تعديل

الجمعة، 14 فبراير 2025

الاجتماع للعزاء من منظور شرعي

الاجتماع للعزاء من منظور شرعي

رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
 خطيب المسجد الأقصى المبارك
تعزية أهل الميت بميتهم مشروعة ، وتأخذ حكم الاستحباب ، فإذا مات المسلم أو المسلمة ، استحب تعزية أقاربه من الرجال والنساء ، والكبار والصغار ، واستثنى الفقهاء تعزية المرأة الشابة فلا يعّزيها إلا محارمها ، والمقصود بالتعزية هو : حثُّ أهل الميت على الصبر ، ومواساتهم ، كأن يقول لهم : "أعظم الله أجركم ، وأحسن عزاءكم ، وغفر لميّتكم ، وعوّضكم الله عن مصيبتكم خيرا " ،أو أن يقول لهم : " إنّ لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكلُّ شيء عنده بأجلٍ مُسمّى ، فاصبروا واحتسبوا " ، كما ورد في حديث أسامة بن زيد الذي رواه البخاري ، رقم (1224) ، ويثاب المسلم على تعزية أخيه المسلم بميّته بتكريم الله له يوم القيامة ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه ابن ماجة في سننه رقم (1601) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مسلم يُعزّي أخاه بمصيبة ، إلاّ كساهُ الله من حُللِ الكرامة يوم القيامة ) ، ومن السُنّة التعزية قبل الدفن وبعده ، أما قبل الدفن فلأنه الوقت الذي يكون فيه الحزن الشديد على الميت ، والأفضل التعزية بعد دفن الميت ، لأن أهل الميت قبل الدفن يكونون منشغلين بتجهيز ميّتهم ، وتقبيره ، والتعزية تكون في الأيام الثلاثة الأولى من موت الميّت ، وتكره التعزية بعد هذه الأيام الثلاثة ، إلاّ لمن كان غائبا، أو مسافرا ، وذلك حتى لا يتم تجديد أحزان أهل الميت ، إذ العادة أن أحزانهم تسكن خلال هذه الأيام الثلاثة ، وأما الجلوس للتعزية خلال هذه الأيام الثلاثة ، في بيت يجتمع فيه أهل الميّت ، ليأتيَ الناس لتعزيتهم ، فهو في المذهب الشافعي مكروه ، إذا لم تجتمع فيه بدع ، أو منكرات ،فإذا اجتمعت فيه بدعة ،أو منكر ، صار الاجتماع حراما ، والأصل أن ينصرف أهل الميّت في هذه الأيام الثلاثة ،لقضاء حوائجهم ومصالحهم ،فمن قابلهم عزّاهم ، وحكم الجلوس للتعزية يشمل النساء أيضا ، وهو الكراهة ، والسُنّة أن يقوم غير أهل الميت بصنع الطعام لأهل الميت ، لأنه لما جاء مقتل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا لآلِ جعفر طعاما فإنه قد جاء ما يشغلهم ) رواه الترمذي ، رقم : 998) ، وبناء على ما سبق بيانه من أحكام شرعية تتعلق بالتعزية ، والجلوس لأجلها ، وحتى يكون العزاء مشروعا ، ليس فيه مخالفة لسّنة رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه بدعا محدثة تناقض السُنّة النبوية ، أضع بعض الملاحظات ، وهي ما يلي : أولا : الاجتماع لأجل العزاء خلال الأيام الثلاثة الأولى من موت الميت مكروه ، لأنه ليس من هدي السلف الصالح ، ولأنه كما جاء في الأثر عن جرير بن عبد الله قال : ( كنّا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميت ، وصنيعة الطعام بعدُ من النياحة) ،رواه أحمد ،رقم : (6866) ، والمقصود بصنع أهل الطعام من أهل الميت ، وجمع الناس عليه ، فهذا أيضا من البدع المحدثة ، وهذا مذهب الشافعي – كما قلت سابقا - ، والحنابلة ، وكثير من المالكية ، وكراهة الجلوس للتعزية في هذه الأيام الثلاثة ، لأنها تجدد أحزان أهل الميت ، وتكلّفهم المؤنة من غير حاجة إليها ، كما قال الشافعي في كتابه "الأم" (1/318) ، ثانيا : ولرفع الحرج عن الناس اليوم ، لا مانع أن نأخذ بما ذهب إليه بعض علماء الأحناف ، وبعض علماء المالكية ، وبعض علماء الحنابلة ، وهو القول بالرخصة في الاجتماع للتعزية في الأيام الثلاثة الأولى من موت الميت ، ولكن بشروط وهي : الشرط الأول : أن يخلو مجلس التعزية من المنكرات والبدع ، مثل : إظهار مظاهر الفرح بموت الميت من توزيع الحلوى ، وإطعام الطعام للمعزّين ، وقراءة القرآن ، والناس في غفلة عن الاستماع إليه ، ورفع أصواتهم فوق صوته ، وغيرها من المنكرات التي يفعلها الناس في هذه البيوت ، ويعرفون أنها منكرات ، الشرط الثاني : عدم إظهار أي مظهر لتجديد الحزن على الميت وإدامته ، مثل : إلقاء الكلمات ،وغيرها ، الشرط الثالث: ألا يكلّف أهل الميت بأي نوع من أنواع المؤنة ، حتى القهوة ، وأجرة القاعة ، لأنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الناس من ألأقارب الأباعد ، والأصدقاء للميت ، تحمّل مؤنة ذلك ، من غير تجاوز الحدّ في هذه المؤنة ، كشراء الحلوى للمجتمعين للعزاء ،لأن هذا مكان تسلية بمصيبة ، وليس مكان فرح بسرور ونعمة ، ويمكن للقارىء الكريم الرجوع إلى المصدرين التاليين – مثلا - لمعرفة هذه الشروط بشكل عام ، وهما: البحر الرائق ( 2/207) ، ومواهب الجليل ، (2/230)، وقد كنت كتبت على صفحتي على " الفيسبوك" فتوى بما يجري في بيوت العزاء ،وفي القدس خاصة ،وتحريم الاجتماع فيها، لما فيها من بدع ومنكرات ، وهو – كما أفتيت – إن اشتمل بيت العزاء على بدعة أو منكر ، ولم يلتزموا بالضوابط التي ذكرتها في هذا المقال ، والذي جاء لبيان الضوابط ، والشروط ، التي إن التزم بها الناس ، زالت كراهة الاجتماع في بيوت العزاء ، لأن الكراهة تزول عند الحاجة ، كما ذكر ذلك الفقهاء ، ولأن أدلة الشافعية ، والحنابلة ، والمالكية، يمكن مناقشتها ،وهذا هو البديل لفتح بيت العزاء ، لمن يسأل عن البديل الذي يكون في هذه البيوت من المنكرات والبدع ، والله تعالى أعلم .
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More