من فقه القرآن
الأرض والأنسان
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
امام خطيب المسجد الأقصى المبارك
الامين العام لهيئة العلماء والدعاة ببيت المقدس
قال الله تعالى:"ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون". سورة الأعراف(10).
المسألة الأولى:أثبتت الآية الكريمة ثلاث حقائق تتعلق بالإنسان وهي:
الحقيقة الأولى:أن الله عز وجل جعل للإنسان في الأرض مكانا وقرارا من السكن والزرع والتصرف فيها.
الحقيقة الثانية:أن الله عز وجل جعل للإنسان في الأرض ما يعيشون به من المطعم والمشرب وكل لوازم الحياة.
الحقيقة الثالثة:أن الإنسان مع كل هذه النعم من الله عليه،فقيل هم الذين يشكرون ربهم عليهم،كما قال عز وجل في آية اخرى"وقليل من عبادي الشكور".
المسألة الثانية:والآية تأكيد من الله،كالابل نعمه على العباد،دل على هذا التأكيدو"قد"مع الفعل الماضي"مكناكم"وذلك كمل لعباد على الإقرار بهذه النعم ليقوموا بأداء شكرها.
المسألة الثالثة:ومناسبة الآية لما قبلها من الآيات أنه سبحانه أمر بمتابعة الرسل،ثم خوفهم من عذاب الدنيا،وخوفهم بعذاب الآخرة حيث السؤال هناك الحساب،فجاءت الآية الكريمة تذكرهم بالحكمة من خلقهم على هذه الأرض وهو شكر الله،فهذا الشكر الذي يستلزم طاعته سبحانه فيما أمره وطاعته فيما نهى عنه وزجر.
المسألة الرابعة:معايش مفعول"جعلنا"وجمعها معيشة،والمعايش التي جعلها الله لعباده منه وهي:
الوجه الأول:خلق هذه النعم للعباد.
الوجه الثاني:الحصول على هذه النعم عن طريق الكسب والأخذ بالأسباب لتحقيقها وكلا الوجهين إنما هو بفضل الله وإقداره وتمكينه،وكما قال سبحانه"هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور.
المسألة الخامسة:قوله تعالى"مكناكم"أي:مكناكم،لأن التمكين هو التمليك وجعل الشيء في مكانه وهو مصطلح يطلق هلى الإقدار على التصرف على سبيل الكناية،والمعنى:أي جعلنا ثم قدرته على أمور الأرض،وخولناكم التصرف في مخلوقاتها حيث أودع الله في الإنسان قوة العقل والتفكير اللذين بهما كان منال التكليف والسيادة على هذه الأرض والتغلب على مصاعبها.
المسألة السادسة:قوله تعالى"معايش"عام،والمعيشة قد تكون طيبة للإنسان إن أطاع ربه عز وجل وقد تكون غير ذلك إن عصى وكفر،كما قال سبحانه"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا".
المسألة السابعة:ومن التمكين للإنسان في الأرض أن جعل الله له الوطن الذي يولد ويستقر فيه،ويدافع عنه بكل الوسائل المشروعة.
المسألة الثامنة:شكر العباد لنعم الله يكون بعدة أمور:
أولا:بمعرفتها له والإعتراف بأنه سبحانه هو مسيرها والمنعم بها،وهذا يكون بالقلب.
ثانيا:حمد الله وثناؤه على هذه النعم وهذا يكون باللسان.
ثالثا:التصرف بهذه النعم فيما يحبه الله ويرضاه،فمثلا شكر نعمة اليد باستخدامها في طاعة الله وترك معصيته سبحانه بها كالاعتداء على الآخرين بالضرب أو سرقة أموالهم أو غير ذلك..
المسألة التاسعة:وفي شكر العبد لنعم الله عليه فوائد عديدة ترجع إليه وتنفقه وحده،أما الله سبحانه فهو غني عن عباده،ومن هذه الفوائد في الدنيا:
أولا:حفظ الأبدان من الأضرار والمهلكات فالذي لا يشرب الخمر ولا يتعاطى المخدرات هو شكر لله على نعمة الصحة،وبالتالي يعود شكر هذه النعمة عليه بدوام الصحة وحفظ بدنه وهكذا...
ثانيا:تزكية الأنفس وترقيتها في مدارج الكمال الإنساني،فأنت حين تحفظ قليلا لسانك من الغيبة والنميمة وقول المنكرات،تكون شاكرا لربك على نعمة اللسان،وبالتالي ترتقي في سلوكك وأخلاقك،من خلال تزكية نفسك بفضيلة حفظ اللسان،فإذا أجمعت إلى شكر نعمة اللسان شكر النعم الأخرى من الجوارح التي أنعم الله بها عليك،ارتقيت في مدارج الكمال الإنساني..
ثالثا:حصول نعمة الأمن للأفراد والجماعات نعم الله تعالى بأداء شكرها على الوجه المطلوب شرعا،يؤدي إلى حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل،فإذا حفظت هذه الضروريات الخمس،عاش الناس في نعمة الأمن والسعادة،وهذا هو المطلوب من العباد حين أمرهم الله تعالى بأداء نعمة الشكر على ما أنعم به عليهم
والحمدلله ر ب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق