كن رجلا يا رجل
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
الرجولة صفة إنسانية أناطها الله تعالى بالذكر دون الأنثى ، ليس احتقارا للأنثى ، ولكن لأن من حكمته سبحانه أن خصص لكل من الذكر والأنثى وظائف يقوم بها في حياته من أجل أن يعمرها بشريعة الله تعالى ، وفق هذه الخصائص ، فكان من نصيب الذكر صفة الرجولة ليحمل الرجل أعباءها من التكاليف الشرعية ، فكان الأنبياء والرسل رجالا ، لأنهم أقدر على حمل الرسالة والنبوة ، وكان الالتزام بالصلوات الخمس جماعة في المسجد من نصيب الرجل لأن من خلالها لها دور اجتماعي وإنساني مهم ، وكانت الدعوة بمختلف أشكالها وبكافة أساليبها أليق بالرجل وأنسب لكونه أقدر من ألأنثى عليها ، ولقد خلق الله تعالى الذكر ليكون رجلا ، لأنه أقدر على تحمل المشاق في وقت الأزمات ، ولأن هدف الرجولة بشكل عام هو إعمار الكون بمنهاج الله تعالى ، وإن كانت الأنثى تشاركه في هذا الإعمار ، إلا أن مشاركتها تبقى في حدود أنوثتها التي خلقها الله تعالى عليها ، فلا يغرّ الذكر صفة الرجولة التي امتنّ الله بها عليه ، لأن لها تبعات وأعباء كثيرة ومتعددة ، ومن هنا جاء القرآن الكريم يخبرنا عن الرجولة ، وصفاتها ، ومعالمها ، ووظيفتها ، في عديد الآيات والسور القرآنية ، وعلى سبيل المثال قوله تعالى في سورة النور "37" : (رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ)، فانظر رعاك الله كيف أثنى الله على الرجال لأنهم عرفوا وظيفتهم في الحياة والتي منها إعمار المساجد بالصلاة والذكر وطاعته سبحانه ، وإذا علمت أخي الفاضل أن ذكر الله من الرجال ، والوارد في هذه الآية الكريمة ، يكون في المسجد الأقصى المبارك ، كما ورد هذا التفسير عن الحسن البصري " الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، 12/265" ،غلب على ظنك وأنت تتلو هذه الآيات الكريمة ، أنك أنت أيها المسلم في فلسطين عامة ، وفي بيت المقدس خاصة ، هو المقصود من الخطاب بالذات منها ، وأولى من غيرك من التمثل والعمل بها ، ولهذا ولما سبق ذكره من مواصفات ووظائف للرجل قلت لك في عنوان هذه المقالة " كن رجلا يا رجل " ، فإثبات الرجولة له صوره ومواطنه وما نراه من بعض الشباب في القرى والمخيمات والمدن والتجمعات الفلسطينية من إطلاق النار من البنادق في المناسبات وغير المناسبات وفي الشجارات وغير الشجارات هو مباهات و"عنترة"، وكله يدل على حقيقة واحدة لا لبس ولا جدال فيها وهي أنهم لا يملكون من مقومات الرجولة أدناها ولن يملكوا أعلاها بسلاحهم فهم أقل من ذلك وأدنى ، بل يدل إطلاقهم الرصاص على عدة أمور أهمها: الأول : إما أنهم جهلاء لأن العاقل لا يستخدم السلاح في كل الحالات التي ذكرناها قبل قليل ، ثانيا :أو أن شخصياتهم ضعيفة وممسوخة فيريدون إثبات شخصياتهم ووجودهم بإطلاق الرصاص من بنادقهم ، ثالثا: أو أنهم يريدون إثبات قوة العائلة والعشيرة وإرهاب من حولهم وهذه قمة السخافة والطيش لأن قوة العشيرة أو العائلة بين العشائر والعائلات يكون بمدى التزامها بالقيم والعادات النابعة من تعاليم الشريعة الإسلامية ، ويكون بمدى إظهار انتمائهم لشعبهم ووطنهم وقضيتهم ، رابعا: وإما أن يكون من يطلق الرصاص مدفوعا من جهة معادية ، وإلا كيف يسمح له باقتناء السلاح وإطلاق الرصاص دون محاسبة أو متابعة ؟؟؟!!! ، خامسا: وأما إطلاق الرصاص بمناسبة الأفراح فهو رعونة وطيش وخفة عقل ، لأنه بالتجربة أدى هذا الأمر إلى إزهاق أرواح بريئة بغير حق ، ولأن فيه إنفاق للمال في غير محله ومكانه وهذا من التبذير والإسراف الذي نهى الله عنه بقوله :" ولا تبذر تبذيرا " ثم وصف الله المبذر ب"الشيطنة" فقال:" إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا"، فهذا الذي يطلق الرصاص يبذر ماله في غير حق وهو تبذير في الحرام ويكفيه أن الله وصفه بالكفر والذي يعني هنا جحود النعمة ، وهذا الجحود لنعمة وهب نعمة المال دفعه للزهو والبطر فلو طلب من مطلق الرصاص أن يتبرع بقيمة الرصاص للفقراء ولا يقوم بإطلاقه لرفض وهو بهذا يكون متبعا لشهوته ولطيشه ولرعونته، ولأن إظهار الفرح بالزواج أو بالنجاح أو بغيره يكون بما ينفع الناس وبما لا يضرهم ويؤذيهم ، ولأن في إطلاق الرصاص إخافة وترويع للصغار ولكبار السن ولطلاب العلم وقد نهى رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يروع مسلم مسلما ، ولأن إطلاق الرصاص يؤدي إلى نشوب النزاعات والثارات الجاهلية ودفع الديات وتمزيق اللحمة بين أبناء المجتمع الفلسطيني والتي نحن في أمس الحاجة إليها في ظل الظروف التي نحياها ، وبناء على ما تقرر سابقا فإن من يشتري أو يبيع سلاحا أو يستخدمه فيما أشرنا إليه من حالات فهو خارج عن قيم المجتمع الفلسطيني وأعرافه النابعة من تعاليم الدين الحنيف ، وهو أيضا خارج عن الصف الوطني لأن الفلسطيني الوطني هو الذي يحفظ أمن وطنه ويعمل ليل نهار على راحتهم وتوفير سبل الخير لهم ، وهو بكل تصرفاته المذكورة الطائشة الرعناء خارج أيضا عن وصف ( الرجولة) ، فإن أراد أن يعيد لنفسه رجولتها فليق سلاحه وما فيه من رصاص في حاوية القمامة ،ثم ليعلم أنه إن أصر على طيشه ورعونته فلن يخيف أحدا ولن يقيم له الناس اعتبارا ولا وزنا.
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق