تعديل

الأربعاء، 26 مارس 2025

ليلة القدر

ليلة القدر
رقائق إيمانية
 الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
ليلة القدر هي ليلة مباركة ، قال الله تعالى في سورة الدخان آية "3" : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ)، والليلة المباركة هي ليلة القدر التي نزل فيها القرآن الكريم بوساطة الوحي جبريل عليه السلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 16/126" : ( ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة ، وليلة البراءة ،وليلة الصكّ ، وليلة القدر ، ووصفها بالمباركة لما ينزل فيها على عباده من الخيرات والبركات والثواب ) ، وفي هذه الليلة  المباركة وهي ليلة القدر ، يفرق الله فيها كل أمر حكيم ، كما خبر في الآية الرابعة من سورة الدخان فقال سبحانه : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)،  فليلة القدر هي ليلة العمر كله ، من رزق خيرها فهم مكرم محظوظ ، ومن حرم خيرها فاته الخير الكثير ، وليلة القدر تعني:ليلة الحكم التي يقضي فيها ربنا عز وجل قضاء السنة كلها وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ، قال:نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمع،وقال الحسن في شأن ليلة القدر :"فيها يفرق كل أمر حكيم " : فيها يقضي الله كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها ،واختلف العلماء في معنى قوله تعالى"ليلة القدر خير من ألف شهر" على أقوال,قال القرطبي "وأشبه الأقوال بظاهر التنزيل قول من قال:عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" ،  وقوله تعالى"تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر" الصواب من أقوال المفسرين في معنى الآية الكريمة:أن الملائكة في هذه الليلة تتنزل وجبريل معهم وهو "الروح"بإذن ربهم من كل أمر قضاه الله في تلك السنة من رزق وأجل وغير ذلك ، وقوله تعالى"سلام هي حتى مطلع الفجر" أي :أن ليلة  القدر سلام من الشر كله من أولها إلى طلوع الفجر من ليلتها، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبهن فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة " ،ومن الأمور التي يغفل عنها المسلمون اليوم أن التشاجر بينهم والأحقاد والضغائن سبب في رفع الخير والبركة عنهم,فقد روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال :خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحي رجلان من المسلمين فقال :"خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحي فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خير لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحيي العشر الأواخر من رمضان ، وهذه هي سنّته التي علينا أن نحرص عليها فعن عائشة رضي الله عنها قالت :" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"، ويستفاد من قول عائشة رضي الله عنها أن النبي  صلى الله عليه وسلم وأسرته كانوا يقومون الليالي العشر من رمضان فعلى رب الأسرة أن يكون قدوة لهم فيشد مئزره أي لا ينشغل بالدنيا ومتاعها من النساء وغيرهن ،ويجتهد في العبادة ، وإذا عرفنا ما تقدم ذكره عن ليلة القدر وفضلها وجب على المسلمين ما يلي: أولا : الإقبال على هذه الليلة بالإحياء ويشمل الإحياء كل عمل صالح من صلاة وتلاوة للقرآن ومدارسة العلم النافع وذكر الله تعالى ثانيا:وعلى المسلمين أن ينتهوا عن المنكرات والمعاصي التي يحدثونها في العشر الأواخر من رمضان وبخاصة في ليلة القدر كالمفرقعات وإضاعة الوقت في القيل والقال والغيبة والنميمة وغير ذلك فإنها بضاعة كاسدة للرجل الفارغ ، ثالثا:ليحرص كل مسلم على الدعاء في ليلة القدر بالخير له وللمسلمين ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة أن تدعوا  قائلة:"اللهم انك عفو تحب العف فاعف عني وهذا دعاء عظيم النفع لأن عفو الله تعالى سبب سعادة المرء في الدنيا والآخرة ، فيا رب انك عفو تحب العفو فاعف عني وعن المسلمين ، رابعا : نرى أهمية الليل في حياة المسلم ، وبخاصة في رمضان ، وعلى  الأخص في ليلة القدر ، فكما أن للمسلم وظيفة في نهاره ، من خلالها يعمر الكون بمنهج الله وطاعته ، فكذلك هذه الوظيفة تشمل ليله ، فاليوم وهو النهار وليلته في حياة المسلم هو للإنتاج ، وللعمل إرضاء الله تعالى ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه  وسلم في رمضان يحيي الليل كله ، ويعزف نفسه عن ملذات الدنيا ، وكذلك في غير رمضان كان ليله صلى الله عليه وسلم للقيام وقراءة القرآن وتلاوته ، ولأهمية الليل في حياة  المسلم فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن السهر في الليل من غير حاجة ملّحة ، ومن غير ضرورة ، ولم تكن ليالي رمضان خاصة للسهرات والغناء وعصيان الله تعالى ، كما رأينا وشاهدنا على وسائل التواصل الاجتماعي ، فهذا كله مخالف لتعاليم ديننا الحنيف ، ومخالف لمقصد الصيام وهو تحقيق التقوى في شهر رمضان ، في ليله ونهاره ، وهذا من كبائر الذنوب التي سوف يسلط الله تعالى على مرتكبيها وعلى من يسكت عنها العذاب الشديد، وما نراه حولنا سينزل بنا إن لم نبادر إلى التوبة :(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)سورة غافر آية " 44" 
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More