ركائز النجاة
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
هل تعلم أن ركائز النجاة في الدنيا والآخرة أربعة أمور وهي : الإيمان ، والشكر ، والتوبة ، والاستغفار ،فربنا تعالى ذكره يقول:( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ)سورة النساء :(147) ،فالله سبحانه لا يعذب شاكرا مؤمنا ، قال التابعي مكحول رضي الله عنه : ( أربع من كُنّ فيه كُنّ له ، وثلاث من كُنّ فيه كُنّ عليه ، أما الأربع فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار ، وأما الثلاث التي عليه : فالمكر والبغي والنكثُ ) انظر القرطبي : 5( /427) ، وقال الله تعالى : (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)سورة الأنفال (33) ، أما الإيمان أيها الصائم الكريم فهو شرط قبول صيامك ، وهو شرط قبول الأعمال من الإنسان فلا يقبل عمل صالح من كافر حتى يدخل في دين الإسلام ، والإيمان كما عرّف العلماء هو : " ما وقرَ في القلب ، ونطق به اللسان ، وصدّقته الجوارح " ، ولذلك كان الإيمان هو أول ركائز النجاة في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فيعصم دمك إلا بحق الإسلام ، وأما في الآخرة فهو أول باب يفتح لك من أبواب الجنة حتى تلجها ، وأما الشكر ثاني ركائز النجاة فيكون باللسان والجوارح والقلب ، وهو بهذا يكون بإظهار نعمة الله عليك بلسانك اعتراف بهذه النعمة التي منّ الله بها عليك ، ووفي قلبك بالإقرار بها ، وبجوارحك أن تستخدم هذه الجوارح كاليد واللسان وغيرهما في طاعة الله وكما أمر الله فلا تعمل بجارحة منه معصية ، بل تكون هذه الجوارح دائما متحفزة لطاعة ربها الذي خلقها ، ومنّ بها عليك ، وأما التوبة الركيزة الثالثة للنجاة فهي أن تترك ذنبك لقبحه فلا يليق بك أن تقترف ذنبا وتعصي ربك الذي أنعم عليك بنعمة الحياة والجسد ، فيجب أن تندم على ما صدر عنك من معاصٍ وذنوب ، وأن تعزم بنية صادقة عن الرجوع عنها وعدم العودة إليها ، ولا تصحّ منك توبة إذا كانت تتعلق بحقوق العباد حتى تردّ الحقوق إلى أصحابها فهذه هي التوبة النصوح من حقوق العباد التي اجترأت عليها وأخذتها منهم ظلما وعدوانا ، وأما الركيزة الرابعة للنجاة فهي الاستغفار ، وهو أن تطلب من الله تعالى أن يستر ذنوبك فلا يفضحك بها ، ولا يعاقبك عليها ، واستغفارك يكون من الله ، ويكون لك ، ويجوز أن تستغفر لغيرك ، وحتى يقبل منك استغفارك يجب أن يكون مرتبطا بالتوبة والعمل الصالح ، وقد جاءت نصوص شرعية عديدة تتحدث عن التوبة والاستغفار منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) ، وهذا الحديث كان يكتمه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، ولم يخبرنا به إلا حينما حضرته الوفاة وقال: ( كنت كتمت عنكم حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوف أحدثكموه وقد أحيط بنفسي) ، وعليه فنحن أمة لا تقنت ولا تيأس من رحمة الله ، ولو بلغت ذنوبنا عنان السماء ، لأننا نؤمن أن الله يغفر الذنوب جميعا ، تصوروا أن المذنب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو من المتقين ، وأن المرتكب للفاحشة من المتقين إن تاب إلى الله وأناب ، هذا قول ربنا وليس قولي ، اسمعوا : (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)، ونحن نعلم أنه لا عصمة من الذنوب والخطايا إلا للرسل ،أما غيرهم ا فهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وباب الرجاء مفتوح للمذنب ، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم)، فالزم الاستغفار والتوبة ، واجعل لهما مكانة على لسانك وفي قلبك كي تنجو ، وكلما أذنبت ذنبا ، قم وتوضأ ، وصلِّ صلاة التوبة ، إذا كنت لا تعرفها فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني- وصدق أبو بكر- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يذنب ذنبًا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له) ، تب واستغفر ، يزول كربك ، ويفرج همّك ، وترزق من حيث لا تحتسب ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب) ، هذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي من الليل ثم يلتفت إلى نافع ويقول: يا نافع هل جاء السحر؟ فإذا قال نعم: أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح، واعلم رعاك الله أن الاستغفار لك أمان،فقد قال الله تعالى :(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) ، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليّ أمانين لأمتي ، وما كان الله يعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة) .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق