من فقه القرآن
أصول الشريعة في الأمر والنهي
(1)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
قال الله تعالى :" إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"سورة النحل :90
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: هذه الآية الكريمة من أهم آيات القرآن الكريم وذلك للأسباب الآتية:السبب الأول، أنها كما قال عنها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه" أجمع آية في القرآن" ، والسبب الثاني: أمرت بمكارم الأخلاق ونهت عن قبيحها ، قال قتادة :" ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به في هذه الآية ، وليس من خلق كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدح فيه ، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ةمذامّها"، السبب الثالث:لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سنة 99ه أمر خطباء الجمعة بتلاوتها على المنابر في الخطبة ،وهذا لا يزال متبعا حتى اليوم ،و ذلك لما جمعت هذه الاية الكريمة من معاني الخير والنهي عن أصول الشر ، وهذا ما أراده الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز حين أمر بتلاوة هذه الآية على المنابر في خطب الجمعة حيث كان بعض الناس يسبّون عليا رضي الله عنه ،إذ الآية تنهى عن السبب لأنه من الفحشاء والمنكر ، وفي هذا توجيه لخطباء الجمعة أن يتركوا منكرات الأخلاق في خطبهم كالسب على الأفراد وتجريح الهيئات والناس ، وجعل خطبة الجمعة مكانا لإظهار الذات وهو مقام ينبغي فيه التواضع والخضوع لله تعالى ، وما أقوله يتضمنه ما جاء في الآية الكريمة من معاني العدل والإحسان ، السبب الرابع : أن الآية الكريمة جمعت أصول الشريعة الإسلامية حيث أمرت بثلاثة أمور ونهت عن ثلاثة ،سيأتي تفصيلها لاحقا ، السبب الخامس: ولأهمية هذا الآية وأنها جامعة لكل معاني الخير وناهية عن كل ما هو شر اهتما المفسرين والعلماء بها ومن ذلك ما ذكره محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير حيث قال :" وفي السيرة الحلبية أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام ألف كتابا سمّاه الشجرة بسن فيه أن هذه الآية اشتملت على جميع الأحكام الشرعية في سائر الأبواب الفقهية ،وسمّاه السبكي في كتابه الطبقات "شجرة المعارف.
المسألة الثانية:لما كان القرآن الكريم هو الكتاب الرباني الأخير المنزل إلى البشر ،فقد بين الله تعالى فيه كل ما يحتاجه المكلفون حيث وصف الله كتابه بقوله :" تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين"،جاءت هذه الآية الكريمة تجمع أصول الهداية في شريعتنا الإسلامية ، وأنها تعود إلى الأمر والامتثال بما أمر الله به وشرعه ، والنهي والاجتناب لما نهى الله عنه وحرمّه وذمّه ، وهذه هي التقوى بمعناها الجامع وهي الامتثال لأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ومحارمه عزّ وجلّ ، وهذه التقوى التي غفل عنها الناس وهي في مقدورهم وملك أياديهم لو عقدوا النية على التلبس بها لكانوا جامعين لأصول الهداية ولكانوا في كنف الله تعالى ذي الرحمة والعناية .
المسألة الثالثة: ولكي يحث الله تعالى المكلفين ويحرضهم على الامتثال والاجتناب لما أمر ونهى ، ولكي يكونوا ملوكا لأنفسهم ولمن حولهم باتباع هذه الأصول المذكورة في الآية الكريمة صدّرها : أولا بحرف التأكيد "إنّ"، كي يهتم المكلف بما تضمنته الآية من توجيهات وأوامر ونواهي، ثانيا: صدّرها أيضا بلفظ الجلالة"الله"وذلك لسببين ، أحدهما : للتشريف ،فمن التزم بما في الآية من أوامر ونواه شرف باتباعها لأنه اتبع أمر الله خالق الخلق ومالك الموجودات ، والثاني: لأن لفظ الجلالة" الله" يتضمن معنى توحيد الألوهية ، والتي تعني أن لا يعبد وع الله غيره ، وأن الأمر أمر الله ، وأن النهي نهي الله ، فالتشريع لله وحده ، وهذا هو التوحيد الذي جاء الرسل يأمرون الناس به ،وهو اتباع أوامر الله والخضوع لها واجتناب نواهيه والحذر من اقترابها واقترافها.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة ، والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق