خطبة الجمعة في شأن النازلة التي لحقت بالمسجد الأقصى
في 14 تموز 2017م........
تاريخ الخطبة 4/8/2017م
الحمد لله الذي أعزكم بعد ذل .. ونصركم من ضعف .. وردكم إلى دينه بالرباط على ثغر من أحب
الثغور إليه .. ألا وهو المسجد الأقصى .. فكنتم غرسه الذي غرسه في الأرض المقدسة
.. وفي مسجدها المقدس .. ترابطون على أبواب بيت المقدس ..إلى أن يأذن الله بتحريره ..فاحمدوه واشكروه .. وانسبوا
الفضل إليه ولا تكفروه .. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده ..لا شريك له .. ينصر من ينصره .. وهو حسب من يتقيه ولا يكفره
.. قال وهو أصدق القائلين:" وما جعله
الله إلا بشرى لكم ..ولتطمئن قلوبكم به .. وما النصر إلا من عند الله العزيز
الحكيم " .. ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله.. أسرى الله به إلى المسجد
الأقصى.. وجعله قبلته الأولى .. الذي إليه تشد الرحال .. فهو المسجد المعظم ..في
كتاب الله المعظم .. فأنتم يا أهل بيت المقدس وأكنافه في فلسطين من أهل الحظ
الوافر الذي اختصكم الله به دون سائر المسلمين ..أسكنكم مسرى رسوله صلى الله عليه وسلم ..وجعلكم أمناء عليه.. وجعلكم أهله الذين يغدون إليه ويروحون ..وأ شربكم
الله حبه .. فلا تزالون فيه وعلى أبوابه تلهجون قائلين : لا إله إلا الله وحده..
صدق وعده ..لا إله إلا الله وحده .. والحمد له وحده .. اللهم صل وسلم وبارك على حبيبي وحبيبكم محمد.. صاحب لواء الحمد والحوض والشفاعة.. وصل اللهم على آله وأصحابه وأتباعه وتابعيهم بإحسان
.. وصل اللهم على كل رجل وامرأة .. وكبير وصغير.. وذكر وأنثى .. من أبناء بيت
المقدس وأكنافه من المسلمين إلى يوم الدين...
أما بعد ، أيها المؤمنون
أيتها المؤمنات : إنكم في بيت المقدس
..تعيشون بين علامتين من علامات الساعة .. العلامة الأولى وهي فتح بيت المقدس وقد تمت في زمن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ، فقد جاء في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أعدد ستاً بين يدي
الساعة فذكر منها فتح بيت المقدس..وأما العلامة الثانية فهي نزول الخلافة قبيل قيام
الساعة في القدس فعن ابْنُ حَوَالَةَ
عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ
الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ، فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا
وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ ،
مِنْ يَدَيَ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ "...فيا
عباد الله إذا تبين لكم هذا .. فاعلموا أن الله جعلكم غرسه.. وسوطه .. الذي به
يجلد ظهور الظالمين .. في القدس وأكنافها.. ...لتنوبوا عن أمة المسلمين في شرف
الرباط .. وفي الصبر والمصابرة .. في وجوه
الغزاة ..في كل عصر وجيل ... وقد بشركم النبي صلى الله عليه وسلم .. بهذا في عديد
الأحاديث ..التي تدل على أنكم بمجموعكم ثابتون على دينكم .. وتقهرون عدوكم.. وأنكم
تصبرون على خذلان الناس لكم من العرب والعجم .. وأنكم لا تثنيكم اللأواء عن منازلة
الباطل ومراغمته .. حتى يأذن الله بزوال الظلم والظالمين ..قال النبي صلى الله
عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ..لعدوهم قاهرين..لا
يضرهم من خالفهم..إلا ما أصابهم من لأواء..حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك ..قالوا:
يا رسول الله وأين هم ؟ قال :" ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"... والنازلة التي حلت بكم في الأسبوعيين الماضيين ... دلت على ذلك كله.. وعلى أنكم من أهل هذه البشارة...
مع العلم أن هذه النازلة هي جزء من الإفساد الثاني في بيت المقدس الذي سيتصاعد ويزداد في الأيام والأشهر والسنين
القادمة ..فوطّنوا أنفسكم على مراغمته ..وأحسنوا التوكل على الله بالثقة به ....وبأن قدره ماض في عباده ..وبالأخذ
بالأسباب ..واتركوا الأماني والتمني فإنها بضاعة المفاليس ..والله تعالى يقول لكم
:" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"............أيها
المؤمنون أيتها المؤمنات...... كشف إغلاق أبواب المسجد الأقصى .. عن معدن إيمانكم ..
ومعدن أخلاقكم.. ومعدن حبكم لأقصاكم .. فإذا
بكم تفاجئون العالم كله .. أن معدنكم أغلى من الذهب الخالص ..وأغلى مما هو أغلى من
الذهب الخالص .. فما زادتكم هذه النازلة إلا
إيمانا بربكم ... وتمسكا بدينكم ...وإصرارا على حقكم... فكنتم كما وصفكم الله
بقوله:" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا
سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا "... فكانت صلواتكم الخمس على أبواب
المسجد الأقصى.. وفي الطرقات ...وكان دعاؤكم يهز جنبات القدس... ويفتح
أبواب السماء سريعا.. وأنتم تجأرون قائلين : يا الله فرج كربنا.. يا الله ارحم
ضعفنا ..يا الله انصر جمعنا.. يا الله ما لنا غيرك يا الله..أمّة قائدها محمد لن
تموت..وأمّة قائدها محمد لن تهزم .. فقال الله لكم لبيكم ...فدخلتم مسجدكم بفضل
الله ساجدين حامدين... فحذار حذار أن تنسبوا هذا الفتح الأصغر إلى أنفسكم كما يفعل
بعض الناس الذين حين تسمعه تظنه صلاح الدين أو عمر .. لا يا مسلمون إنها بركة
المسجد الأقصى.. وبركة الصبر.. وبركة المصابرة .. وبركة الدعاء.. وبركة المرابطة
..قال الله تعالى محذرا كفران النعمة :"وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن
الإنسان لظلوم كفار"...... أيها المسلمون أيتها المسلمات...
وأما تكافلكم بالطعام والشراب ..والاستضافة
في البيوت... فدلت على أخلاقكم التي أصّلت أخلاق المرابطين ... وأحييتم بها سنة
التآخي التي كانت بين المهاجرين والأنصار.. وصدق فيكم قول الله عز وجل:"
والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ..ولا يجدون في صدورهم
حاجة مما أوتوا .. ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ..ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون"...... يا
مرابطون ويا مرابطات... وأما التفافكم حول المرجعيات الدينية ...وعلى رأسها دائرة الأوقاف الإسلامية
في القدس ..فهذا يدل على وعيكم ...وعلى أن المسجد الأقصى هو للمسلمين.. وأن الولاية
عليه للأوقاف وحدها ..وأن أي تدخل من
الاحتلال فيه... هو اعتداء عليه... ومرفوض جملة وتفصيلا ...وعليه فإننا نرفض كل
الاعتداءات على المسجد الأقصى ونطالب بوقفها فورا ... ونطالب باحترام الحق الديني
والتاريخي والسياسي للمسلمين في مسجدنا ... المسجد الأقصى الذي خصنا الله به ..
وجعله آية في كتابه .. وأحاديث من أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم... وإن
التفافكم يا مسلمون حول المرجعيات الدينية أثناء هذه النازلة التي حلت بكم ... يدل
على أن قضية المسجد الأقصى هي قضية دينية عقائدية يحظر المساس بها .. وأنها لا
تخضع للمساومات .. وتدل على غياب المرجعيات السياسية الصالحة التي تضع المسجد الأقصى في سلم
أولوياتها.. فقدسية المسجد الأقصى ومكانته
وعظمته كقدسية المسجد الحرام ومكانته
وعظمته ... بنص القرآن الكريم الذي يقول :"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله".......يا مسلمون يا مسلمات.......
لقد حققتم الرباط قولا وفعلا... أثناء
النازلة التي داهمتكم بإغلاق المسجد الأقصى وما تبعه من إجراءات ظالمة في مبانيه
ورحابه وعلى أبوابه وعلى موظفيه... فالرباط هو"ملازمة ثغر من المسلمين
لرد خطر متوقع عليهم " ..فكانت أبواب المسجد الأقصى هي الثغر ...وكنتم أنتم
المرابطون والملازمون له ..وبهذا تحقق لكم
الرباط على حقيقته ...فمنكم القائم في الشمس .. ومنكم الباذل ماله .. ومنكم المصلي
...ومنكم اليقظان الذي لا ينام .. ومنكم الصائم المحتسب ..ومنكم المصاب والأسير
والشهيد ..ومع أن الرباط حراك سلمي إلا أن
أجركم عند الله فيه عظيم ..لأنكم ترابطون لحفظ حرمة من أعظم حرمات الإسلام... وهي
مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ..هذا أنس بن أبي مرثد ينتدبه النبي صلى الله عليه
وسلم ليرابط ليلا لحراستهم ..فلما طلع النهار... سأله الرسول صلى الله عليه
وسلم:" هل نزلت الليلة"؟ فقال: لإ إلا مصلّيا أو قاضيا حاجة ..فقال له
النبي :" أوجبت فلا عليك ألا تعمل بعدها"... ومعنى أوجبت :أي عملت عملا
يوجب لك الجنة.. فيا أهلنا في القدس ..وفي الداخل الفلسطيني ..أوجبتم ..فاثبتوا
على ما أنتم عليه ... جاء في الحديث الشريف:"ثلاثة لا ترى أعينهم النار..عين
حرست في سبيل الله ...وعين بكت من خشية الله ...وعين كفت عن محارم الله
""... اللهم ارزق عيوننا الحراسة في سبيلك ..والخشية منك ..والكف عن
محارمك ..اللهم انصرنا بالإسلام وانصر الإسلام بنا.. واجعلنا من جندك
المخلصين..اللهم ارزقنا أجر الرباط نحن وذرارينا
إلى يوم الدين ..ورد عنّا كيد الظالمين ..
عباد الله : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واستغفروه فإنه غفور
رحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ... لا ربّ لنا سواه ... ولا نشكو ضعفنا إلاّ
له ...اللهم أنت حسبنا ومولانا ونعم الوكيل ... نشهد أنك لا إله إلا
أنت ...سبحانك إنا تبنا إليك ... وإنا من المسلمين ... ونشهد أن محمدا عبدك ورسولك ...اللهم صل وسلم
عليه وعلى آله كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ...اللهم وبارك على
محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ...أما بعد
.............
أيها المسلمون ، أيتها المسلمات...كما عشتم ورأيتم... قدر الله فيكم...
أن خصكم من غير المسلمين... بشرف الرباط
حول المسجد الأقصى وفي أكنافه ... وعليه
فإني أبشركم بحسن الخاتمة... لكل من رابط إيمانا واحتسابا .. حيث يقول الرسول صلى
الله عليه وسلم :"رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى
عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتّان"... يا عباد الله ،يا أحباب المسرى ...لقد كشفت النازلة التي ألمت بكم
وبمسجدكم ...أن المسجد الأقصى فاضح المتخاذلين... وكاشف المنافقين ...ومظهر سوءة
عورة علماء السلاطين ... ورافع العلماء الربانيين..فيا له من مسجد فاضح كاشف ..
وخافض رافع ..فاللهم اجعلنا من الذين رفعهم المسجد الأقصى ..ونعوذ بك أن نكون من
المتخاذلين المفضوحين ...الذين قال الله فيهم :" ولو أرادوا الخروج لأعدوا له
عدّة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ".... يا
مسلمون، يا مسلمات.....وهذه النازلة ردت المسلمين في القدس وأكنافها إلى فطرتهم
ودينهم ...حتى شارك في الرباط من هو مبتلى بتعاطي المخدرات ... ومن هو مبتلى بترك الصلوات الخمس .. وكانوا يقولون بلهجتهم العامية نصلي ونرابط
"جكر" ...وأنا أنتهز الفرصة وأدعو هؤلاء أن يلتزموا بالصلاة ..وأن يتركوا
تعاطي المخدرات ..وأن يعودوا إلى دينهم .."جكر" بالشيطان
..و"جكر" بالنفس الأمارة بالسوء ..وأبواب المسجد الأقصى وأبواب المساجد
كلها ترحب بهم ..فهم منا ونحن منهم ، والله سبحانه يقول :" ومن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره .. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " ....أيتها الأخوات المرابطات ...أيها المرابطون...إن
رباطكم لم ينته بعد .. فأتموه بالصلوات كلها في المسجد الأقصى ... وبالمرابطة
بكافة أشكالها..المرابطة الجسمية والمعنوية ...والمرابطة الإعلامية والثقافية
والأدبية ..والمرابطة الطبية والتكافلية
.. وهذه كلها والحمد لله رأيناها في
أيامكم التي خلت ..فحيّا الله هذه الوجوه المؤمنة ... وبارك الله لنا فيكم ...ولا
حرمنا الله منكم ..فاللهم ثبتنا على
المرابطة في سبيلك... يا ألله يا ولي المؤمنين
ويا ناصر المستضعفين .. نفس كرباتنا وكربات المسلمين ...وانصرنا على القوم
الكافرين ... وارزقنا الثبات على دينك .. واجعل بلاد الشام عامرة بالإسلام والمسلمين
، وأخرج منها الظلم والظالمين ... واجعلنا فيها من أوليائك وعبادك الصالحين ،اللهم
مكّن لنا في الأرض... واجعلنا ممن يحكّم شريعتك في العباد ... اللهم أنت ولينا وولي
مسجدنا الأقصى ...فارزقنا الرباط فيه ..واحفظه من كيد الكائدين.. ومن ظلم المعتدين
.. اللهم اغفر لنا ولموتانا ولموتى المسلمين ... وارزقنا حسن الخاتمة ... وأدخلنا جنات
النعيم ، وأنت يا أخي يا مقيم الصلاة أقم الصلاة
( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ).
0 التعليقات:
إرسال تعليق