تعديل

السبت، 1 مارس 2025

خصائص أول ليلة من رمضان

رقائق إيمانية

خصائص أول ليلة من رمضان
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
هذا هو اليوم الأول من أيام شهر رمضان ، ولهذا اليوم خصائص تُزيّنه ، وهي ست خصائص ، وقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)، وهذا الحديث الشريف من الأحاديث الصحيحة التي صححها الألباني في صحيح سنن الترمذي ، فتعالوا نتعرف إلى هذه الخصائص بالتفصيل ، أولا: تصفيد الشياطين ، والتصفيد للشياطين يعني : شدّ الأغلال والسلاسل عليهم ، ولفظ الشيطان مأخوذ من شَطّنَ ، بمعني : بَعُدَ ، وسُمّيَ الشيطان شيطانا ، لبعده عن رحمة الله تعالى ، ثانيا : تصفيد المردة من الجنّ ، وهم العتاة من الشياطين ، المتفرغون للشرّ، والمتجردون له ،فهؤلاء مصيرهم في أول يوم من رمضان ، شدّ أغلالهم والسلاسل عليهم ، وفي تصفيد الشياطين والمردة منهم في أول يوم من رمضان ، تهيئة الأجواء الصالحة للصائمين ، وإعانتهم على تحقيق الحكمة المستدامة من الصيام ، طيلة شهر رمضان ، وهي التمثل بالتقوى ، فيؤدي المسلم فيه ما أمره الله به من الفرائض والواجبات ، وينتهي فيه عما حرّم الله عليه من الكبائر والصغائر ، ويبادر إلى السنن والمستحبات فيفعلها ، ويحذر من المكروهات فيحاول اجتنابها ، وهذا كله لا يكون إلا بتهيئة الأجواء الصالحة الخالية من مرض الإغواء الذي يتصدره الشيطان ، فكان تصفيده إعانة للصائم على تحقيق الحكمة من صيامه ، فلا يفسد الشيطان على الصائم صيامه ، بل تزيد طاعات الصائم ، وقربه إلى الله سبحانه بأداء الفرائض والنوافل ، فمن يقمع شهوته من الصائمين ، ويعرف للصيام حقّه ، ويحقق شروطه ، وآدابه ، وأخلاقه ، فهذا الصائم هو الذي لا يخلص الشيطان إليه ، وعلى هذا فإن تصفيد الشياطين ومردة الجن هو تصفيد معنوي ، وليس على حقيقته المعروفة ، ثالثا : إغلاق أبواب النار : وهذا يعني إغلاق طرق الشر ومسالكه ، حين يؤدي الصائم صيامه على الوجه المطلوب منه شرعا ، فكما يمسك عن الطعام والشراب والجماع ، فكذلك يمسك لسانه ، ويده ، وعينه، وأذنه ، وقدمه ، وكل جوارحه عن كل ما نهاه الله تعالى عنه ، فحينها ، تغلق في وجهه أبواب النار ، وهذا الإغلاق في هذه الحالة يكون عل حقيقته ، رابعا : فتح أبواب الجنة : لأن مفتاح الجنة : الإيمان ، والأعمال الصالحة ، والصيام عبارة عن سوق قائمة ، بضاعتها الأعمال الصالحة من كل نوع ، فالإسلام أسهمه كثيرة ، والخاسر من لا سهم له من العمل الصالح ، فكلما أكثر الصائم من التسوّق من سوق رمضان بكل عمل صالح ، كلما فتح له باب الجنة ، واتسع له بابها ، وهذا الفتح لأبواب الجنة أيضا على حقيقته ، خامسا : المنادي الذي ينادي الصائمين للمبادرة إلى تقوى الله في رمضان ، والمسابقة إلى الخيرات بعمومها ، وفي هذا النداء تذكير للغافلين من الصائمين عن فعل الخيرات ليبادروا إليها ، وتذكير للصائمين المبادرين إلى فعل الخيرات في رمضان للاستزادة منها ، لأن شهر رمضان فرصة للتزود بالطاعات ، والصالحات ، والخيرات ، فهو أيام معدودات ، ثم يرحل ،فلا ينبغي رحيله عن صائم فيه ، وهو قليل البضاعة من العمل الصالح ، وهو مفلس أو يكاد أن يكون كذلك حين رحيله عنه ، سادسا : العتق من النار ، وهذا في كل ليلة من ليالي رمضان ، وفي هذا حثٌ على العمل الصالح ، والحرص على الخير في كل يوم من أيام رمضان ، وفيه تذكير للصائمين أن أحدهم قد يموت في أي يوم من أيام رمضان ، فينبغي له دوام البعد عن الشيطان وعمله ، وعن الجنّ وشرورهم ، وأن يغلق باب النار في كل لحظة من لحظات حياته وصيامه ، باجتناب ما يوجب دخولها ، وأن يطرق أبواب الجنة ، ويديم طرقها ، بكل عمل صالح ، وفعل للخير ، فإنه إن كانت هذه حاله ، كان من الناجين من النار ومن عتقائها ، ولا ينبغي لمسلم عاقل يدخل عليه شهر رمضان ، أن تفوته هذه الخصائص ، أو بعضها ، وخصوصا أول خصلتين منها ، وهي : تصفيد الشياطين ، وتصفيد مردة الجن ، لأنه عن استطاع تصفيدها بالمعنى الذي ذكرنها آنفا ، كان ما بعدها من الخصائص في متناول يده ، لأن إغلاق باب الفتنة والشر ، الذي تقوم به الشياطين ، أساس للإيمان الحق ، وأساس لكل عمل صالح والإقبال عليه ، وأساس لاجتناب كل معصية ، وفي هذه الخصائص التي يكرم الله بها الصائمين في أول ليلة من ليالي رمضان ، إعانة من الله للصائمين على أداء الصيام كما أمر به سبحانه ، صياما يحقق التقوى ، فما أحرى الصائمين أن يغتنموا هذا الفرصة ، بكل عمل صالح ، وباجتناب كل ما لا يرضاه الله منهم ، وأن يروا الله من أنفسهم كل ما يحبه منهم ، وأن تظل هذه الخصائص ماثلة أمام أعينهم ، وفي قلوبهم ، وعلى جوارهم ، ما دام رمضان قائما .
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More