رقائق إيمانية
الاختناقات المرورية نموذجا
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
من المقولات المتداولة بين الناس " السواقة فن وذوق وأخلاق" ، والاختناقات المرورية التي نعيشها في كل أوقاتنا صباحا ومساءً، وفي أغلب المناطق ، وبخاصة قلندية ، وكفر عقب ، وجبع ، وعناتا ، وغيرها من المناطق ، تصدق هذه المقولة أو تكذبها ،فتعالوا نذكر نماذج من واقعنا لنرى صدق المقولة من كذبها، أولا: هل السير " بعكس السير " ذوق وأخلاق ؟ ثانيا : هل إذا كان اتجاه الشارع بمسلك واحد وأمامك سيارة وقمت بدخول المسلك بجانبها لتتجاوزها ، هل هذا ذوق وأخلاق ؟ هل ركون سيارتك ركونا مزدوجا في مكان غير مُعدّ لذلك ذوق وأخلاق ؟ هل تجاوز السيارات العمومي بسرعة كبيرة، وبدون اعتبار لطابور السيارات في الاختناقات المرورية ذوق وأخلاق ؟ هل تحميل " الفورد" عدد أكبر من المسموح من الطلاب الصغار ذوق وأخلاق ؟ هل تجاوز " الفورد " كل قوانين السير أثناء الاختناقات المرورية ليكون هو الأول في الدور ذوق وأخلاق ؟ هل ركون سيارتك في الشارع العام لتنزل منها وتشتري من الحانوت وتزيد من الاختناقات المرورية ذوق وأخلاق ؟ هل التزامك في دورك عند الحاجز العسكري فقط خوفا من العقاب وعدم التزامك في الدور بعيدا عنه لتعطي الفرصة لمن لهم حق الأولوية ذوق وأخلاق ؟ هل صراخ المرأة " السائقة" ورفع صوتها بالشتم ذوق وأخلاق ؟ هل اختلاق اختناقات مرورية بسبب عرس ذوق وأخلاق ؟ وبعد ذكرهذه النماذج على الاختناقات المرورية وليس كلها ،تعال لنسأل أنفسنا : ألا تدل كل هذه التصرفات على حب الذات ؟ وعلى الأنانية المفرطة ؟ وعلى عدم التخلق بخلق الصبر الذي هو زادنا الرئيس في هذا الواقع الذي نحياه ؟ صحيح أن من حالات الاختناقات المرورية سببها " الحواجز" ، لكن نحن نزيد الطيب بلّة ، حين نتنازل عن أخلاقنا التي ربّانا عليها القرآن الكريم ، وسنّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ لقد تعلمنا في المدارس ونحن أطفال أن بعض الصحابة أصيب في المعركة ، وكان بحاجة شديدة إلى شرب الماء ، فلما جيء له بالماء سمع صحابيا آخر جريح يطلب الماء ، فآثره على نفسه ، وطلب من الساقي أن يسقي أخاه ، فلما ذهب ليسقيه ، سمع الصحابي الجريح صحابيا ثالثا يستغيث طالبا سقيا الماء ، فآثره على نفسه ، فلما ذهب الساقي ليسقي الجريح الثالث وجده قد مات ، فعاد إلى الثاني ، فوجده قد مات ، فعاد إلى الأول فوجده قد مات ، كلهم آثر أخاه المسلم على نفسه ، وكلهم ماتوا شهداء دون أن يشربوا ، وربما كان في الماء إنقاذا لحياتهم ، فلماذا لا نقتدي بخير الناس ، الصحابة الكرام ، ماذا تخسر لو التزمت في دورك وصبرت ؟ ماذا تخسر لو التزمت بقوانين السير كي تمنع أو تخفف من حدوث اختناقات مرورية ؟ ألا تعلم أن الالتزام بقوانين السير هو واجب شرعي عليك ، تأثم إذا خالفتها ؟ وتتحمل شرعا تبعات كل ما ينتج من أحداث بسبب سيارتك التي تقودها ؟ ألا تعلم أن ما تفعله من الخروج عن الذوق والأخلاق أثناء قيادتك سيارتك هو من سوء الأخلاق ، ومساوىء الأفعال ؟ دعني أهمس في أذنك ، حين تطلعت نفوس الصحابة للأخذ من الغنائم بعد غزوة بدر ، تأسفوا على هذا التطلع من نفوسهم فقالوا " ساءت أخلاقنا" ، فقط لأن نفوسهم اشتهت الغنائم وهي حق لهم عاتبوا أنفسهم وقالوا " ساءت أخلاقنا " ، فلماذا لا نعاتب أنفسنا على سوء أخلاقنا ، في قيادتنا لسياراتنا ، وزيادة الاختناقات المرورية على " الحواجز" ، واختلاقها في عديد الأماكن والطرقات ؟ إذا كنت أنانيا لهذه الدرجة ، ومحبا لمصلحتك الذاتية إلى هذا الحد ، فاسأل نفسك هل تصلح أن تكون من عداد المرابطين ؟لا أظن ذلك ، فالمرابط منّا هو الذي قبل أن يخرج من بيته ، ينوي احتساب كل ما يتعرض له من ضيق وأذى في سبيل الله تعالى ، لكي يكون في كل أحواله مأجورا غير موزور ، تعال لنبدأ حياة جديدة حين نخرج من بيوتنا كل صباح ، وقبل أن نعود إليها كل مساء، هذه الحياة بأن نتذكر أننا نعيش في رباط دائم ، ليس فقط في المسجد الأقصى ، بل في كل مكان نكون فيه ، فإذا كنت على " الحاجز" احتسب وقوفك في الدور، ولا تتسبب في إيذاء غيرك أو في اختناقات مرورية ، لتنال الأجر من الله تعالى على صبرك واصطبارك ،وأينما وجدت تذكر أن كل ما يصيبك من تعب وهمّ وغمّ وكرب وانتظار ، كله في ميزان حسناتك ما دمت عقدت في نفسك نية الرباط ، وتذكر أن الرباط يتطلب منك أن تتخلق بخلق الصبر ، وخلق الإيثار ، وخلق التكافل ، وخلق التعاون ، وتذكر أيضا أن الاختناقات المرورية نحن ننهيها إن حدثت بفعلنا ، ونحن نخفف منها إن كانت بفعل " الحواجز" ، فلنكن جميعا على قلب رجل واحد ، فالمصاب واحد ، والحال واحدة ، وليس أمامنا إلا طريق واحد حتى نخفف من معاناتنا اليومية ، وهو طريق الصبر ، وحب الخير للغير ، ولتكن قيادتنا لسياراتنا كما هو الشعار العام المعروف " السواقة : فن ، وذوق، وأخلاق " .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق