رقائق إيماني
التكافل بين الصائمين
الدكتور محمد سليم محمد علي
خطيب المسجد الأقصى المبارك
لو فرضنا التكافل إنسانا وسألناه من أحق المسلمين بالتكافل اليوم لقال لنا قول الواثق : أحقهم بالتكافل الشعب الفلسطيني ، تكافلهم فيما بينهم من جهة ، وتكافل عامة المسلمين في كافة الأقطار معهم من جهة أخرى ، ذلك أن مصاب هذا الشعب جلل ، ومتدحرج مثل كرة الثلج يزيد حجمها بتدحرجها ، فمن معاني الكفالة الشاهد والرقيب ، والحافظ ، والضامن ، كما قال القرطبي عند قوله تعالى في سورة النحل (91) : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) ، انظر : الجامع لأحكام القرآن (10/170) ،فمن عرف حال شعبنا في كافة المحافظات ، وراقبها بعين المبصر الفطين ، تأكد أن هذا الشعب يحتاج إلى حافظ له مما ينزل به من المصائب ، وإلى ضامن يضمن له خروجه مما يعتريه من ألوان الابتلاءات والكربات ، وهذه الكفالة بهذه المعاني هي من أصول ديننا الحنيف ، ومن ركائز العلاقات بين أبناء المجتمع المسلم ، ولا تقتصر على مجموع الأفراد بل تشمل الحكام أيضا ، فهؤلاء جميعا يجب أن ينهضوا لتحقيق التكافل مع أبناء شعبنا ، التكافل المادي ، والتكافل المعنوي ، وقد أقام القرآن الكريم هذا التكافل بين المسلمين على قاعدة رئيسة وهي قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) سورة المائدة (2) ، وأقامه النبي صلى الله عليه وسلم على عدة ركائز أهمها ما رواه البخاري عنه في كتاب الأدب :( ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ، وإذا كان التكافل هو الحالة العامة التي يجب أن تسود المجتمع المسلم ، فإنه يجب أن يكون الحالة الخاصة التي يجب أن تظهر بين الصائمين في شهر رمضان المبارك ، ويمكن ذكر بعض صور التكافل بين الصائمين في المجتمع الفلسطيني خاصة ومنها : أولا : التكافل المالي وله عديد الصور منها : الزكاة ، وهي الحق الواجب في المال البالغ للنصاب إذا حال عليه الحول الهجري ، وكان زائدا عن الحوائج الأصلية ، وإذا أردنا أن ننزل شعبنا الفلسطيني على مصارف الزكاة الستة من الأصناف الثمانية لوجدناها تستوعبه ، وأنها تتوزع على فئاته المختلفة ، فمن أبناء شعبنا من يقع تحت وصف الفقير والمسكين ، ومنهم من هو من الغارمين ، ومن الأسير الذي يمكن أن يتحقق فيه وصف ( الرقاب) ، واليوم منهم من هو ابن السبيل وفي سبيل الله ، قال الله فيمن يستحق صرف الزكاة إليه في سورة التوبة (60) : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وعليه فإن الزكاة باب من أبواب التكافل فرضه الله على الأغنياء ، ولو فقه هؤلاء الأغنياء فقه إخراج زكاة أموالهم لكفت عديد الأسر من أسر مجتمعنا الفلسطيني ، ثانيا : كفالة اليتامى ، ورعاية الأطفال ، الكفالة المادية والمعنوية ،قال الله تعالى في سورة الضحى (9) : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) ، فرفع الظلم عن اليتيم وإعطاؤه حقه صورة من كفالته ، وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الكفالة حتى جعل فاعلها رفيقه في الجنة فجاء في الحديث الذي رواه البخاري : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة ) ، ثالثا : وفي شهر رمضان يجب التفطن إلى رعاية وكفالة المطلقات والأرامل اللواتي لا معيل لهن ينفق عليهن ، قال الله تعالى في سورة الطلاق (6): (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) ، رابعا : كفالة المنكوبين ، وقد وردت في كفالتهم عدي الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من ركب يوم القيامة ) ، وروى الطبراني في الأوسط : ( أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن ، كسوتَ عورته ،أو أشبعت جوعته ، أو قضيت له حاجة ) ، فهذان الحديثان الشريفان يذكران صورا عديدة لإغاثة المنكوبين ، والتي يمكن لأي مسلم ، وأي صائم يرغب أن يكون له منزلة عند الله تعالى أن يعمل بأي صورة منها يقدر عليها ، وهي كما نرى يحتاجها العديد من أبناء شعبنا في ظل هذه الظروف الراهنة ، خامسا : يمكن أن تكون صدقة الفطر صورة من صور التكافل التي تسدّ ثغرة في حاجات المعوزين والمحتاجين ، مع العلم أن من مقاصد صدقة الفطر التكافل بإدخال السرور والكفاية على الفقراء والمساكين ليلة العيد وفي يومه ، سادسا : ولعل التكافل بصورة " الإيثار " هو أهم صورة نحتاجها اليوم في مجتمعنا الفلسطيني ، هذه الصورة الغائبة تماما عن مجتمعنا والتي في مقدمتها تفاني المسلمين في خدمة بعضهم البعض ، وإلقاء حظوظ نفوسهم خلف ظهورهم ، وقد كانت هذه الصورة قائمة بين المهاجرين والأنصار ، وهي التي أقامت المجتمع في المدينة المنورة على أساس قوي ومتين ، ولا ريب أننا اليوم نعيش حالة المهاجرين والأنصار ، فمن منا يبادر ويكون أنصاريا أو يتشبه بهم على الأقل ؟
والحمد لله رب العالمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق