تعديل

الثلاثاء، 11 مارس 2025

اعرف حقيقة التقوى

رقائق إيمانية

اعرف حقيقة التقوى
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
بعيدا عن عديد التعريفات للتقوى المشهورة بين المسلمين، أبين لهم في هذه المقالة أصالة التقوى ، والأركان التي تقوم عليها ، وهذه الأصالة والأركان ذكرها الله سبحانه في ثلاث جمل وست كلمات في سورة الأعراف الآية (199) وهو قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)،فالآية الكريمة تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات المطلوبة من المسلم ، وقواعد الشريعة في المنهيات الواجب على المسلم الانتهاء عنها مطلقا ، وهذه القواعد من المأمورات والمنهيات هي أركان التقوى ، لأن المعنى الأصيل للتقوى يقوم على فعل المأمورات ، واجتناب المحظورات ، وعدم الوقوع في المحرمات ، فمن فعل المأمورات ، واجتنب المحظورات ، ولم يقع في المحرمات ، أصاب حقيقة التقوى ، ثم إن التقوى درجات ، وبهذه الدرجات فكل مسلم تقي ، ولكن درجته من التقوى بمقدار ما يؤدي ما وجب عليه من المأمورات ، وبمقدار ما يجتنب المحرمات والمحظورات ، فإذا قصّر مسلم في ما أمره الله به ثم تاب وقام به بعد تقصيره ، أو أصاب حراما ، أو فعل محظورا ، ولو كان فاحشة ، ثم تاب واستغفر ، وأقلع عن فاحشته ومعصيته ، فهو من المتقين ولكن بدرجة أدنى ممن سبقه إلى التقوى بمكوناتها التي ذكرتها آنفا ، والشاهد لما أقول قوله تعالى في سورة آل عمران آية (135): (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، فهذه الآية ذكرت التوابين من معاصيهم من المسلمين فإن الله سبحانه يلحقهم بالمتقين الذين ذكرتهم الآيات التي سبقت هذه الآية ، وبالعودة إلى الآية الكريمة التي ابتدأنا بها هذه المقالة ، والتي بينت أصالة التقوى وأركانها ، نذكر بعض المأمورات وبعض المنهيات الدالة على التقوى ، فقوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) تضمن كل خلق مأمور به المسلم مثل : صلة من قطعك ، والعفو عمن أذنب بحقك ، والرفق بالمسلمين حولك ، وقوله تعالى (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) تضمن الأمر بصلة الأرحام ، والأمر بتقوى الله في الحلال والحرام ، والأمر بغض البصر ، وأن يعدّ المسلم نفسه من الموتى ، بمعنى : أن يجهز نفسه للرحيل من الدنيا بالتزود للآخرة من كل عمل صالح ، وأما المنهيات في قوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقد تضمن الإعراض عن الظلمة أو العمل معهم والسير على طريقتهم ، وأن يتنزه المسلم عن مجاراة كل سفيه ، وأن يبذل جهده في التعلم والبعد عن الجهل وأسبابه ، وبالجملة فميزان التقوى الأخلاق الحميدة ، والأفعال الرشيدة ، وهذه كلها تحتاج إلى شرح موسع لا يتسع له المقال هنا ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم جمع هذه الخصال لجابر بن سُليم حيث قال جابر : "رَكِبْتُ قَعُودِي ثُمَّ أَتَيْتُ إِلَى مَكَّةَ فَطَلَبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنَخْتُ قَعُودِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَدَلُّونِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ بُرْدٌ مِنْ صُوفٍ فِيهِ طَرَائِقُ حُمْرٍ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ:" وَعَلَيْكَ السَّلَامُ". فَقُلْتُ: إِنَّا مَعْشَرُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، قَوْمٌ فِينَا الْجَفَاءُ، فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا. قَالَ:" ادْنُ" ثَلَاثًا، فَدَنَوْتُ فَقَالَ:" أَعِدْ عَلَيَّ" فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: (اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَأَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَإِنِ امْرُؤٌ سَبَّكَ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْكَ فَلَا تَسُبُّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ أَجْرًا وَعَلَيْهِ وِزْرًا وَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا مِمَّا خَوَّلَكَ اللَّهُ تَعَالَى (. قَالَ أَبُو جُرَيٍّ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ شَاةً وَلَا بَعِيرًا" رواه البزار في مسنده بمعناه ، وانظر أخي رعاك الله كيف التزم جابر بن سليم بما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم به ، وهذا هو الذي ينقصنا في هذا الزمان ، وهو أننا نعرف حقيقة التقوى ، وأصالتها ، وأركانها ، لكننا – للأسف – لا نعمل بها - ، فكيف إذن نحقق حكمة صيامنا في شهر رمضان خاصة من التقوى ، ونحن نعلم ولا نعمل ، وهذا الخلق وهو ترك العمل مع العلم هو خلق مخالف للتقوى من جذرها ؟ وإذا كان الصائم لا يحقق التقوى من صيامه بالمعاني المذكورة فمن الطبيعي جدا أن لا تشمل رقبته العتق من نار جهنم ، وأن تغلق أبواب السماء في وجه دعوته فلا يستجاب له ، ولعل من المهم جدا هنا ونحن نتكلم عن أصالة التقوى وأركانها ، أن نذكر أبناء مجتمعنا الفلسطيني الذين ضاقت أخلاقهم ، وطاشت أحلامهم ، فكثر نزاعهم ، وشجاراتهم ، أن نذكرهم بما رواه البخاري عن عبد الله بن الزبير في قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)قال : " ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس" ، وقال جعفر الصادق : " أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية " ، وكلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) أخرجه البزار (8949) ، فمن أراد أن يكون تقيا حقا وصدقا فليأخذ بنصح النبي صلى الله عليه وسلم وهو إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More