكلفا بأمر أومنهي عنه فلا تملك إلا الفعل أو الترك أو ستكون معرضا للجزاء
والعقوبة.
الأمر السادس: قوله سبحانه "أتلو"
والتلاوة معناها القراءة والمتابعة ، وفي هذا اللفظ تحفيز من ناحيتين الأولى: أن
التلاوة قراءة فهناك قارىء وهناك مستمع
يقرؤ عليه وله وفي هذه المشاركة بين القارىء والمستمع تشجيع للمستمع على الاهتمام
بما يفرأ عليه ويستمع له، والناحية الثانية : أن التلاوة في الغة من أهم معانيها
الاتباع كما قال الله تعالى في القرآن الكريم :" الذين آتيناهم الكتاب يتلونه
حق تلاوته" قال المفسرون يعني" يتبعونه حق اتباعه" ، فالتلاوة لا
تعني مجرد القراءة والاستماع بل تعني الاتباع بعد المعرفة والعلم .
المسألة الرابعة: ولشيخنا العلاّمة الطاهر ابن
عاشور كلام نفيس عند هذه الآيات وهو قوله:"
وَقَدِ انْقَسَمَتِ الْأَحْكَامُ الَّتِي
تَضَمَّنَتْهَا هَذِهِ الْجُمَلُ الْمُتَعَاطِفَةُ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْمُفْتَتَحَةِ بِقَوْلِهِ: قُلْ
تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: أَحْكَامٌ بِهَا إِصْلَاحُ الْحَالَةِ
الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْعَامَّةِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ مَا افْتتح بقوله: َألَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً.
الثَّانِي: مَا بِهِ حِفْظُ نِظَامِ تَعَامُلِ
النَّاسِ بَعْضِهُمْ مَعَ بَعْضٍ وَهُوَ الْمُفْتَتَحُ بِقَوْلِهِ: "وَلا
تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ"
الثَّالِثُ: أَصْلٌ كُلِّيٌّ جَامِعٌ لِجَمِيعِ
الْهُدَى وَهُوَ اتِّبَاعُ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْخُرُوجِ
عَنْهُ إِلَى سُبُلِ الضَّلَالِ وَهُوَ الْمُفْتَتَحُ بِقَوْلِهِ:" وَأَنَّ
هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ". وَقَدْ ذُيِّلَ كُلُّ قِسْمٍ
مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِالْوِصَايَةِ بِهِ بِقَوْلِهِ: "ذلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"، فتدبر أخي القارىء في قول شيخنا الطاهر
فإن هذه الآيات جمعت صلاح الناس كلهم أفرادا وجماعات ، صلاحا في مجتمعاتهم وصلاحا
في أموالهم وصلاحا في سياساتهم وأمور حياتهم لم تتلاك من صلاحهم في الدنيا
والآخرة شيئا إلا وذكرته أمرا أو نهيا ، وجعلت كل ذلك وصية الله
لهم فأي إنسان لا يأخذ بوصية الله تعالى لا يكون إلا واحدا من اثنين إما مجنونا
سقط عنه التكليف أو عبدا لشهوته وشيطانه
الذي غشّاه بغوايته وتضليله .
المسألة الخامسة : لاحظ أخي القارىء أن صيغة التكليف في الآيات جاءت مرة بالنهي وجاءت مرة أخرى
بالأمر الصريح والمؤول ، وفي الاختلاف في صيغة الطلب أذكره في مواضعه إن شاء الله
تعالى إذا لزم ذكره.
المسألة السادسة : والوصايا العشر في هذه الآيات
الكريمات أذكرها مجملة ثم أفص البيان في فقهها وفوائدها بعد ذلك ، وهي
الوصية الأولى : النهي عن الشرك بالله تعالى.
الوصية الأولى : النهي عن الشرك بالله تعالى.
الوصية الثانية: الأمر ببر الوالدين.
ثالثا:
النهي عن قتل الأولاد الفقر أو كثرة النفقة.
رابعا: النهي عن الفواحش والتحذير من الاقتراب
منها ومن أسبابها.
خامسا: النهي عن القتل لأن حق الحياة محفوظ
للنفس البشرية في كل الشرائع إلا بحق الله تعالى.
سادسا: النهي عن الإعتداء على مال اليتيم بكل
صور الإعتداء .
سابعا:الأمر بوفاء الكيل والميزان وحرمة
التطفيف فيهما.
ثامنا : الأمر بالعدل في كل الأحوال .
تاسعا: الأمر بالوفاء بالعهد مع الله تعالى
وعدم نقضه.
عاشرا:الأمر
باتباع شرع الله وهو الإسلام والنهي عن التفرق في الدين واتباع الفرق
الضالة.
المسألة السابعة: جعل الله تعالى الوصايا الأولى للعاقلين فقال
:" لعلكم تعقلون" وجعلها في الوصايا الثانية لمن يحتاج إلى التذكير
وجعلها فيما تبقى من و صايا لمن يتقي الله ، ولعل الحكمة من المغايرة هنا ما يلي :
أولا:
جاء ت الوصية لأهل العقول حين ذكر أخطر الأمور
على المجتمعات البشرية والتي عواقبها كارثية وهي الشرك والقتل وعقوق
الوالدين وارتكاب الفواحش فهذ مدمرة لكل مجتمع إنساني فوجب على أصحاب العقول
الوقوف عندها واجتنابها والتحذير منها ومنعها فبمنعها حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وهي أهم
الضروريات التي جاءت بها الشرائع جميعا.
ثانيا: وجاءت الوصية بالتذكير عند مال التيم
والوفاء بالعهد والكيل والميزان لأن هذه الأمور تتعلق بالنفس الإنسانية ورغباتها
فلا بد من جمح النفس وذلك بتذكيرها بالله وعقابه وثوابه كي يستقيم أمرها وتفلح في
الدارين الدنيا والآخرة.
ثالثا: وجاءت الوصية بالتقوى حين الاختلاف في
أمر الدين واتباعه وترك الفئات الضالة والمبتدعة فهذا يحتاج من الإنسان إلى التقوى
أي اتقاء ما يغضب الله واجتناب مالا يحبه من عباده وهذه التقوى التي تجعل الإنسان
واضعا لحاجز بينه وبين التفرقة والإنقسام في الدين الذي هو مهلك والعياذ بالله.
من فقه القرآن : أصحاب العقول المنتكسة
من فقه القرآن
أصحاب العقول المنتكسة
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
قال الله تعالى:"
إنّ الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة
الدنيا والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون"
يونس : "7-6"
فقه الآيتين الكريمتين
وفوائدهما في المسائل الآتية:
المسألة الأولى:هاتان
الآيتان الكريمتان ذكرت صفات أصحاب العقول المنتكسة التي لا ينتفعون بها في النجاة العظمى في الدارين
الدنيا والآخرة ، حيث نسوا أن عقلهم مناط تكليفهم ،وأنه سبب لتمييزهم عن غيرهم من
خلق الله تعالى ، وأنهم بغيره لا قيمة لهم ولا شأن ، فهل المجنون له قيمة وشأن وهل
له تميز بين الناس ؟؟؟ .
المسألة الثانية: وأمّا هذه الصفات التي أدت إلى انتكاس عقول أصحابها
فهي:
أولا: الكفر بالآخرة وترك العمل لها مع أن صاحب العقل السليم
حين يستخدم نظام الاحتمالات سيصل مباشرة
إلى نتيجة هامة وهي يجب أن أعمل للآخرة، وذلك من خلال نظام الاحتمالات
فيقول : يمكن أن تكون هناك آخرة ويمكن ألا
تكون ، فالأفضل لي أن أعمل للآخرة حتى إذا كانت لا أخسر حينها الجنة والنجاة من
النار لكن لو كفرت فستكون مصيبة المصائب حينئذ ،وهذا ما دعا الله إليه الناس فقال
سبحانه: " وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر" ، يعني ببساطة ماذا
سيخسر من يؤمن بالله واليوم الآخر، لن يخسر شيئا إلا انتكاسة عقله...
ثانيا: الرضا بالحياة الدنيا دون العمل للآخرة الصفة الثانية من صفات
أصحاب العقول المنتكسة ، ويدل على انتكاسته في عقله أن الدنيا ما سميت دنيا إلا
لأنها دنيّة من الدناءة فهل يرتضي العاقل أن يؤثر الدنيء على ما ليس دنيئا ؟ وأيضا ما سميت دنيا إلا لقربها من الآخرة وأنها زائلة
وأن الآخرة هي الباقية فكيف يفضل صاحب العقل الرشيد الفاني على الباقي الخالد ،
أليس هذا انتكاسة في عقول من يختار الدنيا على الآخرة؟
ثالثا: الغفلة عن النظر في قدرة الله وملكوته ، وهذه الغفلة هي أكبر
المفسدات للعقول ،وهي أكبر المهلكات للبشر ، وقد حذر الله منها في القرآن الكريم
في عديد المواطن وذمّ من يتصف بها بل أنزلهم منزلة الحيوان لاتصافهم بها فقال
سبحانه:" أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" وإني لأعجب أشد
العجب ممن يحمل شهادات عليا ووصل مرحلة متقدمة من العلم والثقافة وارتكس عقله
وانتكس فلم يصل إلى مرتبة ذلك الأعرابي الأمّي الجاهل الذي لا يعرف القراءة
والكتابة ولكنه احترم عقله ووظّفه في أصل
وظيفته التي خلق لها وهي التكليف فاستدل على قدرة الله وعجيب صنعه حين قال بكلام
بسيط ولكنه كلام علمي عميق :" البعرة تدل على البعير والقدم تدل على المسير
فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على العليم
الخبير"؟؟؟
المسألة الثالثة : من ارتكس
عقله وانتكس واتصف بهذه الصفات الثلاثة كان مصيره النار يوم القيامة وهذه نتيجة
حتمية لمن كان كذلك ، ألا ترون معي أيها السادة القرّاء أنه لو أنّ أي موظف كان لا يذهب إلى مكان عمله ولا يعمل بما يجب عليه
من أعمال بل يسخر ويستهزأ من طبيعة عمله
ويشهّر بصاحب العمل ، هل يستحق الأجرة على وظيفته
أم يستحق الحرمان منها بل والعقاب لسخريته واستهتاره ؟ فكيف بأصحاب العقول
المنتكسة ولله تعالى المثل الأعلى!!!
المسألة الرابعة:وأصحاب العقول المنتكسة ما انتكست عقولهم إلا لأنهم
رضوا بالحياة الدنيا فلم يعملوا عقولهم
بالنظر والتفكر في حياة أخرى سوف تكون وهي أفضل وأبقى من الدنيا التي يعيشون فيها
، ورضاهم بالدنيا أغلق عقولهم فجعلهم يظنون أنّ
الدنيا تكفيهم ولا حاجة تدعوهم للنظر في الحياة الأخرى وهذه هي الانتكاسة
الحقيقية للعقول فلو لم تنتكس عقولهم لعلموا وأيقنوا أن حياتهم الدنيا ناقصة ويدل ل نقصانها زوالها
وأنهم ميتون لا يخلدون فيها ويدل على نقصانها أيضا أنها حياة لا سلامة فيها ولا
معافاة ولا سعادة تامة ففيها المرض والفقر والحزن والخوف ولا تخلو من الأكدار مهما
سلمت للمرء فهل حياة كهذه يتمسك بها عاقل له مسكة من عقل ؟؟؟
المسألة الخامسة : والانتكاسة في عقول هؤلاء جعلتهم يطمئنون لهذه الحياة بأن سكنت أنفسهم وأجسادهم إليها ،
فصرفوا كل هممهم وطاقاتهم وجهودهم وأعمالهم في تحصيل ما يستطيعون من منافعها ،
وعطلوا طاقاتهم وهممهم عن تحصيل ما ينفعهم في الحياة الآخرة فهم للدنيا يغضبون
ولها يفرحون ويحزنون فأية عقول هذه؟ وأي بشر هؤلاء؟!!!
المسألة السادسة: وما دام هؤلاء اتخذوا الدنيا دار قرار لهم كما
يظنون فإن الجزاء من جنس العمل ولهذا مكانهم الحقيقي في الآخرة نار جهنم وقد عبرت
الآية عن ذلك بقول الله عز وجل :" أولئك مأواهم" والمأوى هو: مكان
الرجوع إلى مصيرهم الذي ينتظرونه بسب
انتكاسة عقولهم وقد أشارت الآية إلى أن انتكاسة عقولهم هي السبب في مصيرهم الذي
يؤولون إليه في الآخرة حيث الباء في قوله تعالى "بما" للسببية والمعنى بما كسبوا كان مصيرهم النار ، وما
استحقوا هذا المصير المخزي إلا لأن ديدنهم في الحياة الدنيا هو الاتصاف بالصفات الثلاثة السابقة ودل على
هذا قول الله تعالى:"كان" وقوله" يكسبون" بالمضارع للدلالة
على تكرار انتكاسة عقولهم في الدنيا.
المسألة السابعة: يستفاد مما
سبق بيانه وتفصيله عدة فوائد أهمها:
الفائدة الأولى: العقل مناط
التكليف أي سببه وهو من شروط التكليف مع البلوغ ،فالعقل مكلف بعبادة الله تعالى
واتباع دين الإسلام .
الفائدة الثانية: الذي لا
يستخدم عقله فيما ينفعه في الدنيا والآخرة مثله كالحيوان بل هو أسوأ لآن الحيوان
لم يوهب عقلا كالإنسان.
الفائدة الثالثة: العاقل هو الذي يستثمر الدنيا ويعمرها وفق منهج الله
تعالى فهو يعمل لدنياه ويعمل لآخرته وليس معنى أن يكون المرء عاقلا أن يترك المسلم العمل للدنيا كما يظن بعض
العوام بل المسلم العاقل هو الذي يعمل
لإسعاد نفسه ومن حوله في الدنيا ويتخذها وسيلة للسعادة في الآخرة.
الفائدة الرابعة : الأخذ
الحيطة أفضل من تركها في كل الأمور وفي
مقدمتها العمل للآخرة فالعمل لها احتياطا أفضل
بل أوجب للنجاة من شرها وعذابها ويكون ذلك بالإيمان والعمل.
الفائدة الرابعة: ليس عاقلا من مات وهو كافر بالآخرة أو لم يعمل
لها .
الفائدة الخامسة: وليس عاقلا من المسلمين من سوّف وترك العمل اتكالا
على رحمة الله وعفوه فهو سبحانه كما أنه
غفور رحيم فإنه شديد العقاب.
والحمد لله رب العالمين
.
خطبة الجمعة مكتوبة 28/10/2016 عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"
28/10/2016م
الحمد
لله أمرنا بطاعته وحذرنا من مخالفة أمره فقال سبحانه:" واتقوا فتنة لا تصيبنّ
الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أن الله شديد العقاب"، فمن تمادي بالمعاصي
وتمنّى على الله المغفرة دون توبة فهو
غرُّ باع آخرته بالأماني ، ومن ترك النهي عن المنكر هلك ،فاللهمّ إنا نبرأ إليك من المعاصي ولا نرضاها ،ونعوذ
بحولك وقوتك ألآّ نتناهي عن المنكرات ، ونسألك برحمتك ألا تشملنا بعذابك أو تخصنا به ، نشهد أنك الله وحدك لا
شريك لك ، قبضة قبضة للنار وقبضة للجنة ، فأجرنا يا ربنا من نارك ، واكتبنا من أهل
جنتك أمرتنا وأمرك مطاع فقلت :" ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"،
ونشهد أن
سيدنا محمدا عبد الله ورسوله عرفّنا الخير كله وأمرنا به ، وبيّن لنا الشر كله
ونهانا عنه فقال وهو الصادق المصدوق :" ما
نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم به
فأتوا منه ما استطعتم "،فنجا وفاز وأفلح من ابتعه وسار على هديه وصلى عليه ،
فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وعلى أصحابه الأخيار ، وعلى من سار
على هديهم واتبع هداهم إلى يوم الدين .
أما بعد يا عباد الله :
جريمتان
خطيرتان قام بها بنو إسرائيل قديما
ويرتكبها المسلمون في هذا الزمان ، الجريمة الأولى الوقوع في المعاصي والمنكرات والجرأة عليها ، والجريمة الثانية:
تخلي الصالحين من المسلمين عن النهي عن المعاصي والمنكرات بل ومشاركة أهلها فيها ،
فكان عاقبة بني إسرائيل اللعن لعصيانهم بفعل المنكرات من حهة ،ولاعتداء الصالحين
منهم بترك النهي عنها من جهة أخرى فقال سبحانه في ذلك :" لعن الذين كفروا من
بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا
يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون".
يا
مسلمون يا صالحون: استحق بنو إسرائيل حينها اللعن وضرب قلوب بعضهم
ببعض لأنهم :" كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه " فكان هذا واقعهم في
حياتهم ،في بداية الأمر كان الصالحون من بني إسرائيل ينهون عن المنكر ويقول الصالح
لمرتكب المنكر اتق الله فإنه لا يحل لك ، ثم تقاعس الصالحون أو يأسوا من استجابة
العصاة لهم فتركوا النهي عن المنكرات ولكن الله سبحانه لم يعذر الصالحين لقلة
صبرهم وتركهم النهي عن المعاصي بل لعنهم وعذبهم مع من فعل المعاصي واجترأ على
المنكرات ،وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال :" إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول:
يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ،ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه
وقعيده ،فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض" .
يا عباد الله:
أليس هذا
واقعنا الذي نعيشه اليوم لا نتناهى عن منكرات تفعل بين ظهرانينا بل نشارك فيها ؟
وعلى سبيل المثال لا الحصر ،ألسنا نشارك الناس في أعراسهم وفيها منكر التبرج ومنكر
الاختلاط بالنساء ومنكر الغناء الفاحش ومنكر الموسيقى وغيرها ؟ أليست من نسائنا
وبناتنا يخرجن متبرجات وأولياء أمورهن
يقروهن على هذا المنكر؟ أليس من شبابنا من يتنكر للقيم والدين والأخلاق ونترك لهم
الحبل على الغارب من غير نكير ؟ كثير منا إما متفلت من الواجبات الشرعية وإما واقع
في المحظورات ولا نرى النهي عن المنكر
فينا ولا نسمع بالأمر بالمعروف إلا في خطب الجمعة
، أليس هذا مسلك وعر كمسلك بني إسرائيل يستوجب اللعن من الله وضرب القلوب
بعضها ببعض ،فإلى متى لا نتناهى عن المنكرات التي أدت إلى انهيار علاقتنا
الاجتماعية وحكمت المصالح الخاصة في شؤون الحياة ، فأفيقوا يا مسلمون من غفلتكم
فأنتم أحوج الناس في ظل الظروف التي تحيونها إلى أن تطيعوا الله تعالى وتردوا
العاصين إلى جادة الحق والهدى والرشاد. ففي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال:" وليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم"
يا مسلمون: وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا
لرقابة المجتمع المسلم على أفراده ،ورقابة أفراده عليه ،للأخذ على أيادي العصاة
والمستهترين بأحكام الدين لمنعهم من
التجرؤ على المحرمات بقوم ركبوا سفينة فقال صلى اله عليه وسلم :" مثل القائم
على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم
أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو
أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا
جميعا". يا مؤمنون:
:حدود الله الوارد ذكرهما في هذا الحديث الشريف هي ما نهى الله عنه
والمجتمع المسلم طبقتان:الأولى في أعلى السفينة ،والثانية: في أسفلها وكلا ينبغي
عليه أن ينتهي عن كل ما نهى الله عنه ،فلا يكفي منكم أن تصلوا وتصوموا وتزكوا أموالكم وتحجوا وتعتمروا بل يجب أن تجتنبوا ما أمر الله
اجتنابه وأن ينهى بعضكم بعضا
عن
المنكرات والمعاصي ،فأعمال الطاعات يقوم بها البر والفاجر وأما المعاصي فلا يتركها
إلا صدّيق ،"انظروا كم من مسلم يصوم ويصلي ويحج ويعتمر وهو آكل للربا ومسيء
للجوار ولا يغار على عرضه ولا يميز بين حلال وحرام وقد قال عمر بن العزيز
"ليست تقوى الله بصيام النهار ولا
بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكنّ
تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى
خير". يا عباد الله:
إن ركاب السفينة الذين في أعلاها هم الذين بأياديهم زمام الأمور وقيادة الناس
والقوامة عليهم إنهم الحكام وأنتم أيها الآباء والأزواج ورجال العشائر والإصلاح
وكل مسلم صاحب مسؤولية على غيره فهؤلاء نهيب بهم جميعا أن يحفظوا لحمة المجتمع الفلسطيني بأمره بالمعروف
ونهيه عن المنكر بالعزيمة والقوة والحزم ،"لأن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" ،
وإن مجتمعنا المقدسي خاصة إذا ظلت هذه حاله من انتشار المنكرات والانشغال عن
الطاعات فإنه العاقبة لا تجمد عقاباها لا سمح الله...
يا مرابطون : والأمة المسلمة كما ترون
يعيشون اليوم في بحر من المنكرات والبلّيات ، فهجر الاسلام منكر واستدبار أمره ،
منكر، والاستهانة بحرماته منكر، والانفلات من الأخلاق والقيم منكر، وغلبة الظالمين
وأهل الفجور منكر وتفش أهل الضلال والنفاق وإسكات أهل الحق منكر ،والأرض تعجّ بالمنكرات ، فذبح المسلمين وقتلهم وحرقهم
في سوريا والعراق وبورما منكر والسكوت عليه والرضا به منكر أكبر ،والاستخفاف
بالقرارات الدولية والتنكر لها التي تؤكد حق المسلمين الديني والتاريخي في المسجد
الأقصى والمقدسات منكر ، فأين الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ونحن نعيش انفلاتا عقائديا واجتماعيا وتربويا وسياسيا
؟؟ وإذا كان أهل الباطل يتعاونون لنشر باطلهم وشرورهم وفسادهم فلماذا لا يتعاون
أهل الحق لنشر تعاليم الدين والتمكين له في الأرض والتصدي للمنكر وأهله؟؟؟ ألم يضع
النبي صلى الله عليه وسلم لكم قاعدة للتعامل مع من يريد تخريب المجتمع فقال في
حديث السفينة:"فإن تزكوهم وما أرادوا هلكوا
وهلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا"...
يا
مسلمون، يا مؤمنون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية إذا قام به البعض
سقط الإثم عن الباقين إذا تحققت بهم
الكفاية ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حين خصّ من في
أعلى السفينة بالأمر والنهي لمن هم في أسفلها، ولكن يصبح الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر واجب عين على كل مسلم إذا لم يتمكن من إزلة المنكر إلا هو كالاب مع أولاده
وكالزوج مع زوجته وكالأم مع أبنائها وبناتها ،وفي حديث ابي سعيد الخدري رضي الله
عنه يبين النبي صلى الله عليه وسلم ان فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجب
على كل مسلم كل بحسب قدرته واستطاعته فيقول عليه الصلاة والسلام :"من راى منكم
منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف
الإيمان". يا عباد
الله: وكراهية المنكر بالقلب توجب
على المسلم أن يهجر المنكر ومرتكبه أثناء وقوعه وقد جاء في رواية ابن حبان في حديث
السفينة ان النبي صلى الله عليه وسلم:"مثل المداهن في حدود الله والواقع
فيها مثل قوم استهموا على سفينة" ،
فالمداهنة على المنكر هي رؤية المعصية مع القدرة على إنكارها دون إنكارها ومشاركة
فاعلها ومخالطته أثناء فعلها ، ولا يفعل هذا إلا من ضعف إيمانه واحتقر نفسه ولم يحترمها
،وقد نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن احتقار أنفسنا فقال:"لا يمنعنّ رجلا
هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه "
... يا مسلمون: والمؤمن الحق هو الذي يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر، قال الله تعالى:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" ، وأما المنافقون فهم الذين يسكتون عن
المنكر ويرضونه ويامرون به قال الله تعالى :"والمنافقون والمنافقات بعضهم من
بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف " ... يا مؤمنون:
وما نحياه في الحياة في واقعنا من ذل ومهانة واستضعاف وصغار هو
لنبذنا أحكام ديننا ومن جملتها الأمر بالمعروف والنهي عن المكر ، فلماذا لا نقتدي
بمن سبقنا من الأنبياء
والصالحين
لنرضى ربنا ويصلح مجتمعنا ولنقوى على الثبات فوق أرضنا ، فيا أيها الآباء كونوا
كلقمان أوصى ابنه قائلا له:"يا بني أقم
الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور"، وأنتنّ أيتها الزوجات اقتدين بامرأة فرعون :" إذ
قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين
" وأنتم أيها الأبناء كونوا كإبراهيم عليه السلام إذ قال لأبيه "يا أبت
لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا"، وأنت أيها المسلم الحبيب استجب لأمر ربك عزّ وجلّ :"خذ
العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين". يا مسلمون: جاء في الحديث الشريف قوله
صلى الله عليه وسلم :"والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله
تعالى فيغفر لهم"،فاستغفروا الله عباد اله وتوبوا إليه وادعوه وأنتم موقنون
بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، ونشهد أن لا اله إلا
الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وصفوته
من خلقه ، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة ،ونصح الأمة فبلغوا يا مسلمون رسالة ربكم ، وأدوا أمانته
،اللهم صل وسلم وبارك على رسول الأمين وعلى آله وأصحابه وأتباعهم وتابعيهم بإحسان
إلى يوم القيامة ..... أما بعد ،عباد الله: هل تريدون أن
تأمنوا من عذاب الخوف والهم والحزن ومن كل عذاب مادي و معنوي؟؟؟ هل تريدون
أن يفك الحصار عن المحاصرين ويطعم الله الجائعين وتضعوا حدا لطردكم من اماكن
سكناكم وبيوتكم ؟؟؟ إذا أردتم ذلك كله فلا
تجعلوا مصيبتكم في دينكم فإنها أصل البليات وسبب الابتلاءات فلا تجعلوا الدنيا
أكبر همكم ومبلغ علمكم فذلك سبب من
أسباب تسلط الله عليكم من لا يخافه ولا
يرحمكم ،يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم
الله بعذاب من عنده " ، فتسليط الكافرين علينا ،وإخراجنا
من
بيوتنا ، واستخرابهم لبلادنا ،وتنكيلهم بكل أنواع التنكيل بنا ، كل ذلك لانتشار
المعاصي فينا والمجاهرة بها من غير إنكار لها في بيوتنا وفي أسواقنا وفي مؤسسات
التعليم عندنا وفي أماكننا العامة والخاصة ...
يا مسلمون: ألم يأتكم نبأ قوم صالح ؟؟؟ أهلك الله تسعة أشخاص
منهم فعلوا المنكر فكانوا يأمرون بالفساد ويتعاملون بالربا ويتبعون عورات الناس
وكانوا أهل كفر ومعاص يتآمرون على قتل المسلمين ،قال الله فيهم: "ومكروا مكرا
ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبه مكرهم أنا دمرناهم وقومهم
أجمعين"، والذين اعتدوا في السبت ألم
يهلكهم الله عز وجل هم فقال سبحانه فيهم: "وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس
بما كانوا يفسقون" ، فلا تغرقوا سفينتكم
يا أهل بيت المقدس ، ولا تجعلوها تغرق بصنيع بعضكم وإغضاب ربكم وتجرئكم على
مناهيه... يا عباد الله : فكوا رقابكم من ذل الدنيا ونار الآخرة
بإصلاح بيوتكم وأنفسكم ومجتمعكم بالأمر بالمعروف وطاعة الله تعالى ، والنهي عن المنكر واجتناب معاصيه .... أيها
المسلمون: إن قرار اليونسكو بشأن
المقدسات في القدس وبخاصة التأكيد على عروبة المسجد الأقصى
وإسلاميته هو من المعروف الذي يجب أن
تتمسكوا به دولا وأفرادا ، ومن المنكر عدم الاستفادة من هذا القرار على جميع
المستويات وفي جميع الحالات وقد قال الله تعالى :" بل نقذف بالحق على الباطل
فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون" فإسلامية المسجد الأقصى حق ،
وادعاء غير هذا باطل وتسميته بغير اسمه ووصفه بغير وصفه الذي سماه الله ووصفه به عاقبته الويل لفاعله ،
فشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى وعظموا حرماته واتقوا الله فيه، فالمسجد
مسجدكم ، والعبادة فيه حقكم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
اللهم إن
المسجد الأقصى بيتك ونحن
عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك أتينا للمسجد الأقصى عابدين مرابطين راجين رحمتك مبتغين
مرضاتك سائلين النصر على أعدائك فامنن علينا بذلك كله فأنت على كل شيء قدير ،
اللهم جئناك لا نرغب عنك ولا عن بيتك فاصحبنا
العافية في ديننا و العصمة في ديننا وارزقنا عبادتك ما أبقيتنا ، يا ربنا ويا إلهنا ومولانا لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر
همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا... يا ربنا يا الله اعصمنا من شر الفتن وعافنا من جميع
المحن وأصلح منا ما ظهر وما بطن .. ربنا
اشرح صدورنا ويسر أمورنا وفرج همومنا واغفر ذنوبنا واقض ديوننا وأصلح
أحوالنا وأهلك الكفرة أعداءنا .. يا ولينا وناصرنا انصر الإسلام والمسلمين وانصر الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمجاهدين
والمستضعفين.. سبحانك ربنا ما عبدناك حق
عبادتك فاغفر لنا ولوالدينا ولمن لهم حق علينا واغفر يا ربنا للمسلمين والمسلمات
الأحياء منهم والأموات ... يا ربنا يا الله
أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وابعثنا مسلمين وارزقنا رفقة النبي صلى الله
عليه وسلم في جنات النعيم... وأنت
يا أخي يا مقيم الصلاة أقم الصلاة :"إ ن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون"
الجمعة، 14 أكتوبر 2016
من فقه القرآن : أيها الولد العاق برّ أبويك
من فقه القرآن
أيها الولد العاق برّ أبويك
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء
والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
قال الله تعالى:"وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ
إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ
لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24)"
سورة الإسراء
فقه الآيتين الكريمتين في المسائل الآتية :
المسألة الأولى: قرن الله الإحسان إلى الأبوين بتوحيده وعبادته فقال
سبحانه:"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" ، أيها الابن البار بأبويه ابشر برك بوالديك باب
من أبواب الجنة ، وأنت أيها الابن العاق لأمه وأبيه حاذر فعقوقهما باب مفتوح لك من
أبواب النار.
المسألة الثانية: ضرب مثلا للولد العاق لأبويه الصالحين وبين أنه من
الهالكين في الدنيا ومن الخاسرين في الآخرة فقال عز وجل:"والذي قال لوالديه
أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن
وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم
قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين"...
المسألة الثالثة: من أبشع الجرائم الاجتماعية التي نعيشها في هذه الأيام جريمة عقوق الوالدين ،فنسمع ونرى من يشتم أباه
وأمه ، ونسمع ونرى من يرفع صوته عليهما ويقلّ أدبه معهما ، فكم من الأبناء اليوم
يضربون آباءهم وأمهاتهم من أجل زوجة ضالة لا تساوي في ميزان
الله درهما ، أو من اجل شهوة ،أو دنيا زائلة! فالله الله
أيها الأبناء في آبائكم ، إن ايذاءكم لهم بالأقوال والأفعال وغيرها هو
العقوق ،وهو الجريمة النكراء ،وهو كبيرة من أكبر الكبائر ، فمن منكم يحب أن يلقى
الله بكبيرة تدخله جهنم التي حرها شديد وقعرها بعيد؟ قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ "ثلاثة" قالوا :بلى يا رسول الله
. قال:" الإشراك بالله ،وعقوق
الوالدين ،وقول الزور، فما زال يكررها حتى
قلنا ليته سكت".
المسألة الرابعة: إن الله حليم يؤخر عقوبة كثير من الذنوب إلى
يوم القيامة ، لكنه يعجل عقوبة الولد العاق والابنة العاقة لأبويها في الدنيا قبل
الآخرة، ففي الحديث الشريف: "كل
الذنوب يؤخر الله فيها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجّله
لصاحبه في الحياة قبل الممات ،وأقل عقوبة على عقوقك لوالديك أن تعيش مهموما محزونا
تركض وراء الدنيا ولا تنال منها شيئا وإن
نلت منها شيئا لا يكفيك ولا يبارك لك فيه فافهم ما أقول لك أيها العاق، وكونوا يا مسلمون وكنّ يا مسلمات كالسلف الصالح
في التأدب مع الوالدين والتحرز من عقوقهما ، فهذا علي بن الحسين ابن بنت النبي صلى
الله عليه وسلم يقال له: إنك من أبر الناس ولا تأكل مع أمك في وعاء واحد؟ فقال رضي
الله عنه: "أخاف أن تسبق يدي يدها إلى ما تسبق إليه عيناها"، وقيل لعمر بن عبد العزيز :كم بلغ برك
بوالديك؟قال:"ما علوت سقفا هما تحته وما سرت أمامهما بنهار قط وما سرت خلفهما
بليل قط" ، يقصد أنه كان لا يمشي أمامهما بالنهار تأدبا معهما ، وكان يسير
خلفهما في الليل لملاقاة الأخطار دونهما ودفعها عنهما...
المسألة الخامسة: أيها الأبناء أيتها البنات: بروا آباءكم وأمهاتكم
واحذروا عقوقهم، كي لا يتسبب هذا العقوق بدعائهم عليكم فإن دعوة الأبوين مستجابة
ليس بينها وبين الله حجاب ،فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات
مستجابات لهنّ ،لا شك فيهن، دعوة المظلوم ،ودعوة المسافر ،ودعوة الوالدين على
ولدهما" ،فمن كان منكم أيها الأبناء له
عند الله حاجة فليبر أبويه ، وليطلب رضاهما
،فحين جاء وفد أهل اليمن إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه سألهم :أ فيكم
أويس بن عامر؟ قال أويس:نعم ، قال عمر:كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال
أويس:نعم ، قال عمر:لك والدة ؟ قال أويس:نعم،
فقال عمر:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يأتي عليكم أويس بن
عامر مع أمداد أهل اليمن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها
برٌّ لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فطلب منه عمر أن
يستغفر له فاستغفر له أويس ، فانظروا رحمكم الله صحابي كعمر مبشر بالجنة يطلب من
تابعي أن يستغفر له لأنه بر بأمه ولبرّه
بأمّه لو اقسم على الله لاستجاب الله له،
فكونوا مثل أويس واقتدوا به وبروا آباءكم وأمهاتكم.
المسألة السادسة: : من كان
منكم يشتهي الجهاد ولا يقدر عليه ؟ من منكم يشتهي أن يكون له أجر الحاج والمعتمر
من غير أن يحجّ أو يعتمر؟ من يشتهي منكم كل ذلك فليبرّ أبويه وليحسن إليهما ولا يعقهما ،فمن أحسن إلى أبويه وبرهما كان عند الله كالحاج والمعتمر والمجاهد ، فقد
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إني اشتهي الجهاد ولا أقدر عليه ،فقال
النبي صلى الله عليه وسلم "هل بقي من والديك أحد" ؟قال: أمّي
، فقال عليه الصلاة
والسلام"فأبل الله في برها -أي أحسن برها كما يحب الله - فإن فعلت فأنت حاج
ومعتمر ومجاهد" والذلة والخسران والصغار لمن كان له أب أو أم ولم يدخل
بسببهما الجنة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"رغم انف رغم أنف رغم
أنف"- أي خاب وخسر - ، قيل:من يا رسول الله؟قال "من أدرك أبويه عند
الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة".
المسألة السابعة: والأنبياء
والمرسلون هم قدوتنا نسير على نهجهم ونقتفي آثارهم ، وقد كانوا بارين بآبائهم
وأمهاتهم ، وقد أثنى الله تعالى عليهم بهذا الخلق الحسن فقال في شأن يحيى عليه
السلام:"وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا" ، وقال على لسان عيسي بن مريم
عليه السلام: "قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا
أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا
شقيا"، فالعاق لأبويه جبار وعاص وشقي ،فاللهم لا تجعل فينا جبارا ولا عاقا
ولا شقيا...
المسألة الثامنة: بركم
لآبائكم وأمهاتكم كما يكون في حياتهم يكون بعد مماتهم ، ومن البر بعد مماتهم الدعاء والاستغفار لهم ، والصدقة
عنهم، وإنفاذ عهدهم وإكرام أصدقائهم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال:يا رسول الله هل بقي من برّ أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما ؟ قال: "نعم
الصلاة عليهما- أي الدعاء لهما-
والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما لمن بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا
بهما وإكرام صديقهما"، وقد كان النبي
صلى الله عليه وسلم برا بخديجة وهي زوجته فيهدي لأصدقائها بعد موتها ، فما بالكم
يا مسلمون بالوالدين ألا يستحقان البر
والصلة في الحياة وبعد الممات؟ فيا ربنا ارحم والدينا كما ربونا صغارا ،واغفر لهم
، وارفع درجاتهم عندك ، واجعل قبورهم عليهم وعلينا رياضا من رياض الجنة ، وتوفنا
بارين بآبائنا وأمهاتنا يا أكرم الأكرمين.. عباد الله: "إن الله لا يستجيب
دعاء من قلب غافل لاه" ،فادعوه وأنتم موقنون بالإجابة، واستغفروه فإنه غفور
رحيم.
المسألة التاسعة: الابن البار بأبويه يرزقه الله العيش الكريم والذكر
الحسن في الحياة الدنيا ، فعن أنس- رضي
الله عنه- قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "من سرّه أن يمد له في عمره ويزداد في رزقه فليبر والديه وليصل
رحمه"، وببر الوالدين وطاعتهما يصرف الله عن الولد البار لوالديه السوء، قال ابن عباس - رضي الله عنهما- :" إنما
رد الله عقوبة سليمان عن الهدهد لبره بأمه" ، وقال عكرمة :" إنما صرف
سليمان عن ذبح الهدهد أنه كان بارا بوالديه ينقل إليهما الطعام فيرزقهما"،
فاعتبروا يا مسلمون، فإذا كان الله صرف
ذبح الهدهد بسبب بره بوالديه وهو غير مكلف ، فإن صرف السوء عمن يبر أبويه منكم
أولى ، وهذا إسماعيل - عليه السلام - يصرف
الله عنه الذبح لطاعته لأبيه ويفديه بذبح عظيم ،"قال يا أبت افعل ما تؤمر
ستجدني إن شاء الله من الصابرين" ،
فلما أرض إسماعيل أباه إبراهيم بطاعته إياه أكرمه الله وفداه ، كما قال عز
وجل"وفديناه بذبح عظيم "، فيا أيها الأبناء ويا أيتها البنات أطيعوا
والديكم من غير معصية والزموا برهم كي
تكونوا في حفظ الله ورضوانه وكنفه ومحبته....
المسألة العاشرة: لكي يتحقق أيها الولد بركب بأبويك ولا تكون عاقا
لهما فاتبع ما جاء من أوامر ونواهٍ في الآية التي عنونا بها المقال ، وهذه الأوامر
والنواهي هي:
أولا: بر الوالدين فرض عليك
كالصلاة والصيام وغيرها من الفرائض فلا تفرط فيه" وقضى ربك ألا عبدوا إلا
إياه وبالوالدين إحسانا".
ثانيا: ويصبح هذا الفرض آكد
عليك عندما يكبران ويضعفان"إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل
لهما أف ولا تنهرهما".
ثالثا: البر يكون بالقليل والكثير من القول والعمل وأقله ألا تقل لهما
كلاما يؤذيهما مثل التضجر منهما أو أن
تؤذيهما إيذاء ماديا أو معنويا:" فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" وهذان
نهيان صريحان فعضّ عليهما بالنواجذ.
رابعا: أمرك ربك بكل معروف مع أبويك فلا تغفل عنه" وقل لهما قولا
معروفا".
خامسا: كما آواك أبواك صغيرا وخفضا لك جناح الذل من الرحمة فلا تكن
قليل أدب وأخلاق وبلا ضمير فتنسى ذلك في كبرهما :" واخفض لهما جناح الذل من
الرحمة".
سادسا: وأخيرا أيها الولد العاق تذكر أن طاعتك لزوجتك وطلبك رضاها
بعقوق أبويك طريق للنار في الآخرة وغضب الله عليك في الدنيا فغن كانت زوجتك تستطيع
منع الله -حاشاه- من عذابك في النار فالزم عقوق والديك ،وإلا فاضرب بزوجة ضالة
مضلة عرض الحائط فالنساء كثيرات ،هل فهمت؟؟؟
والحمد لله رب العالمين