صور التكافل
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
المواساة ، والحماية ، والتعاون ،والحب ، والإيثار ، وغيرها من الصور العديدة هي من صور التكافل ،، وقد يكون دافع التكافل إنساني ، أو قومي ، أو سياسي ، أو ديني ، فمن أحقّ بالتكافل منّا نحن المسلمين خاصة ، ونحن العرب عامة ، الذين تجمعنا روابط عديدة ، رابطة الدين ، ورابطة النسب والدم ، ورابطة القومية ، ورابطة الحمّية والوطنية ، إن تجاوزنا واعتبرناها روابط تجمع بيننا ؟ولماذا غيرنا من الأمم يتكافلون فبما بينهم ونحن نلقي التكفل وراء ظهورنا ؟ لقد بلغت الحمّية الجاهلية أن ينحاز المشركون من بني هاشم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حصار " الشِعب" ، وأهل الباطل نراهم اليوم تتكافل دولهم ومنظماتهم التي تُسمّى بالمنظمات الإنسانية على باطلهم وكفرهم ، أما أهل الإسلام الذين جاءت نصوص كتابهم ، وسنّة رسولهم صلى الله عليه وسلم حاشدة بالحث والأمر بالتكافل في السراء والضراء ، فلا نرى منها إلا النزر القليل الذي لا يكاد يُذكر ، ألم يكن رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة في التكافل حتى قبل نبوته كما وصفته خديجة رضي الله عنها حين قالت : (كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسِب المعدوم، وتَقرِي الضيف، وتُعِين على نوائب الحق)؟ فلماذا لا نقتدي برسولنا الكريم ؟ ألم تتحقق أروع صور التكافل من الأنصار مع المهاجرين حتى أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقسم النخل، بينهم وبين المهاجرين، فقال: لا، فقال الأنصار: (تكفونا المؤونة، ونشرككم في الثمرة) ، بل حتى وصل التكافل فيهم بالتوارث بينهم دون توارث الأرحام ، لأن الأخوة في الدين تجمعهم ؟ فأين هذه الصور مع المهاجرين من المسلمين اليوم ؟ لا تسألوني : ما هي صور التكافل في ديننا لأنها صورها لا تحتاج إلى كشف وبيان ، فكل معونة ، ونصرة ، ومواساة ، وحماية ، صورة من صور التكافل ، بل التعاون بين المسلمين بكل معانيه وصوره تكافل ، وإن أردتم أن أزيدكم من الشعر بيتا فعلت ، فالتكافل لا يقتصر على التكافل المادي فحسب ، بل يشمل التكافل المعنوي أو النفسي ، أو الشعوري ، سمّوه بما شئتم ، هل تتعاملون به ؟ من منكم يتفقد أخاه وجاره وصديقه ويتعرف إلى حوائجه ليقضيها له ؟ من منكم يقدم العون للغارم ، واليتيم ، والأرملة ، والمسكين ؟ من منكم يضع لبِنَةً في بنيان التكافل ؟ أصدقوني القول كم نسبة المسلمين اليوم الذين يعملون بحديث واحد فقط للرسول صلى الله عليه وسلم وهو : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)؟ ألا تقومون عن مقاعد عجزكم وتقصيركم وتنهضوا للتكافل ، فما أحوجنا اليوم إلى إحياء هذه الفريضة ، ووجوه التضامن في الشريعة الإسلامية عديدة ، ذكرها العلماء في كتب الفقه والتفسير تحت باب ( التكافل) ، والتكافل بين المسلمين بابه واسع ، وقطع صلة الرحم حرام شرعا ، لأنها صلة الرحم من الواجبات الشرعية المتفق عليها عند علماء الأمة ، وقطيعتها محرّمة ، والأدلة الشرعية على تحريم قطيعتها من القرآن والسنة النبوية عديدة ، منها قول الله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) ، والمعنى : اتقوا الله أن تعصوه ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، والتفتوا أيها الشباب هنا كيف قرن الله تعالى بين الأمر باتقائه ، والأمر باتقاء قطيعة الرحم ، للدلالة على عظم هذه الجريمة وهي قطيعة الأرحام ، وقد جاء في الحديث الشريف أن الرحم معلقة بالعرش تقول : (من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ) ، وبناء على هذا ، وحتى لا نقدم بين يدي الله ورسوله بقول أو فعل أو رأي ، وقد قال ربنا تعالى ذكره في أول سورة الحجرات : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، فإننا مطالبون بصلة الرحم في كل الأزمان ، ومطالبون بها في شهر رمضان خاصة ، حتى نزيد من تكافلنا ، ويزداد رضا الله عنا ، ويتقبل منا إقبالنا على الطاعات ، مع العلم أن الصحابة الكرام ، وهم القدوة الحسنة لنا ، سقط منهم شهداء وجرحى في رمضان في غزوة بدر، فلم يقطعوا أرحامهم ، ولم يدعوا إلى ترك الواجبات الشرعية بسبب ما أصابهم وقتئذ ، فالمسلم وقت البلاء يصبر ويحتسب ، ويبحث عن كل أسباب التكافل الشرعية مع المسلمين ليعمل بها ، وإن كان ولا بُدّ هنا ، فإننا ندعو إلى التقنين في الطعام والشراب ، ليتسنى إعانة كل مسلم يحتاج إلى العون والبر والصّلة ، وقد نحتاج ونحن نعيش أسوأ الظروف إلى أن نتعلم فقه التكافل بشكل عملي بعيدا عن الوعظ والتنظير ، التكافل المادي ، والتكافل المعنوي ، وكافة صور التكافل ، مقتدين بذلك بالصحابة الكرام الذين هو خير القرون ، والذين طبقوا مبدأ التكافل في أبهى صوره ، وأعلى مقاماته ، وبخاصة حين ظهر هذا التكافل بين المهاجرين والأنصار ، ولعل واقع بعض المسلمين اليوم هو تماما كواقع المهاجرين والأنصار ، فمن با ترى يكون أنصاريا بكل ما تحمل هذه الصفة من معنى مشرق وبهيج ، ليكون له الأجر والثواب من الله سبحانه ، على تكافله ، وعلى اقتدائه بالصحابة الكرام رضي الله عنهم .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق