رقائق إيمانية
"الفيسبا" ..أنا النحلة .. أنا الدبور
الدكتور محمد سليم محمد علي
إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك
هل تعلم لماذا سُمّيت " الفيسبا" بهذا الاسم ؟ لأن منها ما صُنع على شكل " الدبور" ، ومنه ما صُنع على شكل النحلة ، ولقد أراد صانعها تسهيل قضاء الحاجات لراكبها ، ولم يكن قصده من صُنعها أن تكون مصدرا للموت المتكرر من سائقيها ، إن هذه المركبة من نعم الله علينا كما قال الله سبحانه : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، فلماذا لا نحسن استخدام هذه النعمة ؟ ولماذا نجعلها مصدرا للبلاء المحقق بالموت ، أو الإصابات التي قد تؤدي إلى إعاقات دائمة ، أو تؤدي إلى إثارة النزاعات والشجار بين العائلات بسببها ؟ إن ديننا الحنيف يقول لنا : ( لا ضرر ، ولا ضرار) ، فمن أضرّ بنفسه ، أو أضرّ بغيره ، كان آثما عند الله تعالى ، ويتحمل عاقبة الضرر الذي تسبب به من خلال هذه المركبة ،وإن هذه المركبة وسيلة لكثير من الشباب لكسب الرزق ،وهذه الوسيلة المشروعة ينبغي أن تتخذ لمقصد مشروع ، لأن الوسائل لها حكم المقاصد ، وعليه فاتخاذ هذه المركبة للرزق مقبول شرعا ، لأنه مقصد مشروع ، لكن بضوابط على مستخدمها أن يراعيها ، مثل : عدم تجاوز السرعة القانونية خاصة ، وعدم مخالفة قوانين السواقة عامة ، وأما اتخاذ هذه الوسيلة " الفيسبا" للإزعاج كما يحصل في الأعراس ، أوإغلاق الطرقات ، أو لحوادث الإجرام ، فحينئذ يحرم استخدامها مطلقا ، لأن المقصد من استخدامها غير مشروع ، لأن فيه اعتداء على أموال الناس ، أو أعراضهم ، أو دمائهم ، أو على طرقاتهم ، أو على أمنهم بشكل عام ، وبمناسبة تسمية " الفيسبا" بهذا الاسم لأنها تشبه النحلة والدبور في شكلها ، دعونا نتذكر لعبة كنّا نلعبها ونحن صغار ، وكلنا يعرفها ، وهي لعبة " أنا النحلة ، أنا الدبور" ، لنجعل من هذه المركبة مثل النحلة ، في عطائها الخير ، من خلال العمل الدؤوب عليها لنيل الرزق ، وقضاء الحوائج ، أو نجعلها مثل " الدبور" الذي يخدم مملكة النحل ، ويعطيها أغلى ما عنده ، ثم دعونا نتذكر القاعدة الشرعية التي تقول : ( ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب) ، والحفاظ على روحك أيها السائق لهذه المركبة ، والحفاظ على أرواح الآخرين ، ثم الحفاظ على ممتلكاتهم من خلال مركبتك " الفيسبا" ، واجب شرعي ،ولا يتم إلا بالالتزام التام بقوانين قيادة هذه المركبة ، فإذا خالفت هذه القوانين كنت آثما عند الله تعالى ، ومستحقا للعقاب إذا ترتب على قياداتك لها إضرار بالغير ، العقاب الدنيوي ، ثم العقاب في الآخرة عند الله تعالى ، وإنه لمن المحزن جدا ، أن نسمع كل يوم عن حادث بسبب " الفيسبا" نفقد فيه شابا كان يعمل على بناء حياته ومستقبله ، فيموت بسبب تهوّره في قيادة هذه المركبة التي صارت " نعش الموت" الراكض على الشارع ، أيها الشاب الحبيب ، الذي يحلم أن يرزقه الله المال الكثير من خلال هذه المركبة ، دعني أذكرك بمقولة القائد المصري " سعد زغلول" حين كان يركب مع سائق سيارته ، ويراه يسرع في السواقة ، كان يقول له " امشِ ببطأ ولا تسرع في قيادة السيارة حتى نصل بسرعة " ، هل فهمت ما قاله " سعد زغلول " لسائقه الخاص ؟ طلب منه أن يخفف من السرعة في قيادة السيارة حتى يصلوا بسرعة للمكان الذي يريدونه دون تأخير، وأنا أقول لكل مثل ما قال "سعد زغلول" لسائقه ، لأننا نريدك حيّا لا ميتا ، لأننا نريد أن نراك عريسا إن كنت غير متزوج ، لأننا نريدك مرزوقا تأتي بالمال لزوجتك ولأولادك إن كنت متزوجا ، ولأمك وأبيك إن كنت أعزبا ، بل نريدك ثمرة من ثمارنا في بيت المقدس وأكنافه ، نريدك معول بناء لا معول هدم ، نريدك يانعاً تقبل على شبابك وتعطي دينك ، وشعبك ، وأمتك ، نصيبهم من شبابك الغضّ ، لتكون من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة ، ولتكون من الذين يبنون ولا يهدمون ، ومن الذين يعطون ويبذلون كل خير ونفع لمن حولهم ، فلتكن " الفيسبا" من الآن فصاعدا الطريق الصحيح للرزق، والوسيلة التي تؤدي غايتها في النفع وليس للضرر ، وفي حفظ أرواح الناس وروحك أيها الغالي ، لا تفجعنا بموتك من على " الفيسبا" ، ولا توجع قلوبنا برحيلك عنا ، ألم تقرأ الشعار الذي يضعه سائق السيارة على سيارته " لا تسرع يا بابا نحن في انتظارك" ، فالزم هذا الشعار فأمك ، وأبوك ، وزوجتك ، وأولادك في انتظارك ، بل وشعبك في انتظارك ، ها أنا أخاطبك بأسلوب جديد ، وبكلمات من نسيج الفؤاد ، وبلغة قريبة من مشاعرك وأحاسيسك ، وطموحاتك ، فهل تقبل مني خطابي لك ، وحرصي عليك ، ونصيحتي المفمعة بالحب لشبابنا الذين نريدهم بيننا نورا وضياء ، فاحفظ قيادة " الفيسبا" بضوابطها التي بينت لك ، وكن خير من يحفظ ، ويسمع ، ويعمل ، ولا نقول إلا كما قال يعقوب عليه السلام لأبنائه : (فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
والحمد لله ربا العالمين