رقائق إيمانية
معالم من معجزة "الإسراء"
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
هذه المعالم مستنبطة من قول الله تعالى:( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، أما المعلم الأول : فهذه الآية الكريمة تتحدث عن معجزة أجراها الله على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، تسلية له عما لاقاه من أذى شديد واضطهاد ، بعد وفاة نصيريه زوجته خديجة وعمه أبي طالب ،وفيها تسلية لشعبنا الفلسطيني ، وهو يواجه البلاء والكربات ، ليوقن أن الفرج مهما بعدَ زمانه فهو قريب ، المعلم الثاني: وفي إسراء الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ليلا فوائد منها : أولا : أهمية المسجد الأقصى وبيت المقدس عند المسلمين ، فالله قادر على أن يسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى القاهرة أو اليمن أو أي بلد آخر ، لكنه خصص الإسراء إلى بيت المقدس ، لتكون القدس والمسجد الأقصى ، عقيدة في قلوب المسلمين ، وقرآنا يتلى إلى أن تقوم الساعة ، ولهذا كانت بيت المقدس وأكنافها أرض رباط إلى يوم الدين ، ثانيا : أن الليل في حياة المسلم ، جزء من زمن الإنتاج للآخرة ، فإذا كان النهار للسعي في الأرض، وأعمارها وفق منهج الله تعالى ، فإن الليل للسعي في طلب القرب من الله عز وجل ، بالذكر وقيام الليل والدعاء وكل أعمال الخير ، فالمسلم في ليله ونهاره ، منتج مثمر ، كالشجرة المثمرة ، ثمارها معلقة بها في الليل والنهار . والأحاديث الصحيحة كثيرة التي تبين أن شرف المؤمن في قيام الليل ، وأن الليل دار عمل للصالحين ، ولعباد الله المقربين . ثالثا : أن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم ليلا إلى القدس والمسجد الأقصى ، فيه إشارة وحث للمسلمين أن لا يناموا ليلهم ، ما دام الأقصى يحتاج إليهم ، فلا يذوق مسلم طعم النوم ، والأقصى والقدس يناديان : يا مسلم : أنا في كرب ! أنا في حاجة إليك ، المعلم الثالث : دلت معجزة الإسراء على فضل المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، وعلاقتهما العقائدية والتاريخية التي لا تنفك أبدا ، فمن فضائل المسجد الحرام ما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام ، أفضل من مائة ألف صلاة في سواه " . وأما المسجد الأقصى فمن فضائله ما روي عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( .... والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة ) . والمسجد الأقصى من المساجد التي تشد إليها الرحال ، كما في الحديث الشريف ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ) . وأما الارتباط العقائدي بين المسجدين ، الحرام والأقصى ، فإن الله عز وجل جعل الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ليعلم المسلمون أن كلا منهما يجب حمايته والدفاع عنه ، وإبقاؤه في دار الإسلام ، وأن التفريط في المسجد الأقصى تفريط في المسجد الحرام ، وأنه كما يجب إعمار المسجد الحرام والاهتمام به ، وبمكة المكرمة ، فيجب على المسلمين جميعا ، إعمار المسجد الأقصى وبيت المقدس ، وألا يدخروا جهدا في ذلك كله ، وأما الارتباط التاريخي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض ، ثم بني بعده المسجد الأقصى بأربعين سنة ، كما في رواية البخاري ،ولأهمية القدس والمسجد الأقصى في حياة المسلمين العقائدية والتاريخية ، فقد ذكرهما الله في القرآن الكريم ، ذلك الكتاب الخالد الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) ، المعلم الرابع : ومعجزة الإسراء كانت بروح النبي وجسده صلى الله عليه وسلم ! والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، يتطلب من المسلمين أن يسروا إلى القدس والمسجد الأقصى بأرواحهم وأجسادهم ، أما الأماني والأحلام فهذه لا تجدي نفعا ، ولا تغير واقعا ! ولا تدل على اتباع الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ، المعلم الخامس : وفي صبيحة ليلة الإسراء ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين والمشركين بإسرائه إلى بيت المقدس ، فافترق المسلمون إلى فريقين ، مصدق ، ومشكك أو مكذب أو محتار ، وأما المشركون فكان موقفهم الاستهزاء وطلب الدليل من النبي صلى الله عليه وسلم على إسرائه ، فجلى الله له صلى الله عليه وسلم بيت المقدس ، وطفق يخبر المشركين بعلاماته ، ويستفاد من هذا بعض الدروس منها :أولا : أن قضية القدس والمسجد الأقصى يجب أن تظل حاضرة في عقول المسلمين وقلوبهم . ثانيا : أن قضية القدس والمسجد الأقصى يجب أن يجعلها المسلمون قضية الساعة ، في مجامعهم الدولية والإقليمية . ثالثا : أن على العرب والمسلمين أن يحشدوا كل الأدلة والبراهين – مع أنها معروفة – على عروبة القدس وإسلاميتها . وألا يتوانوا في بيانها مهما شكك المشككون فيها . رابعا : أن بيت المقدس في عقيدة المسلمين وتاريخهم وحدة واحدة ، لا تتجزأ ، ولا تتشطر ، مهما تغيرت الظروف السياسية وموازين القوى ، فالحق لا ينقلب إلى باطل مهما علا الطغيان وانتفش .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق