من فقه القرآن
العمل الصالح
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
الأمين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
WWW.ALGANTAN.COM
قال الله تعالى :" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون غلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" سورة التوبة آية:105
فقه الآية الكريمة وفوائدها في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: قوله تعالى "قل" فعل أمر والأمر هنا لمجموع المسلمين ،وهو أمر بالعمل الصالح ، الذي سيظهر أثره ونتيجته في الدنيا من خلال المؤمنين وفي الآخرة حيث سيحاسب الله عليه كل عامل .
المسألة الثانية: وهذا الأمر جاء للمؤمنين بعد إعلامهم بقبول توبتهم ، وأنهم بعد قبول التوبة لا بد أن يشغلوا أوقاتهم بالعمل الصالح حتى تعمر حياتهم بها فييكون مآلهم خير مآل في الآخرة حيث يحاسبهم الله تعالى يوم القيامة.
المسألة الثالثة: والعمل الصالح يشمل عمل القلب وهو الاعتقاد وما ينعقد عليه القلب من الإيمان والتوكل والإنابة والخوف والرجاء من الله تعالى وغيرها من أعمال القلوب الصالحة ، وكذلك يشمل العمل عمل النفوس ،فالنفس قيد يكون عملها صالحا تأمر صاحبها بالتقوى والاستقامة وهي النفس المطمئنة ، وقد يكون عمل النفس طالحا يودي بصاحبه إلى غضب الله تعالى وعذابه وهي النفس الإمارة بالسوء ، وقد يكون عمل النفس مترددا بين الصلاح والطلاح ، وهي النفس اللوامة التي يرجى لصاحبها الخير إذا تاب وأصلح حاله بالإنابة إلى الله تعالى والعمل الصالح ، ولهذا دعت الآية إلى العمل الصالح بعد الإخبار بقبول التوبة للمؤمنين .
المسألة الرابعة : ومن العمل الصالح أن يقوم الإنسان المسلم بالعمل لإعالة نفسه ومن يعول،وإذا قصد المسلم بالعمل إعالة نفسه ومن يعول وحفظهم من السؤال والعوز كان له اجر المجاهد على عمله ، فعن كعب بن عجرة أن رجلاً مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى أصحابُ رسول الله من جَلَده ونشاطه فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان خرج يسعى على ولده صِغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوَين شيخَين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله"، وعلى هذا نبشر العمال المسلمين بهذه البشارة من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي يسمّى"عيد العمال" ،فأعظم هدية لهم في هذا اليوم هو أنهم بعلمهم وتعبهم يحصلون على الأجر في الدنيا وعلى الأجر في الآخرة بأن لهم أجر المجاهدين وهذا يدفعهم إلى احتساب أعمالهم وإخلاص النية فيها لله رب العالمين ، وفي هذا الحديث الشريف حض للكسالى من الرجال الذين يعتمدون على غيرهم في إعالتهم وإعالة من يعولون وأسوأ هؤلاء الرجال من يعتمد على زوجته في العمل وهو جالس في بيته أو يضيع وقته في الطرقات وكذلك الذين يحصلون على مخصصات من التامين الوطني فلا يعملون ويقضون أوقاتهم في الإضرار بالناس .
المسألة الخامسة: قوله تعالى "ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تملون" فيه إشارة إلى أن نهاية عمل العامل هو توفيته أجره وبهذه المناسبة فإن الله تعالى أمر بإعطاء الأجير أجره كاملا ،فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، ومن أعظم الذنوب أكل أجرة الأجير وعدم توفيته حقه ، وننبه هنا مؤسساتنا العربية المحلية إلى خطورة هذه الجريمة وهي التلاعب بحقوق الموظفين والعمال ، وصوره كثيرة في مجتمعنا الفلسطيني المحلي ، وبخاصة في مؤسسات التعليم الخاصة .
المسألة السادسة: وكذلك فإن قول الله تعالى السابق في المسألة الخامسة فيه تحذير شديد من التقصير في العمل الصالح أو ارتكاب المعاصي ، ومما يتعلق بحقوق العمال التقصير في توفيتهم حقوقهم أو الاعتداء عليها ، والله في كل الأحوال مطلع على أعمالكم وتصرفاتكم ، فليحذر كل مسلم من التقصير في الصالحات ومن ارتكاب المحظورات ، وليحذر كل رب عمل من ظلم العمال والموظفين حقوقهم ،فالله أكبر منه وسيقبض روحه ويموت ولن يأخذ معه مما سلبه من حقوق العمال والموظفين إلا الوزر وتبعيته عليه وهو العذاب في جهنم.
المسألة السابعة: والمسلم يعمل من أجل مصلحة نفسه ومن أجل مصلحة غيره من المسلمين وغيرهم لأنه يعتبر نفسه عضوا عاملا نافعا في المجتمع الذي يعيش فيه ، ورلا ينبغي أن يكون العمل لصالح النفس مضادا العمل لصالح المسلمين فذا كان كذلك وجب تقديم مصلحة المسلمين على مصلحة النفس ، وهذا الذي نحذر منه يقع فيه كثير من المسلمين عامتهم وخاصتهم من حملة الشريعة ،فيقدمون مصلحة النفس وهواها على مصلحة المسلمين والدين والمجتمع ، وصوره من العامة والخاصة كثيرة .
المسالة السابعة : ينبغي على كل مسلم أن يعلم أن العمل لا بد أن يكون مشروعا فإذا كان العمل حراما غير مشروع كان كسبا حراما وعليه وزره ،كمن يعمل في الغناء والموسيقى والخمور بيعها أو تقديمها للناس والمخدرات و ملابس النساء غير الشرعية وبيع الأصنام من الحيوانات كالجمال وغيرها فكله كسب حرا يجب الامتناع عنه ، والله سبحانه سيرزق من يترك هذا الحرام رزقا حلالا ، ودينار من حلال يضع الله فيه البركة خير من مليون دينار حرام كل دينار منها كيّة في النار.
المسألة الثامنة: ومن الكسب الحرام كسب الموظف الذي لا يقوم بعمله على الوجه المطلوب منه، كبعض الموظفين الذي يقضي ساعات العمل في شرب الشاي والقهوة وقراءة الجريدة وفي القيل والقال .
المسألة التاسعة : وبهذه المناسبة فإن للعمال والعمالة في الإسلام أحكامهما الخاصة بهما التي تدل على مدى احترام الإسلام لكرامة العامل وحفظه له حقوقه كاملة ، ولا يتسع المقام هنا لتفصيلها فأنصح بالرجوع إلى مصادرها لقراءتها والإفادة منها ، والله وحده الهادي إلى سواء السبيل
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق