رقائق إيمانية
عيد ألأم
الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
الأم لها مكان الصدارة في ديننا الحنيف ، فهي مقدمة على الأب لأنها حملت بالابن ولأنها أرضعته ، ولأنها قامت برعاية ولدها وحضانته ، قال الله سبحانه في سورة الأحقاف "15" : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)، وأكد صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة للأم بهذه الاعتبارات الثلاثة فقال في الحديث الذي يرويه البخاري (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال:أمك ، قيل : ثم من ؟ قال: أمك،قيل ثم من؟ قال :أمك . قيل ثم من؟ قال: أبوك)، ولعلوّ مكانة الأم في الإسلام جعلها من المحرمات على ابنها على التأبيد ، فقال سبحانه في سورة النساء"23":(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)، والأم كما قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ( كل أنثى لها عليك ولادة) "5/108" ، والأم ترضعك حبها وحنانها ما لبانه الذي ترضعك إياه ، ولهذه الاعتبارات وغيرها فقد أمر القرآن الكريم وأمرت السنة النبوية الشريفة بالبرّ بها والإحسان إليها ، ونهى عن عقوقها ، فقال تعالى في سورة الإسراء "23" : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً )، فجعل الله سبحانه الإحسان إلى الأم وإلى الأب قضاء ملزما وواجبا ، وهو قضاء على سبيل الأمر الواجب تنفيذه من الولد ، وجعل برّ الأم والأب مقرونا بتوحيده ، وقرن شكرهما بشكره ، وكما أن الله تعالى خلقك وأوجدك من العدم بعد أن لم تكن شيئا ، فكذلك أمك ثم أبوك كانا سببا بوجودك من خلال زواجهما ، وكما أن الله سبحانه أنعم عليك بنعمه التي لا تُعدّ ولا تحصى فأوجب عليك شكره ، فكذلك أمك وأبوك قاما برعايتك وبذلا كل ما في وسعهما لبذل كل عطاء لك ، فكان من الواجب عليك شكرهما بالإحسان إليهما ، كما كان من الواجب عليك عبادة الله شكرا على ما أنعم عليك ، وهذا ما أكدت سورة الإسراء ، آية " 23-24" ، حين قال الله عزّ وجلّ: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً)، وكان صلى الله عليه وسلم شديد البرّ بأمه ، حتى استأذن الله تعالى أن يستغفر لها فلم يأذن له ، واستأذنه في زيارتها فأذن له ، وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وبناء على ما تقدم فالإسلام كان سبّاقا لغيره في معرفة منزلة الأم ، وما الدعوة إلى ما يسمى ب" عيد الأم " إلا دليل على الإفلاس القيمي والديني عند الغرب أما نحن أهل الإسلام فلنا أعياد ثلاثة وهي : عيد الفطر ، وعيد الضحى ، ويوم الجمعة ، وكلها أعياد مربوطة بالعبادات ، فعيد الفطر يأتي مباشرة بعد صيام شهر رمضان ، وعيد الأضحى يأتي مباشرة بعد أداء فريضة الحج ، ويوم الجمعة قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين ،فمن جاء الجمعة فليغتسل ) ، ونلاحظ أن أعيادنا الثلاثة ينفق المسلم وقتها فيها في الطاعات ، كصلوات الجمعة ، وصلاتي عيدي الفطر والأضحى ، وكأعمال البر والصلة ، من صدقات وصلة رحم ، وأما بالنسبة " لعيد الأم " فليس في الإسلام عيدا يسمى عيد أم ولا غيره من الأعياد التي ذكرناها ، لكن لماذا نتشنج في الفتوى ، ونحرم بر الأم وصلتها في هذا اليوم بذريعة أنه " بدعة " ، وأنه ليس في ديننا " عيد أم" ؟ نعم لا نقول عن هذا اليوم يوم عيد ، ولكن لا نحرم صلة الأم وبرها في هذا اليوم ، بل قد يكون هذا اليوم تذكير للعاقين من الأبناء والبنات أن يبروا بأمهاتهم وآبائهم في هذا اليوم ، إذن نؤصل لهذا ونقول : "عيد ألأم " ليس عيدا من أعياد الإسلام ، لكن لا مانع أن نتذكر في هذا اليوم أمهاتنا بمزيد من البر والصلة ، ولا مانع أن نذكر كل من هو عاق في هذا اليوم ليتوب من عقوقه ، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها ، فبر الأم وصلتها والإحسان إليها ، كل ذلك مشروع وله أصل في ديننا ، فليكن هذا اليوم يوما :أولا: نتذكر فيه أن الله أكمل لنا ديننا ، ومن ذلك حصر أعيادنا في ثلاثة أعياد فقط ، ثانيا : أن نعمل على بر أمهاتنا في أل 365 يوما من أيام السنة ، وليس في يوم واحد فقط ، ثالثا : أن نستغل هذا اليوم بالتوبة من العقوق ، وبمزيد البر والإحسان لأمهاتنا ، رابعا : أن تشمل توبتنا وبرنا أمهاتنا وآباءنا ، رابعا: أن نتفقه في أحكام البر والإحسان لنعمل بهما ، وأن نتفقه في أحكام العقوق لنجتبها ، خامسا : أن يكون برنا وإحساننا لأمهاتنا وآبائنا شاملا وعاما ، للبر والإحسان المادي كالنفقة والهدية ، وللبر والإحسان المعنوي والذي جمعه قول الله سبحانه (وَقَضى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً)، فإلى البر والإحسان لوالدينا..
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق