تعديل

الأربعاء، 5 مارس 2025

الصيام المثمر

الصيام المثمر 

رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
 خطيب المسجد الأقصى المبارك
الصيام شجرة ، والمرجوّ منها ثمارها ، فإذا صمنا شهر رمضان فهذا يعني أننا غرسنا شجرته لنقطف منها ثمارها ، ولا يكفي أن تكون هذه الشجرة يانعة خضراء دون أغصان وارفة ، فمجرد الجوع والعطش واعتزال معاشرة الزوجات هو هذه الشجرة ، لكن ما يترتب على هذا الامتناع عن المفطرات الثلاثة التي ذكرتها لا يكفي للحصول على الثمرة ، لأن هذه المفطرات في أصلها مباحة للمسلم المكلف ، وإنما كان مقصد الامتناع عن هذه المباحات أن يمتنع المسلم المكلف بالصيام عن غيرها من المحرمات ، وهذه هي ثمرة الصيام الحقيقية والتي قال الله فيها ( لعلكم تتقون) سورة البقرة:(183)، ومع هذه الثمرة الأصيلة للصيام وهي التقوى وحتى يكون الصيام مثمرا ، ويؤتي أكله ، لا بد من التزام المسلم الصائم عدة أمور ، وهي : أولا : أن تتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام ، وأن تسلك طريقه ، وأن تكون على مجاهدته التي كان عليها أثناء شهر رمضان ، وهذا يتطلب منك أن تفقه صيام النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في سلوكه أثناء صيامه حتى تكون متبعا له صلى الله عليه وسلم ، وهذا أصل من أصول ديننا ، وهو أننا نتبع ولا نبتدع،لأن الأصل في العبادات الوقيف ،قال الله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)سورة آل عمران : (132)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (من أطاعني دخل الجنة،ومن عصاني فقد أبى) ، رواه البخاري في صحيحه ، ثانيا : المسابقة إلى الطاعات والخيرات والتنافس فيها بقدر ما أعطاك الله من قوة بدنية ومالية وعلم وفقه ، وهذا مجاله واسع في شهر رمضان ، وباب مفتوح على مصراعيه ، والأصل فيه قول الله تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)سورة المطففين : (26) ، فالمبادرة إلى كل خير ، والمبادرة إلى اجتناب كل شر ، هو الركن الذي يقوم عليه صيام المسلم في شهر رمضان ، وقال الله تعالى في المسابقة إلى الطاعات : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)سورة آل عمران : (133) ، فلا بد من المسارعة إلى ما يوجب المغفرة ، ويعتق الرقبة من النار ، وهي الطاعة لله تعالى ، والطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فاستباق الخيرات ثمرة من ثمار الصيام ، فأداء الفرائض ثمرة ، والصبر عن المعاصي ثمرة ، والصبر على أقدار الله ثمرة ، وبقدر ما ينتج صيامك من ثمار يكون صيامك مقبولا ، وطريقا إلى ولوج الجنة المفتوحة أبوابها لك في شهر الصيام ، ثالثا : خلع عادات الجاهلية التي يلبسها كثير من الناس ، فكيف تكون صائما لله إيمانا واحتسابا وأنت تلبس ثياب الجاهلية وتتزين بزينتها ، كالعصبية ، وكراهية التحاكم إلى شرع الله ، والتبرج للمرأة ، واللباس غير المقبول من الرجال اليوم ، وغير ذلك كثير ؟ وأنت بأعمال الجاهلية تناقض إيمانك وصومك فانتبه رعاك الله وكن على حذر ، فكل هذه الأعمال هي كالأغصان اليابسة في شجرة صيامك ، قال ربنا عزّ وجلّ: (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)سورة المائدة : (50)، رابعا : التعاون مع جماعة المسلمين حولك على كل طاعة وبرِ وإحسان ، ولا يكفي أن يجمعنا أذان الفجر لنبدأ صيامنا ، وأن يجمعنا أذان المغرب لننهي صيامنا ، بل يجب أن يجمعنا شهر رمضان على سبيل الحق والتقوى والتناصح والتناصر عليهما ،قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه النسائي رقم 4210، خامسا : أن تأمر بالمعروف ، وأن تنهى عن المنكر ، فكما أن من الواجب عليك حتى يقبل الله منك الصيام أن تحفظ جوارحك كلسانك وبصرك وسمعك ويدك وقدمك من كل منكر ، وأن تعمل كل هذه الجوارح في طاعة الله تعالى ، فإنه يجب عليك أن تكون آمرا بالمعروف ، وناهيا عن المنكر ، بضوابطه الشرعية ، وهذا جزء لا يتجزأ من عملك اليومي في كل يوم من أيام السنة ، وفي كل يوم وليلة من أيام وليالي رمضان ، لأنه لا يكفي أن تكون صالحا حتى تكون مصلحا ، والآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة كثيرة في وجوب الأمر بالمعروف ووجوب النهي عن المنكر ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران : (104) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لتامرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ، أو ليوشكنّ الله يبعث عليكم عذابا منه ثمّ تدعونه فلا يستجاب لكم ) رواه الترمذي 2169، فانظر رعاك الله كيف يكون تركك للأمر بالمعروف ، وإعراضك عن النهي عن المنكر مانعا من استجابة عائك ، وأنت في صيامك لك دعوة مستجابة فلا تغلق الباب في وجهها ، وليكن صومنا مثمرا بثماره الدانية ، بالكف عن الآثام في رمضان ، ثم بأعمال الخير وهي كثيرة ، وثمارها قريبة مثل : صلة الرحم والصدقة وإخراج الزكاة وكفّ الأذى عن المسلمين ،والتعاون على الخير ، والتنادي إلى إغلاق أبواب الشر التي أغلقها الله بإغلاق الجحيم.
والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More