قبل أن ترحل
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
قبل أن يرحل رمضان ، وقبل أن ترحل أنت أيضا وتغادر هذه الحياة الدنيا ، قف معي رعاك الله تعالى عند هذه الآية الكريمة من سورة يونس آية : "7" : (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)، واسأل نفسك هل عبدت الله ربك عبادة الخوف منه سبحانه ؟ أم هل عبدته عبادة الطمع والرجاء برحمته ؟ أم أن قلبك مفلس من هاتين العبادتين ، فاحذر فهذا الله لا يخاف من الله عقابا ، ولا يرجو منه ثوابا ، احذر أن تفرح بالدنيا ،أو تسكن إليها ، احذر أن ترضى بالدنيا عوضا عن الآخرة ، فم سُميت الدنيا بالدنيا إلا لدناءتها ، ولقربها من الزوال ، احذر أن تكون الغافلين ، الذين لا يعتبرون ولا يتفكرون ، إن كنت انتهكت حرمة رمضان فقبل رحيله تب وارجع إلى ربك ، وإن كنت تنتهك عمرك بالمعاصي والغفلة عن طاعة الله ربك ، فسارع في العودة إليه سبحانه ، واعبده طمعا في جنته ، وخوفا من عقابه ، فإن جنته دار خلود لا يشقى ساكنها ، وإن النار دار خلود يشقى فيها نزيلها ، وتفكر كم من رمضان أتى ومضى ، وتذكر الناس من حولك كم من حبيب كان بقربك وهو الآن في القبر ينتظر أن يبعث منه يوم القيامة ليحاسب على مثقال ذرة ،فإن كنت قادرا أن تهرب من الموت ، أو تفلت من يوم القيامة فافعل ما بدا لك ، وإن كنت غير ذلك ، وأنت كذلك ، فاقرأ هاتي الآيتين وتفرك فيهما طويلا ، ففيهما ذكر الله تعالى صفات أصحاب العقول المنتكسة التي لا ينتفعون بها في النجاة العظمى في الدارين الدنيا والآخرة ، حيث نسوا أن عقلهم مناط تكليفهم ،وأنه سبب لتمييزهم عن غيرهم من خلق الله تعالى ، وأنهم بغيره لا قيمة لهم ولا شأن ، فهل المجنون له قيمة وشأن وهل له تميز بين الناس ؟؟؟ . وأمّا هذه الصفات التي أدت إلى انتكاس عقول أصحابها فهي:أولا: الكفر بالآخرة وترك العمل لها مع أن صاحب العقل السليم حين يستخدم نظام الاحتمالات سيصل مباشرة إلى نتيجة هامة وهي يجب أن أعمل للآخرة، وذلك من خلال نظام الاحتمالات فيقول : يمكن أن تكون هناك آخرة ويمكن ألا تكون ، فالأفضل لي أن أعمل للآخرة حتى إذا كانت لا أخسر حينها الجنة والنجاة من النار لكن لو كفرت فستكون مصيبة المصائب حينئذ ،وهذا ما دعا الله إليه الناس فقال سبحانه: " وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر" ، يعني ببساطة ماذا سيخسر من يؤمن بالله واليوم الآخر، لن يخسر شيئا إلا انتكاسة عقله...ثانيا: الرضا بالحياة الدنيا دون العمل للآخرة الصفة الثانية من صفات أصحاب العقول المنتكسة ، ويدل على انتكاسته في عقله أن الدنيا ما سميت دنيا إلا لأنها دنيّة من الدناءة فهل يرتضي العاقل أن يؤثر الدنيء على ما ليس دنيئا ؟ وأيضا ما سميت دنيا إلا لقربها من الآخرة وأنها زائلة وأن الآخرة هي الباقية فكيف يفضل صاحب العقل الرشيد الفاني على الباقي الخالد ، أليس هذا انتكاسة في عقول من يختار الدنيا على الآخرة؟ثالثا: الغفلة عن النظر في قدرة الله وملكوته ، وهذه الغفلة هي أكبر المفسدات للعقول ،وهي أكبر المهلكات للبشر ، وقد حذر الله منها في القرآن الكريم في عديد المواطن وذمّ من يتصف بها بل أنزلهم منزلة الحيوان لاتصافهم بها فقال سبحانه:" أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" وإني لأعجب أشد العجب ممن يحمل شهادات عليا ووصل مرحلة متقدمة من العلم والثقافة وارتكس عقله وانتكس فلم يصل إلى مرتبة ذلك الأعرابي الأمّي الجاهل الذي لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه احترم عقله ووظّفه في أصل وظيفته التي خلق لها وهي التكليف فاستدل على قدرة الله وعجيب صنعه حين قال بكلام بسيط ولكنه كلام علمي عميق :" البعرة تدل على البعير والقدم تدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على العليم الخبير"؟؟؟ ومن ارتكس عقله وانتكس واتصف بهذه الصفات الثلاثة كان مصيره النار يوم القيامة وهذه نتيجة حتمية لمن كان كذلك ، ألا ترون معي أيها السادة القرّاء أنه لو أنّ أي موظف كان لا يذهب إلى مكان عمله ولا يعمل بما يجب عليه من أعمال بل يسخر ويستهزأ من طبيعة عمله ويشهّر بصاحب العمل ، هل يستحق الأجرة على وظيفته أم يستحق الحرمان منها بل والعقاب لسخريته واستهتاره ؟ فكيف بأصحاب العقول المنتكسة ولله تعالى المثل الأعلى!!! وأصحاب العقول المنتكسة ما انتكست عقولهم إلا لأنهم رضوا بالحياة الدنيا فلم يعملوا عقولهم بالنظر والتفكر في حياة أخرى سوف تكون وهي أفضل وأبقى من الدنيا التي يعيشون فيها ، ورضاهم بالدنيا أغلق عقولهم فجعلهم يظنون أنّ الدنيا تكفيهم ولا حاجة تدعوهم للنظر في الحياة الأخرى وهذه هي الانتكاسة الحقيقية للعقول فلو لم تنتكس عقولهم لعلموا وأيقنوا أن حياتهم الدنيا ناقصة ويدل ل نقصانها زوالها وأنهم ميتون لا يخلدون فيها ويدل على نقصانها أيضا أنها حياة لا سلامة فيها ولا معافاة ولا سعادة تامة ففيها المرض والفقر والحزن والخوف ولا تخلو من الأكدار مهما سلمت للمرء فهل حياة كهذه يتمسك بها عاقل له مُسْكة من عقل ؟؟؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق