تعديل

الخميس، 20 مارس 2025

القنوت في النوازل

القنوت في النوازل

رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
لما نزلت بالمسلمين في عهد أبي بكر الصديق نازلة الردة ، حيث ارتدت بعض القبائل عن الإسلام ، قرأ أبو بكر رضي الله عنه في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بقوله تعالى :(رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْك رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) سورة آل عمران (8)، قال العلماء عند هذه الآية :قرأ الصديق بها على سبيل القنوت والدعاء وقتئذ ، انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/30)، والمؤمنون حين يدعون الله بهذه الآية الكريمة يسألونه ألا يبتليهم بما يثقل عليهم من الأعمال فيعجزوا عنها ،ويسألونه ألا يزيغ قلوبهم عن الحق الذي أمّنهم عليه ،وألا يعوّجوا عن الدين الذي منّ به عليهم ، وهذا في حالة الأمن ، وهو أوجب وأحرى بالمسلمين حين تنزل بهم النوازل ، فنسأل الله ابتداء أن يثبت قلوبنا على دينه ، وأن يقلب قلوبنا على الرضا بمقاديره ، فشعبنا الفلسطيني في أماكن تواجده ، تنزل به نوازل لم تعدها البشرية من قبل ، ولم ترتكس إليه الإنسانية عبر تاريخها الطويل الممتد عبر القرون والأزمنة ، وعلى كل حال إذا كان الصديّق وهو الخليفة الراشد قنت ودعا لنازلة واحدة وهي نازلة الردة فكيف بشعبنا ؟ بل كيف بأمتنا وقد تعددت عليها النوازل ، نازلة الجوع ، ونازلة الظمأ ، ونازلة المرض والجراح ، ونازلة المطر والبرد ، ونازلة الخوف وفقدان المأوى ، ونازلة الردة عن الدين التي نعيش آثارها ونرى صورها العدية في عدي الأقطار ، والتي تجتمع الأمم كافة لتزيد من شدّة هذه النازلة خاصة ، والتي كانت في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه محصورة في بعض القبائل ، بينما نازلة الردة بصورها الظاهرة والباطنة ينتشر أوراها ولهيبها في كل قطر من أقطار الأمة المسلمة ، وهذه النوازل كلها ألا تستوجب من المسلمين الذين لا يملكون إلا الدعاء أن يقنتوا ويدعوا الله لرفع هذه النوازل عنهم وقد قال صلى الله عليه وسلم (هل تنصرون إلا بضعفائكم بدعوتهم وإخلاصهم) ، فالاستعانة بدعاء الضعفاء من المسلمين في وقت النوازل له أثره ، لأنهم أكثر خشوعا ، وأشدّ إخلاصا ، ولا ريب أن من المسلمين اليوم من هم أهل إخلاص يستجاب لهم ، والأمر الملاحظ العجيب والغريب ، الذي لا أستطيع تفسيره ، أو أجد له جوابا ، هو عجز الأمة المسلمة بمجموعها أفرادا وجماعات عن إحياء سنة قنوت النوازل التي لا مبرر لانشغالها عن هذه السنًة الملحّة والطارئة ، والتي هي أقل الواجبات المطلوبة منها لنصرة المستضعفين من أبناء جلدتها ودينها ،لذلك سنطلب منكم القنوت في صلواتكم ، وسنكثر من الدعاء لشعبنا وللمسلمين أن يرفع عنهم ما نزل بهم من النوازل ، مع العلم أن النوازل هي الشدائد التي تحلُّ بالمسلمين ، وقد أخبرنا الله بها في كتابه لنوطنّ أنفسنا على استقبالها كما أمرنا وشرع لنا ومن ذلك قوله سبحانه (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)سورة آل عمران (186) ، وما ينزل بشعبنا من النوازل التي تشيب لها الولدان ، وتقشر لها الأبدان ، أمرنا الله عندها مهما عظمت واستبدت ، أن نجعل الصبر زادنا فيها ، وأن نجعل التقوى لباسنا أثناءها ، لأن الصبر والتقوى ، ركنان أساسيان في مواجهة النوازل واستقبالها ، وهي من عزائم الأمور التي يواجه بها المسلمون النوازل ، وقنوت النوازل شرعه النبي صلى الله عليه وسلم حين قُتل سبعون من الصحابة القرّاء غدرا من بعض أحياء العرب فقنت صلى الله عليه وسلم شهرا وكان من دعائه في قنوته ، كما أخرج البخاري عنه في الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رقم (4090)، حين جاءه خبر استشهاد القُرّاء غدرا عند بئر معونة ، وكان عددهم سبعين قارئا من الأنصار ، فقنت شهرا يدعو في صلاة الصبح على الذين قتلوهم من أحياء العرب ، فكانت هذه نازلة مؤلمة للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة الكرام وبخاصة أنه قتل فيها عدد كبير من حفظة القرآن الكريم ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الصلوات الخمس كلها ، وهذا ما رواه أبو داود في سننه (1443)، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعليه فقنوت النوازل سنة مشروعة في الصلوات الجماعية الخمسة ، وفي الصلاة الفردية ، وكما قلنا سابقا، فهي سُنّة مهجورة اليوم مع أن المسلمين في أشدّ الحاجة إليها ، وهي صورة من صور التكافل المعنوي بين المسلمين ،وللسادة أئمة المساجد خاصة ، ولعموم المسلمين أضع بعض الملاحظات الفقهية حول قنوت النوازل ، منتظرين المبادرة إلى إحياء هذه السنة النبوية ، وهذه الملاحظات : أولا: المشروع في الدعاء في قنوت النازلة أن يكون يسيرا غير طويل ، ثانيا : أن يقتصر الإمام في دعائه على النازلة فقط اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ثالثا : الاستمرار في قنوت النازلة ما دامت موجودة لم تنكشف بعد ، وحتى بكشفها الله تعالى ، رابعا : لا يوجد صيغة معينة لقنوت النازلة كصيغة القنوت في صلاة الصبح أو الوتر ، بل يدعو الإمام بأي صيغة تفي بالغرض من الدعاء ، خامسا : من السنة النبوية جهر الإمام بالدعاء ، خامسا : ومن السنة تأمين المصلين خلف الإمام على دعائه.
 والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More