تعديل

الجمعة، 17 يناير 2025

الثوران الأسود والأحمر في ذمّة الله

الثوران الأسود والأحمر في ذمّة الله

الدكتور محمد سليم محمد علي
 خطيب المسجد الأقصى المبارك

كان من دروس المنهاج التربوي في المدارس أيام كنّا طلابا في المرحلة
 الأساسية درسا بعنوان " أُكلت يوم أُكل الثورُ الأبيضُ " ، ولشدّة تعلّقنا بهذا الدرس ظلّ عالقا في أذهاننا حتى اليوم الذي وصلنا فيه إلى مرحلة متقدمة من العمر ، لكن يبدو أن الذين وضعوا المنهاج والجهات العليا من ورائهم لم يستوعبوا أثر هذا الدرس في حياتهم ،ولم تأخذهم عقولهم إلى طريق الاعتبار منه، لأن العاقل الذي يتعظ بما يصيب غيره ، ومثلهم كمثل الثورين الأسود والأحمر اللذين كانا يعيشان في غابة مع ثور ثالث لونه أبيض ، وكان حولهما أسد ، لا يقدر على الثيران الثلاثة مجتمعة ، لأنه يعلم أن في الاتحاد قوة ، وفي الكثرة غلبة ، ففكر في حيلة يفرق فيها جمع هذه الثيران ، وينفرد بكل واحد منها ليأكله ، ويقضي نهمته منه ، وهذا ما حدث ، حيث استطاع إقناع الثورين الأسود والأحمر أن وجود الثور الأبيض معهما في الغابة خطر على حياتهم جميعا ، لأن لونه مشهور للصيادين ، فقالا له : "دونك فكُلْه ، فأكله " ، ثم قال للثور الأحمر : لوني على لونك ، دعني آكل الثور الأسود حتى تصفو لنا الغابة ، فاقتنع الثور الأحمر بكلامه فقال له : " دونك فكُلْه، فأكله " ، فلما انفرد بالثور الأحمر ، قال له : " إني آكلك لا محالة " ، فقال له الثور الأحمر " دعني أنادي ثلاثا " فقال له الأسد " افعل" ، فقال الثور الأحمر : " ألآ إني أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض" ، انتهت القصة لكن لم تنته قصة الأمة العربية مع الأسد وهو دول العالم في غاب البشر التي لا دين يردعها ، ولا قانون يخيفها ويمنعها ، وثيران الأمة متفرقة ، يبحث كل واحد منها عن مصلحته وذاته فقط ، ودول العالم تأكلها ثورا ثورا ، فبعد أن كانت الأمة قبل قرن من الزمان يدا واحدة ، وقلبا واحدا ، أغرى الأسد بعضها ببعض ، ففرقها ، وأكلها واحدا واحدا ، مع أن الله سبحانه أمرها في عديد الآيات في القرآن الكريم بعدم الفرقة ، والوقوف لهذا الأسد المفترس بالمرصاد ، وصدّه ، وإيقافه عند حدوده ، ولجم أطماعه، ومن ذلك الآية المشهورة التي يحفظها الصغار قبل الكبار وهي قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)، وكما استطاع أسد الأمس في الغابة أن يأخذ نصيبه الوافر من لحوم الثيران الثلاثة ، استطاع أسد اليوم وهو دول العالم أن يأخذ نصيبه الوافر من ثيران الأمة حين قامت بغسل عقولها، وتغيير أفكارها، واستبدال طموحاتها ، والعبث بتطلعاتها ، حتى أكلت خيراتها ، وخيرة أبنائها ، وممتلكاتها ، ولو فكّر الثور الأحمر بعقله ، بإغراء الأسد له ، لتفطن أن الأسد ألدّ أعدائه فكيف يرجو له الخير ، ولأدرك أن الثور الأبيض ثم الثور الأسود ظهيران له، يمنعانه من الأسد الذي هو عدو لهم جميعا ، لكن الأنانية ، والحسد ، وحب الذات التي اجتمعت في الثور الأحمر كلها سيوف بتّارة أكلتهم جميعهم ،والمصيبة أن هذا الأسد الذي هو دول العالم لا يزال يأكل ثيران العرب ، وهي عنه راضية ، وله مواتية ، فإذا أردت أن تحصي عدد الدول العربية الآن أنصحك بالتريث والانتظار ، لأن أسد العالم سيزيد من عددها ، ليسهل عليه أكلها ، من غير عناء ، ولا نّصب، ولماذا يكلف نفسه بالإعداد لمواجهة ثيران الأمة العربية ، وهو قادر على أن يجعلها هي نفسها تقوم بأكل بعضها بعضا قبل أن يأكلها هو ؟ وليس لهذه الثيران العربية أي مخرج من سطوة هذا الأسد إلا برجوعها إلى دينها الذي جمعها أمام أسود العالم قبل عدة قرون ، بعد أن كانت من غير هذا الدين مستباحة من أعدائها ، لطما ، وضربا ، وافتراسا ، ولئن نطق الثور الأحمر قديما بحكمته التي أودت بحياته وحياة أخويه ، فقال " أكلت يوم أكل الثور الأبيض" ، فإننا اليوم كعرب حين ننظر حولنا ونقول بكل أسف الثوران الأحمر والأسود في ذمة الله ، ومن قبلهما الثور الأبيض ، فهل نرى من ذرية هذه الثيران التي افترسها أسد العالم اليوم ، ثيرانا تفهم الدرس قبل أن تحفظه ، وتنهض جميعا لتأخذ دورها في حماية أنفسها ، وحماية من حولها ، والذود عن مقدراتها التي لا يستطيع أي أسد مهما كان كاسرا أن يقترب منها إن هي أحسنت الحفاظ عليها ، بوحدتها ، وباجتماع مصالحها ،وتفانيها في العمل المشترك الواحد ، وعدم انشغالها ببعض البعض ، وتطهير صفوفها من أمراض القلوب ، من الحسد ، والخوف ، والهلع ، وحب الذات ، وأن تهتدي بهدي رسولها صلى الله عليه وسلم الذي حذرها من الأسد الجائع الطامع فقال لها : ( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ) ، فلا تذهبوا بعيدا أيها العرب ، رصوا صفوفكم ، واجمعوا قلوبكم ، فأنتم أهل لأن تعمروا غابة الدنيا بالحق الذي أكرمكم الله به ، بدين الإسلام ، وشريعته التي هي مصدر السعادة الحقيقية للإنسان في غابة الدنيا ، والتي وحدها تردع كل أسد تسوّل له نفسه بالشرّ والسوء ، وقديما قال الحكيم العربي " كونوا جميعا يا بَنيّ إذا اعترى خطبٌ ، ولا تتفرقوا آحادا ، تأبى العصيّ إذا اجتمعن تكسّراً ، وإذا افترقن تكسّرت آحادا .
 والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More