من فقه القرآن
عقد النكاح (2)
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
www.algantan.com
قال الله تعالى:" ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن...ألخ الآية " سورة البقرة 121
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: باتفاق العلماء فإنه يحرم النكاح من المشركات ،وإذا نكح مسلم مشركة فلا يجوز استدامة إمساكها في عصمته لآن النكاح باطل ، وكذلك يحرم زواج المسلمة من كافر ومن الأدلة على هذا التحريم قول الله تعالى :" لا هنّ حل لهم ولا هنّ يحلون لهنّ"، ومن المصائب التي تدل على جهل بعض المسلمات وضعف إيمانهن زواجهن من الكفار ، وهي مصيبة مردودها وخيم على المسلمات في الدنيا وفي الآخرة .
المسألة الثانية: نكاح المسلم الكتابة الباقية على ملتها فيه أقوال أرجحها والله أعلم الجواز مع الكراهة ،أما الجواز فلأن الله قال في سورة المائدة " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان" ، وأما الكراهة فللأسباب الآتية:أولا:وذلك حتى لا ينكح المسلم المومسات من الكتابيات فهذا لا يليق به ولا ينبغي له، والذي يبدو لنا في هذا الزمان أن الزنا عند الكتابيات لا حرج فيه مع حرمته في شريعتهن ، وقد أمر عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان بتطليق كتابية تزوجها ،فسأله حذيفة: أحرام ؟ قال عمر : لا ، ولكن أخشى نكاح المومسات منهن ، ثانيا : أن من حكم إباحة نكاح الكتابية هو رجاء إسلامها ، وهذه الحكمة معدومة مطلقا في زماننا ، وكم من مسلم تزوج من كتابية وبخاصة الأوربيات ثم أغرت زوجها بضلالها فترك دينه أو كاد بسلوكه المخالف لشرائع الإسلام بل وأخذت أولادها منه وهربت إلى بلادها أو رفعت أمرها إلى القضاء وأخذت أولادها منه عنوة وربتهم على دينها وأخرجتهم من دين الإسلام .ثالثا: أن الكتابية تربي أولادها على تعاليم دينها ولها تأثير عليهم أكثر من أبيهم بصفتها أم ، وكذلك تغذوهم بما هو محرم في شريعة الإسلام ، وهذا كله حرام لأن الواجب تربية الأبناء على تعاليم الإسلام وعلى آدابه ، رابعا : أن المسلمين اليوم يعيشون في حالة ضعف شديد بين الأمم وهم تبع لها ويقلدوهم في كل شيء ، وأن نكاح المسلم للكتابية في دار الإسلام يختلف عن نكاحها في مثل أوضاعنا ، ففي دار الإسلام لا نخاف على الأولاد منها بل ونرجو إسلامها ، وأما اليوم فالأمر خطير وفيه ضياع للزوج ولأولاده منها .
المسألة الثالثة: نكاح الكتابية الحربية حرام ، والكتابية الحربية هي النصرانية أو اليهودية التي بيننا وبينهم حرب وقتال فهذه من أهل الحرب ويحرم الزواج منها مطلقا وهي على هذه الحالة وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وبه أقول أيضا ،لأن مآلاته على المسلمين فيه ضرر كبير ،فهي لا يؤمن جانبها ، وربما يعطي من تزوجها ولاءه لأهل الحرب من الكتاب ، ولأن أبناءه منها سيظلون على دينها بحكم الواقع والقانون الوضعي ، فلكل هذه المآلات وغيرها التي كلها شر محض يحرم على المسلم نكاح الكتابية الحربية ، وعلى المسلمين التحذير من هذا والتناهي والبعد عنه .
المسألة الرابعة :قوله تعالى " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" فيه دليل على بطلان النكاح من غير الولي ،فالولي شرط في صحة عقد النكاح لهذه الآية الكريمة ولعديد الأدلة النقلية ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم " لانكاح إلا بولي" ,ولقوله أيضا:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل"، وعليه فإن من صور الزواج العرفي النكاح بغير ولي ،فهذا النكاح باطل ،ويجب على الفور التفريق بينهما ، ونحذر الفتيات من مغبة التغرير بهنّ ممن لا أخلاق ولا دين عنده من الشباب.
المسألة الخامسة:والحكمة من اشتراط الولي في النكاح كله راجع لمصلحة المرأة ، فالمرأة تحفظ كرامتها عندما تكون مطلوبة لا طالبة للزوج ، وتحفظ مصلحتها من التغرير بها بالزواج من غير الكفؤ أو بأقل من مهر المثل ،وإذا تزوجت بغير الكفؤ كان الزواج عارا عليها وعلى أهلها ، وكذلك إذا تزوجت بأقل من مهر مثيلاتها فإنها تعيّر بهذا هي ووليها وأهلها ، والولي في الشريعة الإسلامية ليس كما تظن بعض النساء أنه لإجبارها على الزواج بل الولي هو لإرشادها ونصحها باختيار من ستعيش معه عمرها فهي ولاية إرشاد لا ولاية استبداد .
المسألة السادسة:قوله تعالى "ولأمة مؤمنة خير من مشركة" ليس المقصود بالأمة هنا المرأة المسلمة الحرة بل المقصود الأمة التي هي الرقيق غير الحرة ، والمعنى أن المسلمة ولو كانت أمة أفضل من الحرة المشركة ،وإن كانت المشركة الحرة يرجى منها نفع دنيوي فإن ما يرجى من المسلمة الأمة التي هي دون الحرة منزلة أفضل وخير لأن ما يرجى منها هو نفع ديني وأخروي .
المسألة السادسة : وإذا كانت هذه الخيرية حاصلة من نكاح أمة مسلمة غير حرة ،فإن الخيرية أيضا تكون في زواج المسلم من امرأة مسلمة ذات خلق ودين بغض النظر عن جمالها ومالها وحسبها ، وهذا حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" تنكح المرأة لأربع :لمالها ولجمالها ولحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"، لأن الزواج من ذات الدين يبقى أثره النافع في الدنيا والآخرة فهو نفع دائم ،أما الجمال والنسب والمال فهو نسبي فقد تكون جميلة ثم تصبح دميمة مع تقدم العمر وقد تكون ذات مال أو نسب فيزول المال ويذهب النسب لفعل مشين يقوم به بعض أفراد العائلة .
المسألة السابعة:قوله تعالى :"أولئك يدعون إلى النار" يعني المشركين والمشركات يدعون إلى أسباب النار والمسلم مأمور باجتناب كل فعل وقول يؤدي إلى النار ،وهذا أيضا من حكم تحريم النكاح من المشركات كما ذكرت ابتداء في هذا المقال ، والعاقل من يتقي النار ويجتنبها ويبعد عن أسبابها ولو كان في هذه الأسباب نعيم وخير له في الدنيا فإن هذا النعيم والخير يقابله العذاب والشر والخزي والعار في الآخرة.
نسأل الله العفو والعافية والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق