تعديل

الجمعة، 31 يناير 2025

أيام الله في بيت المقدس وأكنافه

أيام الله في بيت المقدس وأكنافه

رقائق ايمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى
أرسل الله موسى عليه السلام بالمعجزات الدالة على صدق نبوته، وأمره الله تعالى أن يُذكّر قومه بأيام الله عليهم التي أنجاهم فيها من فرعون وقومه ، والتي أنجاهم فيها من التيه ، والتي منّ الله بها عليهم بعديد النعم ،فقال سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ .. فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) ، وأيام الله التي منّ بها علينا في بيت المقدس وأكنافه لو أردنا إحصاءها لضاق بنا المقام ، وأذكركم بأهمها : فمن أيام الله علينا في بيت المقدس وأكنافه أن اختصنا دون المسلمين في بقاع الدنيا بالرباط على هذه الأرض المقدسة ،جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة ،ومن أيام الله علينا في بيت المقدس وأكنافه مجاورة المسجد الأقصى والرواح إليه للصلاة والذكر والعبادة ،فكل يوم نحياه في بيت المقدس وأكنافه ..هو من أيام الله علينا ، فعدّاد حسناتنا لا يتوقف عدّه ، ومضاعفة أجورنا عند الله لا يتوقف تضعيفها لنا ، فمضاعفة أجر الطاعات في المسجد الأقصى إلى خمسمائة ضعف وأكثر ،وأربعمائة وسبعون يوما ، عاشها أهلنا في غزة ،ابتداء بالحرب ، وانتهاء لها ، هي من أيام الله ، فالحرب من أيام الله ،لأن أيام الله هي الوقائع والحروب أيضا،كما أن انتهاء الحرب من أيام الله ، لأن بها تكون النعمة على المؤمنين ،فوضع الحرب أوزارها في غزة من أيام الله على شعبنا ، فكم كان لهذه الحرب من أوزار ، من قتل ، وحرق ، ودمار ، فمنّ الله عليهم بيوم من أيامه نجاكم فيه ، مما كان من أوزار هذه الحرب ، وأيام الله كما قال ابن عباس رضي الله عنهما هي نعم الله ، وهي أيضا الوقائع التي كانت في الأمم السابقة ،فهذه الأيام اجتمعت فيها نعم الله تارةً ، ومحنه على عباده طورا آخر، وشعبنا تجتمع عليه أيام االله بنعمها ومحنها التي تحدد معالم رباطه ، فبالرباط تكون نعمة الثبات والفرج ،وبالرباط تكون محنة القتل ، والجراح ، والخوف ، والجوع ، والحرق ، والبرد ، وغيرها من صنوف البلايا والمحن ، وهذه الأيام بنوعيها : الفرج ، والحرب اجتمعت على شعبنا في غزة ،اختبارا وامتحانا للصابرين والشاكرين ، قال الله تعالى بعد أن ذكر أيام الله على موسى وقومه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) ،والصبّار هو كثير الصبر على طاعة الله وعن معاصيه ،والشكور كثير الشكر لنعم الله عليه ،وقد رأينا ، وسمعنا ،الصبر ،والشكر على ألسنة أطفال ونساء غزة ، وفي مواقف رجالهم ونسائهم ، وكبارهم وصغارهم ، وكم شعبنا محظوظ بأيام الله عليه بحلوها ومُرّها ، وما فيها من خير وشرّ ، وما فيها نعم تفريج الكربات ، ومحن تنزيل البلايا والنوائب ، لأن هذا الشعب الذي يؤمن بالله ربا ، وبالإسلام دينا قد رفع الله مكانته بين أمم الأرض كلها بهذا الأيام ، وسوف يرفعه بها عنده يوم القيامة ، حين يغفر له ، ويرحمه، ويرضى عنه ، ويدخله في جنات عدن لا تزول ، ولا تحول ، بما قدّم في الدنيا من هذه الأيام التي هي من أيام الله التي اختصّه بها ، مع العلم أن أيام الله على شعبنا بدأت بالفتح العمري لبيت المقدس ، وهي مستمرة ، ومتوالية ، إلى أن يأتيَ الله بأمره ، حين يأذن الله سبحانه بزوال الدنيا ، وقيام الساعة ، وحينها سيكون بعدها آخر يوم من أيام الله على البشر، وهو (يوم الدين) ، الذي هو يوم الحساب ، حيث تقف الأمم كلها لتحاسب على كل صغيرة وكبيرة ، وكما قال الله تعالى:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، وكم سيكون الحساب عسيرا على من جعل أيام الله في الدنيا بابا للظلم والطغيان ، وكم سيكون الحساب يسيرا ، على من كانت أيام الله عليه ، أيام رضا بمقادير الله تعالى ، فأيام الله يوم النتائج والمصير، أما النتائج فهي نتائج أعمال الإنسان في الدنيا ، وأما المصير فهو يوم مصيره إلى جنة أو نار ، ولا خروج مهما أبدأ ، هذا اليوم هو اليوم الذي قال الله لنا محذرا إيانا منه : (وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أَمْرٌ مَعْنَاهُ الْوَعِيدُ " يَوْماً" يُرِيدُ عَذَابَهُ وَهَوْلَهُ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وقال فيه أيضا : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)،وَاتَّقُوا يَوْماً" جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ الْمُحَذَّرَ مِنْهُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْحِسَابِ وَالتَّوْفِيَةِ،وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ يَوْمُ الْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ في تفسيره : وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بِحُكْمِ الْأَلْفَاظِ فِي الْآيَةِ، فأيام الله نحياها في الدنيا ، ونعيشها في الآخرة ، فاحرص أيها القارىء الكريم على أيام الله التي تعيش مدولتها من الله بين الناس كما قال سبحانه : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، قال المفسرون قِيلَ: هَذَا فِي الْحَرْبِ، تَكُونُ مَرَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ لِيَنْصُرَ اللَّهُ عز وجل دِينَهُ، وَمَرَّةً لِلْكَافِرِينَ إِذَا عَصَى الْمُؤْمِنُونَ لِيَبْتَلِيَهُمْ وَيُمَحِّصَ ذُنُوبَهُمْ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَعْصُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ،وَقِيلَ:" نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ" مِنْ فَرَحٍ وَغَمٍّ وَصِحَّةٍ وَسَقَمٍ وَغِنًى وَفَقْرٍ،فتوقف قليلا واحسب كم مضى من أيام الله عليك ، وكم لك من هذه الأيام في صحيفة حسناتك ، وكم عليك من هذه الأيام في صحيفة سيئاتك ، وكن من أيام الله عليك على حذر ، عشها بطاعة الله ، ولا تجعلها تمضي دون أثر صالح لك ، من صبر على مصيبة ،أو شكر على نعمة ، فنحن نعبد الله تعالى عبادة الصابرين وعبادة الشاكرين .
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More