من فقه القرآن
وراثة الأرض
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
امام خطيب المسجد الأقصى المبارك
الامين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
قال الله تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) سورة الأنبياء : 105
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية
المسألة الأولى : الأرض أرضان ، أرض الدنيا وهي التي يعيش البشر عليها ، وأرض الآخرة وهي أرض الجنة .
المسألة الثانية : أرض الدنيا خلقها الله للإنسان لتكون له دار ابتلاء ، وأرض الآخرة وهي الجنة خلقها الله لمن يؤمن به ويعمل صالحا ويتبع دين الإسلام ، فهي دار جزاء .
المسألة الثالثة : وأرض الدنيا خلقها الله للناس جميعا ، فاستخلفها عليهم ، ليعمروها وفق دينه ومنهاجه ، لتحيا البشرية في أمن وسعادة وسلام في ظل منهج الله تعالى ، كما قال عز وجل ( وهو الذي جعلكم خلائق الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم )
المسألة الرابعة : والواجب على الناس جميعا ، أن يعبدوا ربهم بالإسلام ، وأن يلقوا بالمناهج الأرض وراء ظهورهم ، لأن هذه المناهج هي التي تورثهم الفساد وسفك الدماء والجوع والفقر والأمراض ، ولهذا كان تعجب الملائكة حين أخبرهم الله سبحانه أنه سيجعل في الأرض بشرا ( خليفة ) يعيشون عليها ، فسألوه سبحانه قائلين له :(اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء),وما نراه اليوم من حروب ودمار ,وتآمر على الانسان بقتله وسجنه وطرده وتجويعه انما هو بسبب تنكرهم للهدف الذي خلقوا له وهو عباده الله تعالى ،كما قال سبحانه (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)
المسأله الخامسه : ولقد جعل الله تعالى الارض وطنا للناس ، فحيثما ولد الانسان ونشأ كانت ارضه ووطنه ،وفي بدايه الخلق كانت الارض لآدم وحواء وذريتهما ، قال الله تعالى لآدم وحواء :( اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم بالارض مستقر ومتاع الى حين)، فالحياه بين الناس على هذه الارض هي حياه صراع بين الحق والباطل ، وبين من يريد تحكيم شرع الله وبين من يريد اتباع الاهواء والشهوات ، وهذا يفهم من حكمه خلق الله للناس ، ومن آيات عديده ، منها قوله سبحانه (بعضكم لبعض عدو).
المسأله السادسه : وبعد آدم وحواء وذريتهما ، صار لكل قوم ارضا تكون لهم وطنا ، وقد كانت مكه المكرمه ارضا ووطنا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث قال عز وجل( وان كادوا ليستفزونك من الارض ليخرجوك منها واذا لا يلبثون خلافك الا قليلا) .
المسألة السابعة : وقد أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من أرضه مكة المكرمة ، وقال وهو خارج منها " لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " لأن الأرض غالية على المسلم ، ولأنها وطنه التي يعبد الله فيها .
المسألة الثامنة : وكل إنسان يعتدي على الآخرين ، باحتلال أرضهم ، وأخذها بالقوة ، وطردها منهم ، هو عند الله ظالم ، وع
المسألة الثامنة : وكل إنسان يعتدي على الآخرين ، باحتلال أرضهم ، وأخذها بالقوة ، وطردها منهم ، هو عند الله ظالم ، وعلى المظلوم ينتصر لأرضه ، وأن يعمل لاسترداد حقه بالرجوع إلى داره وأرضه التي أخرج منها ، وهذا قرار من رب العالمين حيث يقول عز وجل ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع صلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) .
المسألة التاسعة : وجعل الله الحق للمسلمين أن ينعموا بأوطانهم ، وأن يقيموا فيها شعائر دينهم ، لأن هذا هو واجبهم حين يملكونها ، ويأمنون عليها من الأعداء ، وقد قال الله تعالى ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) .
المسألة العاشرة : وإذا أردنا أن يثبتنا الله فوق أراضينا ، ويطرد عنها الأجنبي المحتل ، فما علينا إلا أن نتصف بالصفات الأربعة المذكورة في الآية السابقة ، وهذه الصفات هي :
الأولى : الأمر بالمعروف
الثانية : النهي عن المنكر
الثالثة : إقامة الصلاة
الرابعة : إيتاء الزكاة
والثالثة والرابعة هما أول ما يكون من المعروف بعد الشهادتين
ونحن في أرضنا مقصرون في هذه الأربعة ، وبخاصة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولو فهمنا المعنى الحقيقي لهما ، وجزاء الأمر وعاقبة النهي ، لعلمنا لماذا نعيش فوق أرضنا وفي وطننا مغربين مضطهدين كالغرباء .
المسألة الحادية عشرة : قوله تعالى ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) المقصود بالصالحين هنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال سفيان الثوري : هم أهل الصلوات الخمس ، ولهذا ذكر الله بعد هذه الآية قوله عز وجل ( إن في هذا لبلغا لقوم عابدين ) ليؤكد أن الأرض لا يرثها إلا من كان عابدا مطيعا لربه ، وقال ابن عباس : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان .
المسألة الثانية عشرة : وفي معنى الأرض في قوله تعالى ( إن الأرض يرثها .. ) أقوال لأهل التأويل وهي :
القول الأول : أن الأرض المقصودة في الآية الكريمة هي أرض الجنة ، وقد رجح القرطبي في تفسيره هذا القول ، فقال : أحسن ما قيل أنه يراد بها أرض الجنة كما قال سعيد بن جبير ، لأن الأرض في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث يشاء )
القول الثاني : أنها الأرض المقدسة ، أرض فلسطين ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما
القول الثالث : أنها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح . والقول الثالث أكدته فتوحات المسلمين من قبل لبلاد فارس والروم وغيرها ، حين أخرجوها من الضلال إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإسلام ، وهذه هي سنة الله مع أهل الإسلام ، أن يعيشوا في الأرض آخذين بسنة ( الدفع والمرافقة ) لدحر الظالم ، ونصرة المظلوم ، وإبطال الباطل ، وإظهار الحق ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ( ولن تجد لسنة الله تحويلا )
المسألة الثالثة عشرة : وهذا الذي قلناه آنفا ، هو قدر الله في البشرية الذي كتبه في الزبور كما قالت الآية ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) .. والمقصود بالزبور في الآية الكريمة التوراة والإنجيل والقرآن ، وهو سعيد بن جبير ، والمقصود ( بالذكر ) اللوح المحفوظ ، فوراثة الأرض التي في الدنيا سيكون للمسلمين ، والله تعالى يقول ( والعاقبة للمتقين ) ووراثة الأرض التي في الآخرة وهي الجنة ، ستكون للمسلمين من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ..
المسألة الرابعة عشرة : وعليه يمكن أن نبين حال المسلمين على الأرض في الدنيا بما يلي :
أولا : أنهم في اختبار وابتلاء مع أعدائهم
ثانيا : أنهم يذمون ويبتلون في أراضيهم طردا وقتلا ونفيا حين يبتعدون عن دينهم والعمل بأحكامه
ثالثا : أنهم في أوطانهم وأراضيهم يعيشون بين الإستقرار وعدمه ، بحسب بعدهم أو قربهم من ربهم ودينهم
رابعا : أنهم مطالبون بالصبر والثبات
خامسا : أن مصدر سعادة البشرية يكون بعلو المسلمين في الأرض ، ومصدر شقائها يكون بقدر استضعافهم .
سادسا : أن ما يجري لنا على أرضنا ، وما يحصل مع المسلمين في كافة أرجاء الأرض هو قدر مكتوب .
المسألة الخامسة عشرة : وبمناسبة يوم الأرض فعلينا نحن أهل فلسطين واجبات عديدة غير الذي أسلفنا ذكره وبيانه ، وأهم هذه الواجبات :
أولا : المحافظة على الأرض وعدم تسريبها للاحتلال بأي نوع من أنواع التسريب ، سواء كانت أرض فرغة من العمران ، أو أرض عليها عقارات .
ثانيا : مقاطعة كل من يعتدي على الأرض بالتفريط فيها وهذه أقل عقوبة له .
ثالثا : إحياء الأرض بالعمران إن أمكن ،وإلا فبزراعتها ،وخير ما يأكل الإنسان من زراعة يده وفي أرضه.
رابعا : بيع الشقق السكنية بربح ومعقول ,هذا الكلام موجه خصيصا لتجار العقارات من أبناء القدس ، وليس من التقوى والدين ومن الوطنية في الوقت الحاضر بيع الشقق السكنية بمئات الآلآف من الدولارات وبربح مضاعف ،فهذا يزيد من غربة القدس ،وفرص تهويدها .
خامسا: وحدة أبناء الشعب الفلسطيني مهما اختلفت أفكارهم واتجاهاتهم ، فأقل ما تريده الأرض منهم في هذا الوقت وحدنهم ليحافظوا عليها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق