مهارات الصيام
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى
للصوم في شهر رمضان خاصة ثلاث مهارات ،وهي مهارات على المسلم أن يتعلمها ويتقنها في كافة أوقاته وسنوات عمره ، فإذا أتقنها المسلم نجح وأفلح في صيامه ،وحقق إيمانه ، قولا وعملا ، وإن لم يتقنها أظنه خاسر ، وفاته خير كثير ، فرمضان دورة تدريبية ربانية لكل مسلم في كل عام ، ليتخرج منها بشهادة عملية تؤهله لتحقيق وظيفة استخلافه في الأرض التي خلقه الله من أجلها ، وهذه المهارات الثلاثة هي : أولا : مهارة تدريب عقله على معرفة أحكام الشريعة الخاصة بالصيام من جهة ، والأحكام الشرعية المتعلقة بشكل عام ، وهو ينطلق بهذه المهارة من قوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)، ومما يحزن القلب أن المسلمين يدخل عليهم رمضان ويخرج وهم يسألون عن أحكام الصيام ، وكذلك يدخل عليهم رمضان ويخرج من عندهم ، ولم يتعلموا بشكل عملي مهارة التعامل مع غيرهم من المسلمين أقارب وجيران وأصدقاء ، مع أن هذا الشهر هو فرصة ثمينة لتعلم هذه المهارة ، ثانيا : مهارة تقوية الجسم ، ولا يتفطن الصائمون في رمضان إلا إلى جزء من هذه المهارة وهي مهارة إشباع البطن ، وحتى مهارة إشباع البطن لا يتقنوها فيملأون البطون بالطعام والشراب ، ولا يتركون مجالا للنَفَس والهواء ، وأما الجزء المتبقي من مهارة تقوية الجسم فهي تكاد معدومة ، كتدريب الجسم على الحركة ، والصحة ، والعمل النافع ،ثالثا: خلاء بطنك في شهر رمضان من الطعام له مهارة ثالثة ومن فوائدها :أنك تجوع امتثالا لأمر الله تعالى بالإمساك عن الطعام والشراب ، وهو جزء من التقوى ، فقد ذكر القرطبي في تفسيره أن من معاني ( لعلكم تتقون) : لعلكم تضعفون ، فالمسلم حين يقلل من الطعام أثناء صيامه يضعف ولا يسمن ، ولهذا عدة فوائد منها :الأول: الحفاظ على الجسم من الأمراض ، كالضغط والسكري والسمنة وغيرها ، ثانيا : النشاط والفطنة ، فخلّو المعدة من الطعام ، تؤدي إلى نشاط الإنسان ، ويزيد من فطنته ، بعكس البطنة ، فإن الإنسان إذا امتلآ بطنه ، ذهب نشاطه ، وقلّت فطنته ، ويتضح لنا هذا المفهوم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن)، فالبطن إذا امتلآ بالطعام والشراب ، ضغط هذا كله على الصدر والقلب ، فيمرض الصدر بما يسمى " الارتجاع المرييء" ، ويمرض القلب فيصدأ كما يصدأ الحديد ، فلا يكاد يفقه حديثا ، ولا يكاد يعتبر بما يمرّ عليه ، وقديما قالوا ( البطنة تذهب الفطنة) ، وقال سيدنا عيسى عليه السلام " يا بني إسرائيل.:لا تأكلوا كثيرا، فتشربوا كثيرا، فتناموا كثيرا فيفوتكم خير كثير" ، ثالثا : الشعور بالفقراء الذين لا يجدون طعاما يأكلونه ويشبعون منه ، وهذا المعنى غير متحقق عند كثير من الناس الذين يصومون ، لأنهم يملأون بطونهم عند السحور وعند الإفطار ، فمتى يجوع هؤلاء؟ ومتى يشعرون بغيرهم الجوعى ؟ لقد رأينا الناس في غزة يعانون من الجوع ، وعرفنا بالرؤيا والمشاهدة حقيقة الحرمان من الطعام والشراب ، وتأكد لنا حكمة خلاء بطن الصائم من الطعام والشراب أثناء الصيام وبخاصة في شهر رمضان ، فما هو المطلوب من المسلمين الصائمين في شهر رمضان ؟ الجواب : أولا : الترشيد في كمية الطعام ،الثاني : حفظ النعمة بعدم إلقاء ما تبقى من الطعام في النفايات ، بل إعادة جمعه وحفظه والتصدق به على العائلات المستورة ، أو المراكز المحلية المحتاجة إليه ،الثالث: أو من خلال صلة الأرحام حين الترشيد في النفقة على الطعام ، بدفع جزء من المال المدخر للطعام في رمضان لبعض الأرحام ، مما يزيد في التواد ، والتكافل ، والمحبة ، والأجر لباذل المال المشار إليه ، مع التنبيه إلى أن الطعام والشراب الذين يأكله الصائم هو عياله مصيره الزوال والفناء ، وأن ما يبذله للناس من طعام أو مال ، هو الذي يُدّخر له ويحفظ عند الله تعالى ، وبه يدفع الله عنه البلاء ، رابعا :مهارة تزكية النفس ، وهي تحتاج إلى بصيرة من المسلم ، فيعرف طرق الخير لتزكية النفس ليزكيها ، ويعرف طرق الشر فيجتنبها تزكية لنفسه ، فمهارة تزكية النفس تكون بالطاعة حينا ، وتكون بمعرفة المعصية واجتنابها حينا آخر ، ولقد تعلم الصحابة هذه المهارات ، فأخذوا بمهارة تدريب العقل عن طريق تلقي العلم النافع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان لهم أن جمعوا علم الدين والدنيا ، فسادوا وملكوا وعزّوا ، وتعلموا مهارة تربية البدن ومن ذلك صبرهم على حصار الشعب في مكة ثلاث سنيين فخرجوا أقوى وأشد وأصلب عودا ، وتعلموا مهارة تزكية النفوس ، ومن الأمثلة على ذلك أنهم كانوا رهبانا في الليل ، فرسانا في النهار ، وكانوا يتلقون الوحي من النبي صلى الله عليه وسلم للعمل به وليس للمراء والجدال كما هو حال عديد المسلمين في هذا الزمان ، وينبثق عن هذه المهارات الثلاثة مهارات كثيرة هي شعب الإيمان على كل مسلم أن يكون له الحظ الوافر منها ، كمهارة قيام الليل ، ومهارة الصدقة ، ومهارة صلة الرحم ، ومهارة العفو عن الزلات ، وغيرها من المهارات ، التي ينبغي أن تكون حاضرة في حياة المسلم في رمضان وسائر شهور السنة
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق