الأحد، 30 أبريل 2017
من فقه القرآن : من حقوق الأسرى
من فقه القرآن
من حقوق الأسرى
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أستاذ الفقه المقارن/ جامعة القدس
www.algantan.com
قال الله تعالى: «حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق، فاما منا بعد واما فداء » محمد آية ٤ من الاحكام المتعلقة بالاسرى ما نذكره في المسائل التالية
المسألة الاولى: الانسان في الاسلام محترم ومكرم لانسانيته (ولقد كرمنا بني آدم).
المسألة الثانية: وقد اقام الاسلام نظامه على العدل والرحمة والانصاف، ومن رحمته انه أمر باطلاق سراح الاسرى، اما بالمنّ عليهم، واما بالافتداء (فاما منا بعد واما فداء).
المسألة الثالثة: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه منّ على بعض الاسرى، ومن ذلك اطلاقه سراح ثمامة بن اثال سيد اهل اليمامة.
المسألة الرابعة: وثبت عنه صلى الله عليه وسلم ايضا الفداء، فأمر به، ومن ذلك قوله: «اضعفوا الفداء على العباس » وكلّفه ان يفدي ابني اخويه عقيل بن ابي طالب ونوفل بن الحارث، فأدى عنهما ثمانين اوقية.
المسألة الخامسة: الاسرى جمع أسير، ويقال في جمع أسير ايضا اسارى.
المسألة السادسة: ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح او ضعيف، او في سنة فعليه، وكذلك لم يرد عن الخلفاء الراشدين المهديين انهم حبسوا انسانا واسروه طيلة عمره.
المسألة السابعة: وقد تكفل الاسلام للأسير بكل ما يليق بانسانيته من مأوى ومحافظة على الصحة والبدن من المرض والسوء والاذى، فكان الاسير يحبس في المسجد، او يدفع الى بعض الصحابة، فيمكث عند الصحابي اليومين والثلاثة والحري بالعالم الذي يزعم التقدم والحضارة اليوم ان يحترم انسانية الانسان، وبخاصة الاسير، فلا يحبسه الا في مكان يحافظ فيه علي صحته، ويمنعه من الاذى والبرد والحر، والا تكون الاتفاقات الدولية حبرا على ورق، او ان يكال بمكيالين.
المسألة الثامنة: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتحدثون مع الاسرى، ويسمعون لآرائهم وطلباتهم، ويستجيبون لما يتفق مع انسانيتهم منها، وقد اوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالاسرى، وأمر بحسن معاملتهم، فقال للمسلمين »استوصوا بالاسرى خيرا.
المسألة التاسعة: واعطى الاسلام الاسير حقه في الكساء، وحفظه من العري والتعري، او الالجاء اليها جميعا، لتنافي هذا مع احكام الاسلام وتعاليمه، ولتنافيه مع انسانية الانسان، ولتنافيه مع الذوق والاخلاق والاعراف البشرية، قال جابر بن عبدالله: كان يوم بدر واتي بأسارى واتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم قميصا فكساه، ولم يعرف عن المسلمين انهم امروا الاسرى بخلع ملابسهم والتعري لأي سبب كان.
المسألة العاشرة: ولم يلجىء المسلمون عبر تاريخهم الطويل اسيرا من الاسرى الى الامتناع عن الطعام لفترة يتحقق فيها الخطر على حياته او أقل منها.
المسألة الحادية عشرة: ولعل من نافلة القول ان المطعم للأسير هو من جملة الابرار الذين يستحقون الفوز بالجنة والنعيم المقيم، كما قال سبحانه في صفه الابرار «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا.
المسألة الثانية عشرة: ومنع الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين من توقيف الاسرى في العراء، تحت حر الشمس، فقال لهم حين رآهم يفعلون ذلك «لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحرّ السلاح ». وامرهم ان يعطوا الاسرى فترة يستريحون ويقيلون فيها عند الظهيرة وان يسقوهم من الماء البارد، فقال لهم: وقيلوهم واسقوهم حتى يبردوا .
المسألة الثالثة عشرة: واعطى الاسلام الاسير او المسجون الحق في اقامة شعائره الدينية كالصلاة والصيام والاحتفال بالاعياد وغير ذلك، وقد قال احمد بن حنبل رضي الله عنه، عن حاله في السجن اني كنت اصلي بأهل السجن
المسألة الرابعة عشرة: ومن حق الاسير في الاسلام ان يتعلم ما ينفعه ويفيده في الدنيا والاخرة، وقد كان سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام يعلم السجناء معه، فيقول «يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار.
خطبة الجمعة مكتوبة 28/4/2017م الغفلة وخطرها
خطبة
الجمعة
الغفلة
وخطرها
الحمد
لله رب العالمين القائل :" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ،ما يأتيهم
من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ،لاهية قلوبهم " اللهم إنا نعوذ
بك من أن تموت قلوبنا أو أن نغفل عن ذكرك
وطاعتك ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الديان الذي يحاسب على مثقال
ذرة ،وهو سبحانه الذي يحذرنا قائلا :" وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم
في غفلة وهم لا يؤمنون "أيها الغافلون عن ربكم ودينكم انتبهوا ! أيها
الغافلون عن ساعة وقوفكم يوم القيامة للحساب تيقظوا فذاك يوم الحسرة لأهل الغفلة ،
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه
الشريفتان وهو ضامن للجنة من غير قيام فتقول له السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله
عنها " أما غفر الله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيجيبها :" أفلا
أكون عبدا شكورا"،يا رسول الله أمتك
اليوم في غفلة ارتدت على أعقابها ، وجعلت ولاءها لأعدائها ، ويسفك بعضها دم بعض
،وليس لها والله إلا العودة إلى هديك تعض
عليه بالنواجذ ،فاللهم رد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ، وحبب إليهم الإيمان
وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلهم من الراشدين ،
اللهم صل وسلم وبارك على حبيبك وحبيبنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم
الدين ، وصل اللهم على آله وأصحابه وعلى
التابعين وعلى من سار على هديهم إلى يوم الدين أما بعد: ......أيها
المؤمنون: إن الغفلة مرض خبيث يتوجب الحذر منه ، واليوم هو اليوم الأول من
شهر شعبان ، وهو شهر الغفلة عند كثير من المسلمين ،ولهذا كان النبي صلى الله عليه
وسلم يصوم أكثره ويقول" ذاك شهر يغفل
الناس عنه ، بين رجب ورمضان" ،وشهر شعبان من أخطر الشهور لأن الله
يرفع فيه أعمالك أيها العبد المسلم فلا تجعل طاعة من صيام أو قيام أوصلة رحم أو
غير ذلك من الأعمال الصالحات تفوتك في هذا الشهر ،فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول
عن شهر شعبان" وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ،فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ".... يا
عباد الله : وشهر شعبان شهر يغفر الله فيه الذنوب إلا لصنفين المشرك والمشاحن
المقاطع لأخيه المسلم ،يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله ليطلع في
ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا
لمشرك أو مشاحن"،فحذار حذار من الشرك
صغيره
وكبيره ! وإياكم من التقاطع والتدابر والتخاصم فإنه سبب في عدم مغفرة الذنوب ، وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم :" تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس
،فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء
فيقول:" أنظروا هذين حتى يصطلحا " فلا تفسدوا علاقتكم بربكم بالغفلة عن
توحيده ، ولا تفسدوا علاقاتكم بإخوانكم بالخصومات ....يا مسلمون يا مرابطون:
كان
السلف الصالح لا يغفلون عن شهر شعبان
فقبلون فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن كما تفعلون أنتم في رمضان ،
وكانوا يقولون: شهر رجب هو شهر الزرع وشهر شعبان هو شهر سقي الزرع وشهر رمضان هو
شهر حصاد الزرع ،فلا تغفلوا عن شهركم هذا وتنافسوا فيه في الطاعات والخيرات كما
تتنافسون في رمضان ،فازرعوا فيه الخيرات لتحصدوها في رمضان ،فأعلنوا التوبة النصوح
،واستغفروا من المعاصي والذنوب كي تستقبلوا شهر رمضان بقلوب مؤمنة وألسنة طاهرة ،
وجوارح نظيفة
مَضَى رَجَبٌ وَمَا
أَحْسَنْتَ فِيهِ وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ
المُبَارَكْ...............
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ
الأَوْقَاتَ جَهْلاً بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ
وَاحْذَرْ بَوارَكْ.................
فَسَوْفَ تُفَارِقُ
اللَّذَّاتِ قَسْرًا وَيُخْلِي المَوْتُ
كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ................
تَدَارَكْ مَا
اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ
وَاجْعَلْ مدارك..............
..............عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ
جَحِيمٍفَخَيْرُ ذَوِي
الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَك
يا
مرابطون يا عباد الله:
الغفلة في الناس فردية وجماعية ومنها الغفلة عما يرون من أشراط الساعة الدالة على
اقتراب يوم القيامة ،
ومحاسبة الله للخلائق ، ومع أن الله تعالى
يقول:" فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها " نرى
انتشار الربا والزنا وشرب الخمور والمسكرات والخلاعة والفواحش والمنكرات ، فمتى
يتوب هؤلاء ، ويرجعون عن غفلتهم؟؟؟والأمة المسلمة غافلة عن الأولويات والقضايا
المصيرية بالشهوات و النساء والمباريات والحفلات والتوافه من الأمور،فلماذا لا
تصحو من غفلتها وترجع إلى دينها فبه عزتها ، أين الوحدة بدل الفرقة ؟ أين التحاكم
إلى شرع الله بدل اتباع المناهج الضالة؟ أين إعادة العزة والسيادة للأمة بدل الذل
والصغار الذي ترزح تحته؟أين همّة الفاروق عمر بدل خساسة أبي رغال ؟أين الورع
والتقوى بدل مقارفة المعاصي ؟أين نصرة الحق بدل نصرة الباطل؟أين اتباع هدي السلف
الصالح بدل التقليد الأعمى للكفرة والفساق؟إن علاج غفلتنا في قوله تعالى :"
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سيله ذلكم وصاكم به
لعلكم تتقون"، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" تركت فيكم أمرين لن
تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم (" فالاعتصامُ بالله ورسوله
نجاةٌ للأمَّة من طوق الغفلة، وهدايةٌ لها إلى الطريق الصحيح، فلا الْتواءَ ولا اعوجاج، ولا زيغَ
ولا انحراف، ولا بِدعَ ولا أهواء). ...يا مسلمون يا مؤمنون: أمة العرب والمسلمين اليوم غافلة عن دينها
،وغافلة عن مصيرها ، وغافلة عن حقوقها ، وغافلة عما يكاد لها ، وشعبنا الفلسطيني
مثلها في الغفلة ،غافل عن قضيته ونصرتها بانشغاله بانقسامه على نفسه
،
وغافل عن عودته لدينه والتمسك به وهو يعلم أنه إن لم ينصر الله باتباع شرعه فإن
الله لن ينصره ، وغافل عن نصرة الأسرى في السجون الذين اضطروا إلى إعلان الإضراب
عن الطعام لنيل بعض حقوقهم الإنسانية التي تكفلها لهم جميع الشرائع السماوية
والبشرية ، وهذه الغفلة عن نصرة الأسرى تتمثل في أنهم لا زالوا أسرى مع أن القانون
الدولي يوجب إطلاق سراحهم بمجرد توقف الحرب وإبرام معاهدات سلام ، فما قيمة
معاهدات السلام وأبناؤنا أسرى ؟؟وما هو موقف القيادات السياسية الفلسطينية من
ذلك؟؟؟إن الأسير الفلسطيني إنسان له كرامته وحريته ، وعليه فإننا نطالب كافة
الجهات الدولية والإقليمية العمل على استجابة مطالبهم الإنسانية العادلة ،
وعلى إطلاق سراحهم وإنهاء معاناتهم
،فالإسلام جعل حكم الأسير يدور بين حالين
إما إطلاق السراح والمن ، وإما الفداء وهو التبادل فقال :"فإما منّا بعد وإما
فداء ".... فاللهم ثبت أسرانا على
الحق ، وانصرهم ،واحفظهم ، وكن معهم ، وأطلق سراحهم أعزاء مكرمين يا رب العالمين.....يا
عباد الله يا مؤمنون: ومن الغفلة غفلة المسلمين عن نصرة المسجد الأقصى
خاصة في هذا الوقت الذي هو أخطر الأوقات التي يمر بها مسجدنا المبارك ، فلا توجد
شاردة ولا واردة من ألوان الانتهاكات والاعتداءات على المسجد الأقصى إلا وفعلت فيه ، ولا عذر للعرب والمسلمين في
التفريط ببيت المقدس مهما كانت ظروفهم فإن
المسجد الأقصى أساس عزة المسلمين ورمز وجودهم إن حافظوا عليه ،وإلا كان
ضياعهم وانفراط عقدهم بين الأمم ، ومن سهل عليه
التفريط في المسجد الأقصى سهل عليه التفريط في المسجد الحرام "فاعتبروا يا
أولي الأبصار....يا مرابطون:والغفلة عن المسجد الٌأقصى والرباط فيه
يقع فيها كثير من أبناء بيت المقدس وأكنافه، فهؤلاء غافلون عن أن رباط يوم وليلة
في المسجد الأقصى خير من صيام شهر وقيامه ، بل وخير من الدنيا وما فيها ،إن كثيرا
من أبناء القدس وأكنافها غافلون عن فضيلة الرباط في المسجد الأقصى ،وفضيلة شد
الرحال إليه ، وفضيلة مضاعفة أجر الصلاة فيه ، فاربطوا قلوبكم وأنفسكم
وجوارحكم هنا في المسجد الأقصى ،ولا
تنشغلوا عنه وأنتم جيرانه وأهله ، ألم يقل الله تعالى لكم :" يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" ،فاصبروا على طاعة
الله ولا تغفلوا عنها واصبروا عن المعاصي واحذروها واصبروا على ما يصيبكم من لأواء
، وصابروا لكي تحققوا الرباط وتنالوا فضيلته ،واعلموا هداني الله وإياكم لكل خير
أن رباطكم في المسجد الأقصى في هذا الزمان أفضل من مقامكم في مكة المكرمة والمدينة
المنورة ،فلا تغفلوا عن أقصاكم والرباط فيه ، وتذكروا وصية النبي صلى الله عليه
وسلم للصحابي الجليل ذي الأصابع :" عليك ببيت المقدس لعل الله أن يرزقك ذرية
تغدو إليه وتروح"......عباد الله : كونوا مع الله ولا تغفلوا عن طاعته ، الثبات
الثبات على دينكم ! والعودة العودة إلى كتاب ربكم وهدي رسولكم صلى الله عليه وسلم
! إذا خفتم فاجعلوا خوفكم من الله ، وإذا أمنتم فاعلموا أن ذلك بفضل الله ، كتب
أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم
يتخوف
منهم ،فكتب إليه عمر:" أما بعد فإنه لن يغلب عسر عسرين ،وإن الله تعالى
يقول:" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم
تفلحون" فيا أسرانا صبرا صبرا ففرجكم قريب ونصركم عاجل ،ويا شعبنا كونوا يدا
واحدة واعتصموا بالله وبحبله المتين ،اللهم اجعلنا من الصابرين ، وارزقنا الرباط
وأجر المرابطين ، وانصرنا على من عادانا
،اللهم أطلق سراح أسرانا ،وردهم إلى ذويهم سالمين أعزاء مكرمين ،كن معهم
ولا تكن عليهم ، وانصرهم على من بغى عليهم ، وأنتم يا عباد الله توبوا إلى الله
واستغفروه فإن الله تواب غفور رحيم وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة
الثانية
الحمد لله رب العالمين ، لا ربّ لنا سواه ، ولا نشكو ضعفنا إلاّ
له ، اللهم أنت حسبنا ومولانا ونعم الوكيل ، نشهد أنك لا إله
إلا أنت ، سبحانك إنا تبنا إليك ،
وإنا من المسلمين ، ونشهد أن محمدا عبدك
ورسولك ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد ،اللهم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك
حميد مجيد ،أما بعد:..........((يا مسلمون يا مؤمنون))
يجب أن لا نغفل عن نصرة
أسرانا ،فلأسرانا علينا حق نصرهم وهم في السجون وبعد تحريرهم منها، ومن ذلك نطالب
وسائل الإعلام أن لا يجعلوا قضية إضراب الأسرى قضية إضراب أسير واحد ، وكذلك نطالب
المسئولين
عن أسرانا المحررين بعدم التمييز بين الأسرى المحررين في الوظائف
والامتيازات المستحقة لكل أسير محرر ، ونطالب بإطلاق سراح الأسرى الأطفال
وعدم سلبهم حرية طفولتهم ،ونؤكد على أن أسرانا في المعتقلات يضربون عن الطعام والشراب ، لأنهم يكرهون الذل ويطالبون بكرامتهم التي ضمنها الله لكل
إنسان ،ولهذا ندعو إلى الاستجابة لمطالبهم
العادلة لأنها مطالب إنسانية ومشروعة لهم ، وكما أن أسرانا لم يغفلوا عن المطالبة
بحقوقهم العادلة ومنعوا أنفسهم من الطعام لينالوها ننبه المسلمين إلى أن يمنعوا أنفسهم من الشبهات
والمعاصي والمنكرات ؟ فراجعوا دينكم، وانظروا أين الخلل في واقعكم
الذي تعيشونه ، أصلحوا ما فسد ، وكونوا كالجسد، تناصروا لحماية أقصاكم وأسراكم ،
والتفوا حول بعضكم للحفاظ على قدسكم
ومقدساتكم ، غيروا ما بأنفسكم ، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر كي تتقوا غضب
الله ، امنعوا المنكرات في الأسواق
والبيوت والطرقات وتفقدوا أبناءكم وبناتكم وزوجاتكم بالصلاح والإصلاح ولا تغفلوا
عنهم ، واخلعوا الشحناء والبغضاء والقطيعة ، فكل ذلك من الغفلة
ومن موانع المغفرة ، فمن كان عاقا لأبويه ، ومن كان قاطعا لرحمه ، ومن كان
مؤذيا لجيرانه وللمسلمين ، ومن كان يطلب الرزق بالمال الحرام ، كل أولئك عليهم ان
يبادروا إلى تطهير قلوبهم ونفوسهم
وجوارحهم وأبدانهم من المعصيات والشبهات،
واعلموا أن الحرص على المال والحرص على العمر من
الغفلة ،فمن عمل للدنيا وحدها فهو من
الذين قال الله فيهم :" ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون" ، و من أعرض منكم عن الله
كان غافلا، ومن سوّف في التوبة كان غافلا ،والانغماس في الدنيا وشهواتها ونسيان
الآخرة غفلة فاحذروا الغفلة وأهلها ومواطنها وأسبابها ، ولا تغفلوا عن الآخرة
الباقية بالدنيا الفانية ، ولا تغفلوا وتجمعوا المال من حلاله وحرامه وتنسوا الرزق
الحلال ، لا تستصغروا المحرمات وتتهاونوا بها
فالمؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، والفاجر يرى ذنوبه
كذباب مر على أنفه فقال به هكذا وهكذا "، ومن ضيع وقته في غير فائدة كان
غافلا خاسرا ، فاحذروا واتعظوا بما قاله عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه:"
ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي
"،اللهم ربنا لا تجعلنا من الغافلين
، وردنا إلى طاعتك ردا جميلا ، اللهم وحد صفنا ،واجمع كلمتنا لإعزاز الدين ، وانصرنا على القوم
الكافرين ، اللهم بلغنا رمضان سالمين ،وارزقنا الصيام والقيام فيه آمنين ، وتقبله
منا ومن سائر المسلمين ، اللهم أنج أسرانا ، وانصرهم على عدوهم ، وارزقهم إطلاق
سراحهم ، واجمعهم بأهلهم وذويهم أحرارا سالمين ،
اللهم اجعلنا وذرارينا في هذه
الأرض من المرابطين ،واجعلنا من الظاهرين ، اللهم احفظ المسجد الأقصى بحفظك ،وتوله
برعايتك ، وارزقنا الغدو والرواح إليه في كل وقت وحين ، اللهم انصر المسلمين في
بورما والصين وفي كل مكان ، ومكنهم من رقاب المشركين والملحدين ، اللهم انصر
الإسلام وأعل كلمته ومكّن للمسلمين ، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولمن لهم حق علينا
، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع مجيب الدعاء . وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة:"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون".
الخطبة فيديو بالأسفل
الخميس، 13 أبريل 2017
من فقه القرآن : فضائل المعراج (1)
من
فقه القرآن
فضائل المعراج (1)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
فضائل المعراج (1)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين
العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
قال
الله تعالى : ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) سورة النجم آية 10
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : هذه الآية الكريمة جاءت في أوائل سورة النجم في الآيات التي تخبر عن معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى في رحلة الإسراء والمعراج .
المسألة الثانية : وقد أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أمورا عديدة منها أنه فرض عليه الصلاة في معراجه أليه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فأوحى الله إلى ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم وليلية خمسين صلاة (
المسألة الثالثة : وفرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته معه ومن بعده في ليلة المعراج ، بيان لأهميتها وأنها أوكد شعائر الإسلام ، فهي الفريضة الوحيدة التي فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم من غير وساطة الوحي جبريل عليه السلام
المسألة الرابعة : والقارئ والدارس لمعجزة الإسراء والمعراج كما وردت في مصادرها الصحيحة من كتب السنة الشريفة والحديث الشريف ، يجد أن الصلاة احتلت مساحة واسعة ، وكانت حاضرة بشكل فاعل في إسرائه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، وفي معراجه إلى السموات العلى من المسجد الأقصى المبارك .
المسألة الخامسة : أما في المعراج فقد روى أنس قال : " فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمسا ، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ، وأن لك بهذه الخمس خمسين ) وفي الحديث الطويل الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم ذهبت إلى سدرة المنتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمارها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها ، فما يستطيع أحد من خلق الله أن يصفها من حسنها ، قال : فأوحى الله إلي ما أوحى وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فأن أمتك لا تطيق ذلك ، وإني قد بلوت بني اسرائيل وخبرتهم .. وظل النبي صلى الله الله عليه وسلم يرجع بين ربه عز وجل وبين موسى ويحط عنه خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هنّ خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة .. "
المسألة السادسة : وإذا كان المعراج وثّق صلة النبي صلى الله عليه وسلم بالله تعالى أكثر من ذي قبل ، حيث وصل إلى سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قوب قوسين وأدنى ، فإن الصلاة تؤكد قرب العبد من ربه وقربه منه عز وجل ، فإذا نوى المسلم وكبّر تكبيرة الإحرام وقال : الله أكبر ، ودخل في صلاته كان ذلك منه عروجا إلى ربه عز وجل ، وصلة منه به سبحانه ، منقطعا عن عالم الدنيا بما فيه شهوات وفتن ومغريات ومضّلات ، وإذا أردت التمثيل لهذه المسألة فإني أشبهها بالهاتف المحمول ( البلفون ) فالواحد منا يضغط على أزرار الهاتف المحمول وفي لحظات يتكلم مع غيره من البشر ولو كان في أقصى الأرض ، وهكذا الصلاة ، فهي مناجاة وكلام من العبد مع الله تعالى ، فهي تسبيح وحمد وثناء واستغفار وشكر وذكر
المسألة السابعة : والمعراج له ثلاث منازل وهي :
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
ومن المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى
ومن سدرة المنتهى إلى قاب قوسين وأدنى
فأن الصلاة هي معراج العبد المسلم إلى الله تعالى بثلاث منازل أيضا وهي : القيام ، والركوع ، والسجود . والسجود هو أقرب منازل المسلم من ربه تعالى ، فإذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم برتبته ومنزلته إلى قاب قوسين وأدنى ، فإن العبد المسلم بصلاته أثناء سجوده يصل إلى أقرب مقام من ربه ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ولهذا القرب فقد حثّ النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يستغل سجوده وهو قريب من ربه بالدعاء وقال ( فاجتهدوا بالدعاء ـ يعني في السجود ـ فقمنى ـ حري ـ أن يستجاب لكم ) ، فلحظات السجود هي لحظات الاتصال مع الله تعالى من غير وساطة أو ترجمان
المسـألة الثامنة : وإذا كان الإسراء والمعراج تسلية وتسرية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من أذى واضطهاد من الكفار والمشركين ، فإن الصلاة أيضا هي تسلية وتسرية للمسلم عما يلاقيه من عناء الدنيا وهمّها ونكدها ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) فالصلاة هي موطن راحة البال ، وموطن سكن النفس وطمأنينتها ، وهي سبب لسكون الأعصاب وهدوئها ، فلا عجب إذن حين نسمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول ( وجعلت قرة عين في الصلاة )
فالصلاة هي إسراء المسلم إلى ربه ، وهي معراجه إليه عز وجل
المسألة التاسعة : ومصور الصلاة بشكل واسع ، وفاعل ومؤثر في إسراء النبي ومعراجه ، يؤكد ما ذكرته من معان ودلالات ، فصلاة الفريضة ، وصلاة النافلة ، وصلاة الجماعة ، وشعائر الصلاة من اذان وإقامة وإمامة وما يترتب على ترك الصلاة والتشاغل عن بعضها من عقوبة ، كل ذلك كان حاجزا في رحلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وفي معراجه أيضا .
المسألة العاشرة : أما صلاة الفريضة فقد ذكرت الحديث الوارد في فريضتها مباشرة دون وحي ، والمسلمون يجمعون على أن الصلاة هي الركن الثاني بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، وهي فريضة محكمة ، على كل مسلم ، بالغ عاقل أن يؤديها ، ويكفر تاركها جحودا وتكاسلا على الصحيح من قول إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالتفريط فيه تفريط في الدين ، وقد كان عمر بن الخطاب يقول : لا إيمان لمن لا صلاة له ، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي جاء من بني سليم بعد أن أسلم قال له : ( الحمد لله الذي هداك لهذا الدين الذي يعلو ولا يعلى ، لا يقبله الله إلا بالصلاة ) وقد أجمعت الأمة على فريضة الصلاة ، وأن المسلم يؤديها على الوجه الذي يستطيع به أداءها ، وإذا فقدت وضاعت ضاع الدين كله .
المسألة الحادية عشرة : وفي معراجه صلى الله عليه وسلم رأى عقوبة الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها ، فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ، لا يضّر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة وقد توعد الله بالعذاب في واد في جهنم اسمه ( ويل ) لمن أخرّ الصلاة حتى يخرج وقتها فقال سبحانه ( ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وتوعد بالعذاب في واد ( غيّ) في جهنم لمن ترك الصلاة بالكلية فقال : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .
المسألة الثانية عشرة : وأما صلاة النافلة في رحلة الإسراء ، فصلاها جبريل عليه السلام ، وصلاة النبي محمد ، وموسى وعيسى وإبراهيم والأنبياء كلهم ، عليهم الصلوات والتسليمات وقد ورد ذلك في عديد من الروايات منها : رواية البيهقي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. حتى أتيت بيت المقدس أنا وجبريل فصلى كل واحد منا ركعتين ) وفي رواية مسلم ( ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ) وفي رواية لمسلم أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مررت ليلة أسري بي بموسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ) وفي رواية أخرى لمسلم ( .. وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي ) ( وإذا إبراهيم قائم يصلي )
المسألة الثالثة عشرة : وأما صلاة الجماعة والأذان والإقامة والإمامة ، ففي رواية ابن مسعود رضي الله عنه
قال النبي : ( ثم دخلت المسجد ـ أي المسجد الأقصى ـ فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ، ثم أذن مؤذن ، فأقيمت الصلاة ، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فصليت بهم ) وفي رواية أبي أمامة عند الطبراني ( ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية مسلم ( فحانت الصلاة فأممتهم )
المسألة الرابعة عشرة : ومن خلال الروايات السابقة نرى حضور الصلاة وأهميتها في رحلة الإسراء والمعراج ، ويمكن أن نخلص إلى مجموعة من الفوائد مما سبق بيانه وذكره وهي :
أولا : أهمية الصلاة وأنها من أهم شعائر الإسلام حيث فرضت مباشرة من غير وحي
ثانيا : وجوب الصلوات الخمس في كل يوم وليلة
ثالثا : مضاعفة أجر الصلوات الخمس إلى أجر خمسين صلاة ، فإذا أضفنا هذه المضاعفة إلى مضاعفتها بخمسمائة صلاة في المسجد الأقصى نرى كم هو كرم الله وعطاؤه ورحمته بالمسلم المصلي
رابعا : تقديم الأتقى والأعلم للإمامة في الصلاة
خامسا : من التقوى ترك الإمامة لمن وجد من هو أحق منه بها
سادسا : ترك الصلاة يوجب العقوبة
سابعا : الصلاة فرض ونافلة
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : هذه الآية الكريمة جاءت في أوائل سورة النجم في الآيات التي تخبر عن معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى في رحلة الإسراء والمعراج .
المسألة الثانية : وقد أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أمورا عديدة منها أنه فرض عليه الصلاة في معراجه أليه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فأوحى الله إلى ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم وليلية خمسين صلاة (
المسألة الثالثة : وفرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته معه ومن بعده في ليلة المعراج ، بيان لأهميتها وأنها أوكد شعائر الإسلام ، فهي الفريضة الوحيدة التي فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم من غير وساطة الوحي جبريل عليه السلام
المسألة الرابعة : والقارئ والدارس لمعجزة الإسراء والمعراج كما وردت في مصادرها الصحيحة من كتب السنة الشريفة والحديث الشريف ، يجد أن الصلاة احتلت مساحة واسعة ، وكانت حاضرة بشكل فاعل في إسرائه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، وفي معراجه إلى السموات العلى من المسجد الأقصى المبارك .
المسألة الخامسة : أما في المعراج فقد روى أنس قال : " فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت حتى جعلت خمسا ، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ، وأن لك بهذه الخمس خمسين ) وفي الحديث الطويل الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثم ذهبت إلى سدرة المنتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمارها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها ، فما يستطيع أحد من خلق الله أن يصفها من حسنها ، قال : فأوحى الله إلي ما أوحى وقد فرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فأن أمتك لا تطيق ذلك ، وإني قد بلوت بني اسرائيل وخبرتهم .. وظل النبي صلى الله الله عليه وسلم يرجع بين ربه عز وجل وبين موسى ويحط عنه خمسا خمسا حتى قال : يا محمد هنّ خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة .. "
المسألة السادسة : وإذا كان المعراج وثّق صلة النبي صلى الله عليه وسلم بالله تعالى أكثر من ذي قبل ، حيث وصل إلى سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قوب قوسين وأدنى ، فإن الصلاة تؤكد قرب العبد من ربه وقربه منه عز وجل ، فإذا نوى المسلم وكبّر تكبيرة الإحرام وقال : الله أكبر ، ودخل في صلاته كان ذلك منه عروجا إلى ربه عز وجل ، وصلة منه به سبحانه ، منقطعا عن عالم الدنيا بما فيه شهوات وفتن ومغريات ومضّلات ، وإذا أردت التمثيل لهذه المسألة فإني أشبهها بالهاتف المحمول ( البلفون ) فالواحد منا يضغط على أزرار الهاتف المحمول وفي لحظات يتكلم مع غيره من البشر ولو كان في أقصى الأرض ، وهكذا الصلاة ، فهي مناجاة وكلام من العبد مع الله تعالى ، فهي تسبيح وحمد وثناء واستغفار وشكر وذكر
المسألة السابعة : والمعراج له ثلاث منازل وهي :
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
ومن المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى
ومن سدرة المنتهى إلى قاب قوسين وأدنى
فأن الصلاة هي معراج العبد المسلم إلى الله تعالى بثلاث منازل أيضا وهي : القيام ، والركوع ، والسجود . والسجود هو أقرب منازل المسلم من ربه تعالى ، فإذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم برتبته ومنزلته إلى قاب قوسين وأدنى ، فإن العبد المسلم بصلاته أثناء سجوده يصل إلى أقرب مقام من ربه ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ولهذا القرب فقد حثّ النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يستغل سجوده وهو قريب من ربه بالدعاء وقال ( فاجتهدوا بالدعاء ـ يعني في السجود ـ فقمنى ـ حري ـ أن يستجاب لكم ) ، فلحظات السجود هي لحظات الاتصال مع الله تعالى من غير وساطة أو ترجمان
المسـألة الثامنة : وإذا كان الإسراء والمعراج تسلية وتسرية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لاقاه من أذى واضطهاد من الكفار والمشركين ، فإن الصلاة أيضا هي تسلية وتسرية للمسلم عما يلاقيه من عناء الدنيا وهمّها ونكدها ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) فالصلاة هي موطن راحة البال ، وموطن سكن النفس وطمأنينتها ، وهي سبب لسكون الأعصاب وهدوئها ، فلا عجب إذن حين نسمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول ( وجعلت قرة عين في الصلاة )
فالصلاة هي إسراء المسلم إلى ربه ، وهي معراجه إليه عز وجل
المسألة التاسعة : ومصور الصلاة بشكل واسع ، وفاعل ومؤثر في إسراء النبي ومعراجه ، يؤكد ما ذكرته من معان ودلالات ، فصلاة الفريضة ، وصلاة النافلة ، وصلاة الجماعة ، وشعائر الصلاة من اذان وإقامة وإمامة وما يترتب على ترك الصلاة والتشاغل عن بعضها من عقوبة ، كل ذلك كان حاجزا في رحلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وفي معراجه أيضا .
المسألة العاشرة : أما صلاة الفريضة فقد ذكرت الحديث الوارد في فريضتها مباشرة دون وحي ، والمسلمون يجمعون على أن الصلاة هي الركن الثاني بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، وهي فريضة محكمة ، على كل مسلم ، بالغ عاقل أن يؤديها ، ويكفر تاركها جحودا وتكاسلا على الصحيح من قول إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالتفريط فيه تفريط في الدين ، وقد كان عمر بن الخطاب يقول : لا إيمان لمن لا صلاة له ، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي جاء من بني سليم بعد أن أسلم قال له : ( الحمد لله الذي هداك لهذا الدين الذي يعلو ولا يعلى ، لا يقبله الله إلا بالصلاة ) وقد أجمعت الأمة على فريضة الصلاة ، وأن المسلم يؤديها على الوجه الذي يستطيع به أداءها ، وإذا فقدت وضاعت ضاع الدين كله .
المسألة الحادية عشرة : وفي معراجه صلى الله عليه وسلم رأى عقوبة الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها ، فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ، لا يضّر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة وقد توعد الله بالعذاب في واد في جهنم اسمه ( ويل ) لمن أخرّ الصلاة حتى يخرج وقتها فقال سبحانه ( ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وتوعد بالعذاب في واد ( غيّ) في جهنم لمن ترك الصلاة بالكلية فقال : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .
المسألة الثانية عشرة : وأما صلاة النافلة في رحلة الإسراء ، فصلاها جبريل عليه السلام ، وصلاة النبي محمد ، وموسى وعيسى وإبراهيم والأنبياء كلهم ، عليهم الصلوات والتسليمات وقد ورد ذلك في عديد من الروايات منها : رواية البيهقي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( .. حتى أتيت بيت المقدس أنا وجبريل فصلى كل واحد منا ركعتين ) وفي رواية مسلم ( ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ) وفي رواية لمسلم أيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مررت ليلة أسري بي بموسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ) وفي رواية أخرى لمسلم ( .. وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي ) ( وإذا إبراهيم قائم يصلي )
المسألة الثالثة عشرة : وأما صلاة الجماعة والأذان والإقامة والإمامة ، ففي رواية ابن مسعود رضي الله عنه
قال النبي : ( ثم دخلت المسجد ـ أي المسجد الأقصى ـ فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ، ثم أذن مؤذن ، فأقيمت الصلاة ، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فصليت بهم ) وفي رواية أبي أمامة عند الطبراني ( ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية مسلم ( فحانت الصلاة فأممتهم )
المسألة الرابعة عشرة : ومن خلال الروايات السابقة نرى حضور الصلاة وأهميتها في رحلة الإسراء والمعراج ، ويمكن أن نخلص إلى مجموعة من الفوائد مما سبق بيانه وذكره وهي :
أولا : أهمية الصلاة وأنها من أهم شعائر الإسلام حيث فرضت مباشرة من غير وحي
ثانيا : وجوب الصلوات الخمس في كل يوم وليلة
ثالثا : مضاعفة أجر الصلوات الخمس إلى أجر خمسين صلاة ، فإذا أضفنا هذه المضاعفة إلى مضاعفتها بخمسمائة صلاة في المسجد الأقصى نرى كم هو كرم الله وعطاؤه ورحمته بالمسلم المصلي
رابعا : تقديم الأتقى والأعلم للإمامة في الصلاة
خامسا : من التقوى ترك الإمامة لمن وجد من هو أحق منه بها
سادسا : ترك الصلاة يوجب العقوبة
سابعا : الصلاة فرض ونافلة
ثامنا : النافلة تصلى فرادى والفريضة تصلى جماعة
تاسعا : الأصل في الجماعة أن تصلى في المسجد
عاشرا : فضيلة شد الرحال إلى المسجد الأقصى وفضل الصلاة فيه
الحادي عشر : النبيون كلهم تبع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يسع اتباعهم إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الجمعة، 7 أبريل 2017
من فقه القران : العفّة أكرم الأخلاق
من فقه القران
العفّة أكرم الأخلاق
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
قال الله تعالى: (ولما بلغ أشده أتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين).. إلى قوله (إنه من عبادنا المخلصين)... سورة يوسف (22-24)
فقه الآيات الكريمات وفوائدها في المسائل الآتية :
المسألة الأولى : الآيات تتحدث عن يوسف النبي الشاب الكريم ، الذي ينبغي أن يكون قدوة لكل شاب مسلم .
المسألة الثانية : قوله تعالى : ( ولما بلغ أشده) أي : بلغ ثلاثا وثلاثين سنة . والأشد : بلوغ الحلم ، وسن استكمال القوة
المسألة الثالثة : فينبغي لكل شاب مسلم ، أن يعلم أنه في سن الرجولة واكتمال القوة والعقل أنه مسؤول عن ذلك كله في يوم الاخرة ، كما جاء في الحديث الشريف : (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع .. وذكر منها : وعن شبابه فيم أبلاه)
المسألة الرابعة : (أتيناه حكما وعلما) : والحكم والعلم نعمتان ، يمن الله بهما أو بإحداهما على من يشاء من الشباب التقي النقي الذي يخاف ربه في السر والعلن ، ولهذا ختم الله الآية بقوله ( وكذلك نجزي المحسنين ) أي : الشباب المؤمنين الصابرين .
المسألة الخامسة : وإذا أنعم الله على الشاب المسلم بالعقل والفهم (الحكم والعلم ) وجب عليه استخدامهما في طاعة الله .
المسألة السادسة : قوله تعالى ( وراودته التي هو في بيتها ) : أي امرأة العزيز ، طلبت منه أن يزني بها .
المسألة السابعة : وقد سلكت امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام كل سبل الإغواء . فالمراودة هي الطلب برفق ولين ، والمراودة وهي الرفق في طلب الزنا له صور عديدة في هذا الزمان ، تقوم على المكر والخديعة والاحتيال على الفتيات ، فليحذر الشاب المسلم ، وليكن كيوسف عليه الصلاة والسلام .
المسألة الثامنة : ويوسف عليه السلام قابل المراودة وهي أول طرق الإغواء ، بقوله تعالى (معاذ الله ) ! فطلب العون من الله واستجار به .. فالشاب المسلم التقي إذا راودته خبيثة أو فاجرة رجع مباشرة إلى ربه عز وجل واستجار به .
المسألة التاسعة : وثاني طرق الإغواء تغليق الأبواب ، كما فعلت امرأة العزيز (وغلقت الأبواب ) ، وتغليق الأبواب ، يعني تهيئة الفرصة لفعل الفاحشة بالخلوة التي لا يخاف الزاني فيها أحدا لاتخاذ كافة الأسباب في ذلك .
المسألة العاشرة : وقد قابل يوسف عليه السلام طريق الإغواء الثاني هذا ، بقوله ( إنه ربي ) أي زوج امرأة العزيز (أحسن مثواي ) أكرمني . فكيف أخون رجلا في أهله وفي بيته ، وقد أكرمني ، وهذا من مكارم الأخلاق ، فيوسف في الإغواء الأول أعلن خوفه من الله تعالى ، وفي الإغواء الثاني أعلن أنه لا يخون رجلا في بيته ! فيا ليت أصحاب النفوس الضعيفة من الرجال والنساء يتعلمون مكارم الأخلاق والخوف من الله من فعل يوسف عليه السلام وسلوكه .
المسألة الحادية عشرة : وأما طريق الإغواء الثالثة والأخيرة ، فهي فيما فعلته امرأة العزيز وصرحت به حيث قالت ( هيت لك ) ، أي تهيأت وتزينت وتحسنت له ، فهي تحثه على الإقبال إلى مواقعتها بكل جرأة ووقاحة .
وقد قابل يوسف عليه السلام هذا الإغواء بقوله ( إنه لا يفلح الظالمون ) أي الذي يعصي الله بالزنا ظالم ولا فلاح له ولا نجاة .
المسألة الثانية عشرة : والشاب المسلم يقابل إغواء المتبرجات والعاريات من النساء اليوم ، بتذكر أن النظر إليهن ظلم للنفس ، وإذلال لها ، فكيف بمن ذهب إلى أبعد من ذلك ،فحينئذ يكون خاسرا وهالكا .
المسألة الثالثة عشرة : وعلى النساء أي يكن عاقلات ، لا يتبعن الأهواء والشهوات ، وليكن ما فعلته امرأة العزيز درسا للفاسقات منهن ، حيث كان مصير ما فعلته هو الفضيحة في الدنيا ، ثم الندم على تلك الفعلة القبيحة .
والعاقل هو الذي لا يعمل عملا يندم عليه أو يجعل الناس يشيرون إليه بإصبع الاتهام .
المسألة الرابعة عشرة : وقد ورد في الخبر صورة من صور مراودة امرأة العزيز ليوسف ، نوثقها في هذا المقام لفائدة الشباب والشابات ..
فقد ورد أن امرأة العزيز قالت ليوسف : ما أحسن صورة وجهك !
قال يوسف : في الرحم صورني ربي
قالت : ما أحسن عينيك !
قال : بهما أنظر إلى ربي
قالت : ارفع بصرك فانظر في وجهي
قال : إني أخاف العمى في آخرتي
قالت : أدنو منك وتتباعد مني
قال : أريد بذلك القرب من ربي
قالت : يا يوسف المخدع فرشته لك فادخل معي ، فاقضي حاجتي
قال : إذا يذهب من الجنة نصيبي
اللهم احفظ شبابنا وشاباتنا من كل سوء
وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم