رقائق إيمانية
الإيمان والاحتساب في صيام رمضان
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
كيف يصوم المسلم شهر رمضان إيمانا ؟ وكيف يصومه احتسابا ؟ وما هو الثواب المترتب على هذا الصيام بهاتين الصفتين ؟ أولا : للإجابة على السؤال نذكر الحديث الشريف ، المتفق عليه ، حيث رواه البخاري ومسلم ، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان ، إيمانا واحتسابا ، غُفرَ له ما تقدّم من ذنبه ) ، ثانيا : صيام المسلم شهر رمضان إيمانا يكون على النحو الآتي : الأول : أن تكون مؤمنا بالله تعالى ربا ، وبأنه المستحق للعبودية دون غيره من المخلوقات ، لأنه سبحانه هو الخالق ، وهو الرب الفاعل في الكون ، وعليه لا يقبل الصيام إلا من المسلم ، فلا يصحّ صيام الكافر ، ولا المشرك ، ولا المرتدّ ، وننبه هنا أنه على المسلم قبل دخول شهر رمضان ، أن يتأكد من صحّ إسلامه ، بألا يكون قد عمل عملا من الأعمال التي تخرجه من الإسلام وتجعله مرتدا عنه ، ومن الأمثلة التي نراها في المسلمين اليوم ، إعطاء المسلم ولاءه للكفار والمنافقين ، عن علم ودراية وإصرار ، وكذلك الذين يسبّ الله ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، والدين ، والقرآن ، فمن فعل ذلك لا يقبل من صيام حتى يتوب توبة نصوحا ، الثاني : ويكون صيام شهر رمضان إيمانا ، أن يؤمن المسلم أن صيام شهر رمضان فرض من فروض الإسلام ، وركن من أركانه ، لا يتمّ إيمانه إلا بذلك مع الإيمان بكل ما أوجب الله تعالى الإيمان به ، وأن الله سبحانه قد فرض الصيام عليه في القرآن الكريم ، وعلى لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله ، وأن الإجماع منعقد على فرض الصيام ، فمن أنكر هذا الفرض عن علم كان مرتدا لا يقبل منه صيام ، ومن تهاون في صيام شهر رمضان ، أو تهاون في صيام بعض أيامه ، من غير عذر شرعي ، فهذا – والله أعلم – لا تتحقق له فضيلة المغفرة التي تكون لصائم الشهر كله ، بالشروط التي سوف أذكرها ، الثالث : ويكون صيام شهر رمضان إيمانا ،بأنه إن فرّ ط في صيامه كله أو بعضه ، فإنه يسحق العقاب من الله تعالى ، مع العلم أن الفقهاء لم يطلقوا لقب " الزنديق" إلا على من أفطر في رمضان عمدا من غير عذر مشروع ،ثالثا : أما صيام شهر رمضان احتسابا فيكون على النحو الآتي : الأول : أي طلبا لوجه الله تعالى كما قال البغوي ، فهو لا ينتظر أجرا من الناس ، أيا كان هذا الأجر ماديا أو معنويا ، وعليه من صام رمضان ، وهو ينتظر الثناء من الناس على صيامه ، أو يصومه رياء وسمعة ، مع أن هذا مستبعد في شهر رمضان ، فهذا لا يؤجر على صيامه بمغفرة ذنوبه ، الثاني : وصيام شهر رمضان عدا أنه فريضة ، فهو قربة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى ،ولذلك فصوم شهر رمضان عبادة ، والعبادة تفتقر إلى النية ، لأن النية شرط في قبولها ، وعليه على الصائم حتى يتحقق له الصوم احتسابا أن يحرص على تبيت النية لصيام شهر رمضان المبارك ، لأن صيام الفرض لا يصحّ إلا بأن يبيت المسلم النية من الليل ، والأفضل للمسلم في شهر رمضان أن يجعل لكل يوم من أيام رمضان نيّة مستقلة كما ذهب إلى ذلك السادة الشافعية ، لأن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلّة ، تحتاج إلى نيّة جديدة ( انظر : عمدة القاري للعيني : 10/274)، الثالث : ويدخل في صيام شهر رمضان احتسابا ، أن يصومه بالرضا التام ، والحب لأداء هذه الفريضة ، فإن صام شهر رمضان أو بعضه ، مكرها ، أو خجلا ، أو مستثقلا لصيامه ، أو مستطيلا لأيامه ، من غير عزيمة ورغبة ، لم يكن صيامه حينئذ احتسابا ، ولم ينل المغفرة على صيامه ، لعدم تحقق شرط الاحتساب في صيامه ، الذي ذكرت معانيه ، ( انظر المباركفوري ، مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، 6/404) ، رابعا : فإذا صام المسلم شهر رمضان إيمانا واحتسابا ، بالمعاني التي ذكرتها سابقا ، فقد استوجب المغفرة من الله سبحانه ، ولكن هذه المغفرة ليست كل المعاصي والذنوب ، بل هي مغفرة للصغائر من الذنوب ، أما الكبائر فتجب فيها التوبة النصوح ، وكذلك حقوق العباد فلا تغفر بمجر الصيام ، بل يجب رد الحقوق إلى أصحابها حتى تغفر ذنوب المسلم ، وتبرأ ذمّته منها ، وعليه حتى يقبل صيام المسلم في شهر رمضان ، وتغفر ذنوبه كله ، يجب عليه ما يلي : أولا : صيام شهر رمضان احتسابا ، ثانيا : صيام شهر رمضان احتسابا ، بالمعاني التي ذكرناها سابقا ، ثالثا : إبراء الذمّة من حقوق العباد قبل دخول شهر رمضان ، رابعا : التوبة النصوح من الكبائر قبل شهر رمضان ، فإذا لم تتحقق هذه الأمور ، فإن صيامه يعتريه النقص ، والخلل ، ولا تغفر له ذنوبه ، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الصيام إيمانا واحتسابا ، وأن يغفر لنا الذنوب كلها .
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق