رقائق إيمانية
خصائص أول ليلة من رمضان
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
هذا هو اليوم الأول من أيام شهر رمضان ، ولهذا اليوم خصائص تُزيّنه ، وهي ست خصائص ، وقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)، وهذا الحديث الشريف من الأحاديث الصحيحة التي صححها الألباني في صحيح سنن الترمذي ، فتعالوا نتعرف إلى هذه الخصائص بالتفصيل ، أولا: تصفيد الشياطين ، والتصفيد للشياطين يعني : شدّ الأغلال والسلاسل عليهم ، ولفظ الشيطان مأخوذ من شَطّنَ ، بمعني : بَعُدَ ، وسُمّيَ الشيطان شيطانا ، لبعده عن رحمة الله تعالى ، ثانيا : تصفيد المردة من الجنّ ، وهم العتاة من الشياطين ، المتفرغون للشرّ، والمتجردون له ،فهؤلاء مصيرهم في أول يوم من رمضان ، شدّ أغلالهم والسلاسل عليهم ، وفي تصفيد الشياطين والمردة منهم في أول يوم من رمضان ، تهيئة الأجواء الصالحة للصائمين ، وإعانتهم على تحقيق الحكمة المستدامة من الصيام ، طيلة شهر رمضان ، وهي التمثل بالتقوى ، فيؤدي المسلم فيه ما أمره الله به من الفرائض والواجبات ، وينتهي فيه عما حرّم الله عليه من الكبائر والصغائر ، ويبادر إلى السنن والمستحبات فيفعلها ، ويحذر من المكروهات فيحاول اجتنابها ، وهذا كله لا يكون إلا بتهيئة الأجواء الصالحة الخالية من مرض الإغواء الذي يتصدره الشيطان ، فكان تصفيده إعانة للصائم على تحقيق الحكمة من صيامه ، فلا يفسد الشيطان على الصائم صيامه ، بل تزيد طاعات الصائم ، وقربه إلى الله سبحانه بأداء الفرائض والنوافل ، فمن يقمع شهوته من الصائمين ، ويعرف للصيام حقّه ، ويحقق شروطه ، وآدابه ، وأخلاقه ، فهذا الصائم هو الذي لا يخلص الشيطان إليه ، وعلى هذا فإن تصفيد الشياطين ومردة الجن هو تصفيد معنوي ، وليس على حقيقته المعروفة ، ثالثا : إغلاق أبواب النار : وهذا يعني إغلاق طرق الشر ومسالكه ، حين يؤدي الصائم صيامه على الوجه المطلوب منه شرعا ، فكما يمسك عن الطعام والشراب والجماع ، فكذلك يمسك لسانه ، ويده ، وعينه، وأذنه ، وقدمه ، وكل جوارحه عن كل ما نهاه الله تعالى عنه ، فحينها ، تغلق في وجهه أبواب النار ، وهذا الإغلاق في هذه الحالة يكون عل حقيقته ، رابعا : فتح أبواب الجنة : لأن مفتاح الجنة : الإيمان ، والأعمال الصالحة ، والصيام عبارة عن سوق قائمة ، بضاعتها الأعمال الصالحة من كل نوع ، فالإسلام أسهمه كثيرة ، والخاسر من لا سهم له من العمل الصالح ، فكلما أكثر الصائم من التسوّق من سوق رمضان بكل عمل صالح ، كلما فتح له باب الجنة ، واتسع له بابها ، وهذا الفتح لأبواب الجنة أيضا على حقيقته ، خامسا : المنادي الذي ينادي الصائمين للمبادرة إلى تقوى الله في رمضان ، والمسابقة إلى الخيرات بعمومها ، وفي هذا النداء تذكير للغافلين من الصائمين عن فعل الخيرات ليبادروا إليها ، وتذكير للصائمين المبادرين إلى فعل الخيرات في رمضان للاستزادة منها ، لأن شهر رمضان فرصة للتزود بالطاعات ، والصالحات ، والخيرات ، فهو أيام معدودات ، ثم يرحل ،فلا ينبغي رحيله عن صائم فيه ، وهو قليل البضاعة من العمل الصالح ، وهو مفلس أو يكاد أن يكون كذلك حين رحيله عنه ، سادسا : العتق من النار ، وهذا في كل ليلة من ليالي رمضان ، وفي هذا حثٌ على العمل الصالح ، والحرص على الخير في كل يوم من أيام رمضان ، وفيه تذكير للصائمين أن أحدهم قد يموت في أي يوم من أيام رمضان ، فينبغي له دوام البعد عن الشيطان وعمله ، وعن الجنّ وشرورهم ، وأن يغلق باب النار في كل لحظة من لحظات حياته وصيامه ، باجتناب ما يوجب دخولها ، وأن يطرق أبواب الجنة ، ويديم طرقها ، بكل عمل صالح ، وفعل للخير ، فإنه إن كانت هذه حاله ، كان من الناجين من النار ومن عتقائها ، ولا ينبغي لمسلم عاقل يدخل عليه شهر رمضان ، أن تفوته هذه الخصائص ، أو بعضها ، وخصوصا أول خصلتين منها ، وهي : تصفيد الشياطين ، وتصفيد مردة الجن ، لأنه عن استطاع تصفيدها بالمعنى الذي ذكرنها آنفا ، كان ما بعدها من الخصائص في متناول يده ، لأن إغلاق باب الفتنة والشر ، الذي تقوم به الشياطين ، أساس للإيمان الحق ، وأساس لكل عمل صالح والإقبال عليه ، وأساس لاجتناب كل معصية ، وفي هذه الخصائص التي يكرم الله بها الصائمين في أول ليلة من ليالي رمضان ، إعانة من الله للصائمين على أداء الصيام كما أمر به سبحانه ، صياما يحقق التقوى ، فما أحرى الصائمين أن يغتنموا هذا الفرصة ، بكل عمل صالح ، وباجتناب كل ما لا يرضاه الله منهم ، وأن يروا الله من أنفسهم كل ما يحبه منهم ، وأن تظل هذه الخصائص ماثلة أمام أعينهم ، وفي قلوبهم ، وعلى جوارهم ، ما دام رمضان قائما .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق