نظرة في " العيدية"
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
" العيدية " التي نعطيها بناتنا ، ولأولادنا ، ولقريباتنا ، ولأمهاتنا ، هي هبة وعطية ، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الهبات والأعطيات ، والتي منها ما نتعارف عليه اليوم في عيدي الفطر والأضحى ب" العيدية " ، وتكون أكثر استحبابا حين نخصّ بها أرحامنا من أصولنا كآبائنا وأمهاتنا ، وأجدادنا وجدادتنا ، وحين نخص بها فروعنا من أبنائنا وبناتنا وذرياتهم ، لأن الله سبحانه أوصانا بأرحامنا أن نصلها فقال سبحانه في سورة النساء آية "1" : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)، والمعنى كما قال القرطبي في تفسيره "5/2" : ( اتقوا الله أن تعصوه ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ) ، و " العيدية " ليست صدقة يتصدق بها الإنسان على غيره ، لأن الصدقة تعطى للفقير ، وأما الهبة أو العطية والتي من صورها " العيدية" فهي تعطى لذوي الأرحام خاصة على سبيل الهدية في عيدي الفطر والأضحى ، على سبيل التحابب ، والتراحم ، ومن المستحب في " العيدية" التسوية بين الأبناء فيها ، ذكورا وإناثا ، فيعطي البنت من الابن ، ولا يفضل فيها الابن الذكر على البنت ، فلا ينظر بعين واحدة ، ويتعامل مع أولاده في " العيدية " كأنه يقسم تركة وميراثا ،إلا إذا كانت هناك حاجة في التفضيل فيها ، وبخاصة إذا كانت البنت أو الأخت متزوجة ، ووضعها المالي غير جيد ، وأما بالنسبة للأبوين ، فيستحب تفضيل الأم بمزيد في " العيدية " التي كما قلنا هي هدية وعطية ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فضلها بمزيد من البرّ على الأب حين سأله رجل : من أحق الناس بحسن صحابتي ، فقال له صلى الله عليه وسلم : (أمك) ، قال: ثم من؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : (أمك) ، قال :ثم من؟ قال : ( أبوك) ، وأما الأخوات فيستحب التسوية بينهن في " العيدية" ، إلا كما قلت سابقا إن كانت إحدى الأخوات محتاجة إلى مزيد بر وصلة ، وكذلك الأخوة إذا كانوا غير متزوجين وهو متزوج ، فيستحب أن يخصهم ب" العيدية " ، وإن أراد أن تشمل " عيديته " كل أخوته فبها ونعمت ، وهنا يمكنه أن يفضل في عطائه في " عيديته " الأخ الأكبر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حق كبير الأخوة على صغيرهم كحقّ الوالد على ولده " ، وفي رواية : ( الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب ) ، وأما العمات والخالات وغيرهن من المحرمات ، فأيضا يستحب صلتهن من خلال " العيدية " ومن المستحب لمن يعطى " العيدية " أن يدعو لمن أعطاها بالخير ، و" العيدية " مشهورة ومتعارف عليها عند أهل فلسطين ، ولكن في بعض أقطار المسلمين فهي غير معروفة، وكانت في فلسطين قبل عقود تشمل كل الأرحام من الأصول والفروع وذوي الأرحام وأذكر أننا كنا نمضي ثلاثة أيام العيد كلها في " المعايدات" على هذا الشكل ، ولا تكاد هذه الأيام تكفينا ، فرحم الله تلك الأيام التي كنا فيها في أيام العيد لا نترك قريبا ولا جارا إلا و"عيّدنا" عليه ، فكان الودّ ، والمحبة ، منتشران في مجتمعنا الفلسطيني ، وأما اليوم فيعذر بعضنا بعضا في تقليص هذا الامتداد من التراحم والتزاور الذي يتخلله " العيدية" ، بسبب الظروف السياسية ، والاقتصادية ، وكثرة الذرية والنسل ، فصرنا نخصّ ب" العيدية " خاصة الخاصة من أقاربنا ، على أننا يجب علينا التذكير ب" عيدية" زوجاتنا ، فلهن حق علينا ، وبخاصة في عيد الفطر ، الذي كُنّ فيه في شهر رمضان المبارك مجاهدات في خدمة الزوج والأولاد بعمل الولائم ، وتحضير السحور ، والحرص على أن لا يفوتنا منه شيء ، فليكن لزوجاتنا وأخص بالذكر منهن الصالحات القانتات البارات بالأهل و والعيال نصيب الأسد من " العيدية" والثناء ، وليحرص الأزواج عن سوء الخلق مع زوجاتهم وبخاصة في أيام العيد فربما يحاول البعض منهم ابتزاز الزوجة ، وأخذ ما حصلت عليه من " عيديات " ، مع أن الواجب عليه أن يبادر هو إلى إكرامها " بالعيدية" ، ولما كان أجمل ما في العيد هو صلة الأرحام والهدايا والعطايا للأطفال وللنساء ، وكذلك زيارة الجيران والأصدقاء والمعارف من الناس بشتى أنواع التواصل ، أحببت أن أضع بعضا من معالم ( العيدية ) عندنا في فلسطين ، وأهم هذه المعالم ،أولا: التكييف الفقهي ( للعيدية) هو أنها عطية وهبة ، ولذلك لا تحتسب من زكاة المال أو من الصدقة ، ولهذا لا تجزىء ( العيدية ) عن صدقة الفطر ،ثانيا: لا تكن محتالا على أبنائك وبناتك في ( العيدية) فتعطيهم إياها بيد وتأخذها منهم باليد الأخرى بذريعة ( التحويش ) لهم ، دع ابنك في العيد يكوّن شخصيته ويشكّلها من خلال تصرفه الحر فيما يملك من ( العيدية ) وليفعل بها ما يشاء ،فهو إن أنفق كل ( العيدية ) ولم يبق منها شيء،فإن في إنفاقه لها الخير الكثير لأنه من خلالها أعطي حرية التصرف في نفقة ماله وهو وحده الذي يقدر خسارته من ربحه وهو وحده الذي يستفيد من نفقة ( عيديته) ،فاتركوا أبناءكم في العيد يفرحون ( بعيدياتهم) ويكّونوا من خلالها جزءا من شخصياتهم.
والحمد لله رب العالمين