تعديل

الجمعة، 14 مارس 2025

صفات محمودة مفقودة

صفات محمودة مفقودة

رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
من الصفات المحمودة المفقودة في الصائمين خاصة وبين المسلمين عامة ثلاث صفات وهي : الخلق الذي يجب أن يكون ظاهرا في سلوك المسلم حتى يستطيع أن يعيش به بينهم ، والورع الذي يكون درعا واقية له من سهام محارم الله فلا يصيبه منه سهم ، والحِلم الذي به يستطيع أن يضع حلولا آمنة لأعقد المشكلات وهو يشرب فنجانا من القهوة ، وهذه الصفات المحمودة المفقودة ورد ذكرها في حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: ( ثلاث من كُنّ فيه استكمل الإيمان واستوجب الثواب : خلق يعيش به في الناس ، وورع يحجزه عن محارم الله وحلم يردّ به جهل الجاهل ) ، وهذا الحديث رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، وهو حديث ضعيف لأن أحد رواته هو عبد الله بن سليمان ، قال البزار : إذا حدث بأحاديث لا يتابع عليها ، وقد ذكرتُ تخريج الحديث والحكم عليه بالضعف قبل شرحه والإفادة منه لسببين ، الأول : لأن من علماء الحديث الشريف من أجاز رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، وهذه الصفات المفقودة التي أتحدث عنها هي من فضائل الأعمال ، ثانيا : ولأن الأخذ بالحديث الشريف يجوز إذا كان مندرجا تحت أصل كلي من أصول الشريعة وليس مكذوبا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الحديث الضعيف يندرج تحت أصل كلي من أصول شريعتنا وهو أن الأخلاق الحميدة من أجلها بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) أخرجه البخاري في " ألأدب المفرد " ، وفي رواية ( لأتمم محاسن الأفعال) ، فمكارم الأخلاق التي هي محاسن الأفعال هي من الصفات المفقودة بين الناس اليوم ، فالله سبحانه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم ليكمل ما انتقص من مكارم الأخلاق ، وهذا دليل على أنها من أولوياته صلى الله عليه وسلم ، وبهذا تكون الصفات المطلوبة في هذا الحديث الذي استدللت به على الصفات المفقودة في مجتمعنا هي من الواجبات الشرعية ، والصفات الواجب على كل مسلم أن يتمثل بها ،وهذه الصفات المفقودة المطلوبة من المسلمين اليوم من اتصف بها استحق مكرمتين عظيمتين هما الأولى : أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بكمال الإيمان في قلبه حين قال استكمل الإيمان ، واستكمال الإيمان هو طوق النجاة للإنسان المسلم في دنياه وآخرته ، وهو أول علامات الصلاح ، والثانية : أن الله تعالى يكتب له الأجر كاملا على اتصافه بهذا الصفات الثلاثة ، ومن كان كامل الإيمان ، وكامل الأجر والثواب عند الله تعالى ، فهو في مرتبة بعد الأنبياء والمرسلين ، لأن أعلى المنازل بعد الأنبياء والرسل هم " السابقون " الذين جاء ذكرهم في سورة الواقعة ، ومنهم الذين سبقوا غيرهم إلى معالي الأمور ، ولا ريب أن الخلق الحسن ، والورع عن محارم الله ، والحلم الذي يرد به جهل الجاهل ، هي تاج معالي الأمور وسيدتها ، وبناء على ما سبق نقف عند هذه الصفات الثلاثة المفقودة في مجتمعنا لعلنا نكون من أهلها ،أو على الأقل من أهل بعضها ، أما الخلق فهو الخلق الذي تستطيع أن تعيش به في الناس ، وهذا متعدد لا يكاد ينحصر بصفة معينة ، فأنت تحتاج إلى هذه الخلق لتعيش به مع نفسك أولا، ثم مع زوجتك وأولادك ، ثم مع جيرانك ، ثم مع الناس حولك أينما كنت في الشارع أو العمل أو في الحافلة وفي كل مكان تكون موجودا فيه ، وبدون هذا الخلق لأن يقبلك من حولك ، وستكون كالشاة الجرباء الكل يتأذى بوجودها ، ويهرب منها ، فهل أنت قادر أيها الصائم الكريم ، وأيها المسلم الحبيب أن تحوز على خلق تعيش به في الناس ؟ إذا استطعت أن تحوز على هذا الخلق فاعلم أن هذا الخلق يؤسس للصفتين اللتين بعدهما وهما : الورع ، والحلم ، لأن من كان عنده خلق يعيش به في الناس ، فسيكون ورعا عما حرم الله تعالى ، وسيكون حليما حين يجهل الناس عليه ، وإلا كيف سيعيش في الناس بخلق لا يتسع لورع ، ولا يتسع لحلم ؟ ! ، وأما الصفة الثانية المفقودة فينا فهي الورع ، وهي الخوف من ارتكاب كل ما حرم الله ، وعدم الجرأة على ما نهى الله تعالى عنه ، وصفة الورع لا نكاد نراها في مجموع الناس ، فكثير مما حرم الله علينا كالربا والتبرج وقطع الأرحام والاعتداء على دماء وأموال وأعراض المسلمين منتشر في مجتمعاتنا كانتشار النار في الهشيم ، فمتى نلبس خلق الورع ، ونتزين بهذا الصفة التي تضفي علينا نورا وبهاء وجمالا ؟ وأما الصفة الثالثة المفقودة وهي صفة الحلم ، فنحن نتصف بنقيضها ، لا يحلم أحدنا على غيره في أبسط الأمور ، وأقل الحالات التي تحتاج إلى الحلم ، فكم من شجار كان بسبب سيارة أو كلمة طائشة ! ورحم الله التابعي الجليل الأحنف بن قيس الذي كان أحلم العرب ، كان جالسا في " ديوانه" فجاء أبنه يحمل أخاه مقتولا ، فسأله من قتل أخاك ؟ قال : ابن عمي ، فألقى الأحنف إلى ابنه كيسا من المال وقال له : خذ هذا المال وأعطه لأمك دية أخيك فإنها غريبة ، واذهب أنت وابن عمك وواريا جثة أخيك ، هذا كان من الأحنف في جاهليته قبل أن يدخل في الإسلام ، فماذا نقول لمن هو مسلم ؟ هل يمكنك تدارك ما فاتك من هذه الصفات فتكون من أهلها ؟ نرجو ذلك!
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More