الاجتماع للعزاء من منظور شرعي
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
تعزية أهل الميت بميتهم مشروعة ، وتأخذ حكم الاستحباب ، فإذا مات المسلم أو المسلمة ، استحب تعزية أقاربه من الرجال والنساء ، والكبار والصغار ، واستثنى الفقهاء تعزية المرأة الشابة فلا يعّزيها إلا محارمها ، والمقصود بالتعزية هو : حثُّ أهل الميت على الصبر ، ومواساتهم ، كأن يقول لهم : "أعظم الله أجركم ، وأحسن عزاءكم ، وغفر لميّتكم ، وعوّضكم الله عن مصيبتكم خيرا " ،أو أن يقول لهم : " إنّ لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكلُّ شيء عنده بأجلٍ مُسمّى ، فاصبروا واحتسبوا " ، كما ورد في حديث أسامة بن زيد الذي رواه البخاري ، رقم (1224) ، ويثاب المسلم على تعزية أخيه المسلم بميّته بتكريم الله له يوم القيامة ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه ابن ماجة في سننه رقم (1601) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مسلم يُعزّي أخاه بمصيبة ، إلاّ كساهُ الله من حُللِ الكرامة يوم القيامة ) ، ومن السُنّة التعزية قبل الدفن وبعده ، أما قبل الدفن فلأنه الوقت الذي يكون فيه الحزن الشديد على الميت ، والأفضل التعزية بعد دفن الميت ، لأن أهل الميت قبل الدفن يكونون منشغلين بتجهيز ميّتهم ، وتقبيره ، والتعزية تكون في الأيام الثلاثة الأولى من موت الميّت ، وتكره التعزية بعد هذه الأيام الثلاثة ، إلاّ لمن كان غائبا، أو مسافرا ، وذلك حتى لا يتم تجديد أحزان أهل الميت ، إذ العادة أن أحزانهم تسكن خلال هذه الأيام الثلاثة ، وأما الجلوس للتعزية خلال هذه الأيام الثلاثة ، في بيت يجتمع فيه أهل الميّت ، ليأتيَ الناس لتعزيتهم ، فهو في المذهب الشافعي مكروه ، إذا لم تجتمع فيه بدع ، أو منكرات ،فإذا اجتمعت فيه بدعة ،أو منكر ، صار الاجتماع حراما ، والأصل أن ينصرف أهل الميّت في هذه الأيام الثلاثة ،لقضاء حوائجهم ومصالحهم ،فمن قابلهم عزّاهم ، وحكم الجلوس للتعزية يشمل النساء أيضا ، وهو الكراهة ، والسُنّة أن يقوم غير أهل الميت بصنع الطعام لأهل الميت ، لأنه لما جاء مقتل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا لآلِ جعفر طعاما فإنه قد جاء ما يشغلهم ) رواه الترمذي ، رقم : 998) ، وبناء على ما سبق بيانه من أحكام شرعية تتعلق بالتعزية ، والجلوس لأجلها ، وحتى يكون العزاء مشروعا ، ليس فيه مخالفة لسّنة رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه بدعا محدثة تناقض السُنّة النبوية ، أضع بعض الملاحظات ، وهي ما يلي : أولا : الاجتماع لأجل العزاء خلال الأيام الثلاثة الأولى من موت الميت مكروه ، لأنه ليس من هدي السلف الصالح ، ولأنه كما جاء في الأثر عن جرير بن عبد الله قال : ( كنّا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميت ، وصنيعة الطعام بعدُ من النياحة) ،رواه أحمد ،رقم : (6866) ، والمقصود بصنع أهل الطعام من أهل الميت ، وجمع الناس عليه ، فهذا أيضا من البدع المحدثة ، وهذا مذهب الشافعي – كما قلت سابقا - ، والحنابلة ، وكثير من المالكية ، وكراهة الجلوس للتعزية في هذه الأيام الثلاثة ، لأنها تجدد أحزان أهل الميت ، وتكلّفهم المؤنة من غير حاجة إليها ، كما قال الشافعي في كتابه "الأم" (1/318) ، ثانيا : ولرفع الحرج عن الناس اليوم ، لا مانع أن نأخذ بما ذهب إليه بعض علماء الأحناف ، وبعض علماء المالكية ، وبعض علماء الحنابلة ، وهو القول بالرخصة في الاجتماع للتعزية في الأيام الثلاثة الأولى من موت الميت ، ولكن بشروط وهي : الشرط الأول : أن يخلو مجلس التعزية من المنكرات والبدع ، مثل : إظهار مظاهر الفرح بموت الميت من توزيع الحلوى ، وإطعام الطعام للمعزّين ، وقراءة القرآن ، والناس في غفلة عن الاستماع إليه ، ورفع أصواتهم فوق صوته ، وغيرها من المنكرات التي يفعلها الناس في هذه البيوت ، ويعرفون أنها منكرات ، الشرط الثاني : عدم إظهار أي مظهر لتجديد الحزن على الميت وإدامته ، مثل : إلقاء الكلمات ،وغيرها ، الشرط الثالث: ألا يكلّف أهل الميت بأي نوع من أنواع المؤنة ، حتى القهوة ، وأجرة القاعة ، لأنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الناس من ألأقارب الأباعد ، والأصدقاء للميت ، تحمّل مؤنة ذلك ، من غير تجاوز الحدّ في هذه المؤنة ، كشراء الحلوى للمجتمعين للعزاء ،لأن هذا مكان تسلية بمصيبة ، وليس مكان فرح بسرور ونعمة ، ويمكن للقارىء الكريم الرجوع إلى المصدرين التاليين – مثلا - لمعرفة هذه الشروط بشكل عام ، وهما: البحر الرائق ( 2/207) ، ومواهب الجليل ، (2/230)، وقد كنت كتبت على صفحتي على " الفيسبوك" فتوى بما يجري في بيوت العزاء ،وفي القدس خاصة ،وتحريم الاجتماع فيها، لما فيها من بدع ومنكرات ، وهو – كما أفتيت – إن اشتمل بيت العزاء على بدعة أو منكر ، ولم يلتزموا بالضوابط التي ذكرتها في هذا المقال ، والذي جاء لبيان الضوابط ، والشروط ، التي إن التزم بها الناس ، زالت كراهة الاجتماع في بيوت العزاء ، لأن الكراهة تزول عند الحاجة ، كما ذكر ذلك الفقهاء ، ولأن أدلة الشافعية ، والحنابلة ، والمالكية، يمكن مناقشتها ،وهذا هو البديل لفتح بيت العزاء ، لمن يسأل عن البديل الذي يكون في هذه البيوت من المنكرات والبدع ، والله تعالى أعلم .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق