صفات محمودة مفقودة
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
من الصفات المحمودة المفقودة في الصائمين خاصة وبين المسلمين عامة ثلاث صفات وهي : الخلق الذي يجب أن يكون ظاهرا في سلوك المسلم حتى يستطيع أن يعيش به بينهم ، والورع الذي يكون درعا واقية له من سهام محارم الله فلا يصيبه منه سهم ، والحِلم الذي به يستطيع أن يضع حلولا آمنة لأعقد المشكلات وهو يشرب فنجانا من القهوة ، وهذه الصفات المحمودة المفقودة ورد ذكرها في حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: ( ثلاث من كُنّ فيه استكمل الإيمان واستوجب الثواب : خلق يعيش به في الناس ، وورع يحجزه عن محارم الله وحلم يردّ به جهل الجاهل ) ، وهذا الحديث رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، وهو حديث ضعيف لأن أحد رواته هو عبد الله بن سليمان ، قال البزار : إذا حدث بأحاديث لا يتابع عليها ، وقد ذكرتُ تخريج الحديث والحكم عليه بالضعف قبل شرحه والإفادة منه لسببين ، الأول : لأن من علماء الحديث الشريف من أجاز رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، وهذه الصفات المفقودة التي أتحدث عنها هي من فضائل الأعمال ، ثانيا : ولأن الأخذ بالحديث الشريف يجوز إذا كان مندرجا تحت أصل كلي من أصول الشريعة وليس مكذوبا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الحديث الضعيف يندرج تحت أصل كلي من أصول شريعتنا وهو أن الأخلاق الحميدة من أجلها بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) أخرجه البخاري في " ألأدب المفرد " ، وفي رواية ( لأتمم محاسن الأفعال) ، فمكارم الأخلاق التي هي محاسن الأفعال هي من الصفات المفقودة بين الناس اليوم ، فالله سبحانه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم ليكمل ما انتقص من مكارم الأخلاق ، وهذا دليل على أنها من أولوياته صلى الله عليه وسلم ، وبهذا تكون الصفات المطلوبة في هذا الحديث الذي استدللت به على الصفات المفقودة في مجتمعنا هي من الواجبات الشرعية ، والصفات الواجب على كل مسلم أن يتمثل بها ،وهذه الصفات المفقودة المطلوبة من المسلمين اليوم من اتصف بها استحق مكرمتين عظيمتين هما الأولى : أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بكمال الإيمان في قلبه حين قال استكمل الإيمان ، واستكمال الإيمان هو طوق النجاة للإنسان المسلم في دنياه وآخرته ، وهو أول علامات الصلاح ، والثانية : أن الله تعالى يكتب له الأجر كاملا على اتصافه بهذا الصفات الثلاثة ، ومن كان كامل الإيمان ، وكامل الأجر والثواب عند الله تعالى ، فهو في مرتبة بعد الأنبياء والمرسلين ، لأن أعلى المنازل بعد الأنبياء والرسل هم " السابقون " الذين جاء ذكرهم في سورة الواقعة ، ومنهم الذين سبقوا غيرهم إلى معالي الأمور ، ولا ريب أن الخلق الحسن ، والورع عن محارم الله ، والحلم الذي يرد به جهل الجاهل ، هي تاج معالي الأمور وسيدتها ، وبناء على ما سبق نقف عند هذه الصفات الثلاثة المفقودة في مجتمعنا لعلنا نكون من أهلها ،أو على الأقل من أهل بعضها ، أما الخلق فهو الخلق الذي تستطيع أن تعيش به في الناس ، وهذا متعدد لا يكاد ينحصر بصفة معينة ، فأنت تحتاج إلى هذه الخلق لتعيش به مع نفسك أولا، ثم مع زوجتك وأولادك ، ثم مع جيرانك ، ثم مع الناس حولك أينما كنت في الشارع أو العمل أو في الحافلة وفي كل مكان تكون موجودا فيه ، وبدون هذا الخلق لأن يقبلك من حولك ، وستكون كالشاة الجرباء الكل يتأذى بوجودها ، ويهرب منها ، فهل أنت قادر أيها الصائم الكريم ، وأيها المسلم الحبيب أن تحوز على خلق تعيش به في الناس ؟ إذا استطعت أن تحوز على هذا الخلق فاعلم أن هذا الخلق يؤسس للصفتين اللتين بعدهما وهما : الورع ، والحلم ، لأن من كان عنده خلق يعيش به في الناس ، فسيكون ورعا عما حرم الله تعالى ، وسيكون حليما حين يجهل الناس عليه ، وإلا كيف سيعيش في الناس بخلق لا يتسع لورع ، ولا يتسع لحلم ؟ ! ، وأما الصفة الثانية المفقودة فينا فهي الورع ، وهي الخوف من ارتكاب كل ما حرم الله ، وعدم الجرأة على ما نهى الله تعالى عنه ، وصفة الورع لا نكاد نراها في مجموع الناس ، فكثير مما حرم الله علينا كالربا والتبرج وقطع الأرحام والاعتداء على دماء وأموال وأعراض المسلمين منتشر في مجتمعاتنا كانتشار النار في الهشيم ، فمتى نلبس خلق الورع ، ونتزين بهذا الصفة التي تضفي علينا نورا وبهاء وجمالا ؟ وأما الصفة الثالثة المفقودة وهي صفة الحلم ، فنحن نتصف بنقيضها ، لا يحلم أحدنا على غيره في أبسط الأمور ، وأقل الحالات التي تحتاج إلى الحلم ، فكم من شجار كان بسبب سيارة أو كلمة طائشة ! ورحم الله التابعي الجليل الأحنف بن قيس الذي كان أحلم العرب ، كان جالسا في " ديوانه" فجاء أبنه يحمل أخاه مقتولا ، فسأله من قتل أخاك ؟ قال : ابن عمي ، فألقى الأحنف إلى ابنه كيسا من المال وقال له : خذ هذا المال وأعطه لأمك دية أخيك فإنها غريبة ، واذهب أنت وابن عمك وواريا جثة أخيك ، هذا كان من الأحنف في جاهليته قبل أن يدخل في الإسلام ، فماذا نقول لمن هو مسلم ؟ هل يمكنك تدارك ما فاتك من هذه الصفات فتكون من أهلها ؟ نرجو ذلك!
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق