البرنامج اليومي للمسلم في رمضان
رقائق إيمانية
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
أيام شهر رمضان هي أيام تدريب عملي للمسلم على المنهج الذي يستخدمه في قضاء ساعات أيام عمره ، التي كل لحظة منها إما أن تسجل في ميزان حسناته ، أو تسجل في ميزان سيئاته ، والمسلم عادة يبدأ يومه بذكر الله تعالى بعد الاستيقاظ من نومه ، فإذا كان ناويا للصيام فريضة كصوم رمضان أو غيره ، فمن السنّة النبوية أن يتناول طعام سحوره ، لأن في تناوله تعبّدا لله تعالى ، فهو يعمل بالسنّة النبوية ، ويخالف أهل الكتاب في صيامهم لأنهم لا يتسحرون ،وينال دعاء الملائكة له ، لأن الملائكة تصلي على المتحسرين ، يعني : تدعو لهم ، تقول : اللهم ارحمهم ، الله اغفر لهم ، وبالسحور يتعود المسلم على الاستجابة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، واتباع سنته ، والمبادرة إليها ، عدا عن أنه بتقوى سائر يومه على طاعة الله ، والقيام بأعماله ،وبعد تناول السحور ، يحرص على أداء صلاة الفجر جماعة ، ثم بعد ذلك يقرأ ورده الصباحي من الأذكار ، سواء جلس في مصلاه ، أو خرج بعد ذلك لطلب الرزق ، وإن كان موظفا ، أو عاملا ، خرج لعمله ، حافظا لسمعه ، وبصره ، ولسانه ، ويده ، وقدمه ، من كل ما نهى الله عنه وحرّمه عليه ، فإن كان فارغا من العمل ، وقد كفاه الله مؤنة الكسب ، شكر الله تعالى على هذه النعمة ، فيجلس ، ويصلى صلاة الضحى التي هي صلاة الأوابين ، وأقلها ركعتان ، وتكفيان المسلم عن شكر الله تعالى على نعمة الخلق الذي خلقه عليه ، وهذا كل صباح ، ولا ينسى ورده من القرآن الكريم ، فيقسم الورد القرآني إلى قسمين ،الأول : قراءة القرآن ، ويحرص على ختم القرآن في شهر رمضان أكثر من مرة ، والثاني : تلاوة القرآن ، وهذه التلاوة هي قراءة القرآن بالتدبر والتفكر في معانيه ، ومحاولة التخلق بأخلاق القرآن الكريم ، وهذه التلاوة لا يشترط فيها ختم " الختمة" ،بل هي للتدبر ، والعمل بأحكام القرآن الكريم ، ثم يحرص المسلم على الصلوات الخمس جماعة في المسجد ، ولا يتقاعس عن خدمة أهله في بيته ، ويحفظ سلوكه ، وأخلاقه معهم ، فلا يؤذيهم بقول أو فعل بحجة أنه صائم ، ولا يطلب منهم أكثر مما يجب عليهم ، وأكثر مما يطيقون ، فهم مثله صائمون ، وهم مثله فيما يجب عليهم فعله في أيام رمضان ، وأفضل أخلاق المسلم في رمضان خاصة الصبر ، فلا يجهل إذا جهل عليه الآخرون ،ويعفو ويصفح ، ولا يرفث ، ولا يصخب ، فهذه تيجان الصائم الذي يقبل الله منه صيامه ، وإذا كان في المسجد وفيه مجلس علم ، فالأفضل الاستماع إلى درس العلم ، لأن درس العلم وقته محدود وينتهي ، وأما تلاوة القرآن والذكر ،فلديه وقت طويل للتلاوة ، ثم يستثمر المسلم يومه في صلة الرحم ، بتفطير الصائمين ، وبرّهم بما يقدر عليه من أنواع البر والصلة لهم ، وهو قبل ذلك كله ، يعلن توبته النصوح إلى ربه تعالى ، من حقوق الله عليه ، ومن حقوق العباد التي لا يغفرها الله إلا برد هذه الحقوق لأصحابها ،فإذا حان وقت الإفطار ، جلس مع أهل بيته ، متحببا إليهم ، ومشفقا عليهم ، ويحرص أن لا يملأ بطنه ، بل كما جاء في الحديث ، ثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه وهوائه ، وحين يخرج لصلاة العشاء والتراويح ، لا يخرج من صلاة التراويح قبل صلاة ثماني ركعات على الأقل ، فبعض الناس يصلى أربع ركعات تراويح ، فهذا يكون قد أساء ، لأن التراويح لا تقل عن ثماني ركعات ،وإن كان يجزىء أقل من هذه الركعات ، ثم يصلى مع الإمام حتى ينتهي الإمام من صلاته ، فإذا صلى في أحد المساجد الثلاثة خاصة ، يحرص على الاستزادة من ركعات التراويح حيث يصلي معهم الركعات المتعارف على صلاتها فيها ، فإذا رجع إلى بيته ، لا يخلط العمل الصالح بالعمل المحرم ، كالسهر من غير ضرورة ، أو يجلس في مجالس أحاديثه دنيوية ، فيها لغط ولغو كثير ، ولا يمضي ليله متنقلا من فضائية إلى أخرى ، متابعا البرامج التمثيلية ، وغير ذلك مما هو منكر ، ولا ينسى أن يُبيّت النية لصيام اليوم التالي ، لأن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة ، ويحتاج إلى نيّة مستقلة ،ولأن كل عبادة لا تقبل إلا بالنية ، وهذا البرنامج يشمل الرجل والمرأة ، إلا أن المرأة لها خصوصية ، تجعلها تقوم على خدمة أهل بيتها نهار رمضان وليله ، وهذا العمل لها أجرها عليه عند الله سبحانه ، وبهذا يكون أجر المرأة الصائمة في نهار رمضان خاصة ، والتي تقوم بإعداد الطعام وغير ذلك من أمور الأسرة ، أكثر من أجر الرجل ، وإذا ابتلى الله الزوجة بزوج سيء الخلق في شهر رمضان ، كثير الطلبات ، ثم صبرت هذه الزوجة على هذا الزوج ، تضاعف أجرها ، وزاد ثوابها ، وأخيرا فالعمل الصالح في أيام رمضان لا يقتصر على الصوم ، والصلاة ، وتلاوة القرآن ، فالمسلم العامل ، والموظف ، هو أيضا في علمه ، ووظيفته ، يقوم بعمل صالح ، إن كان عمله مشروعا ، وهو يتقي الله فيه.
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق